بقلم :" محمد مناور العبادي*
مثلما وأد الاردنيون كل فتنة سابقة ، تمكنوا اليوم بحنكة وحكمة جلالة الملك عبد الله الثاني ، وكفاءة وفاعلية اجهزتنا الأمنية وسرعة تحركها، من اخماد فتنة كبرى ، كان يمكن ان تكون اقسى من كل سابقاتها، بسبب ظروف المنطقة، وتمدد الارهاب في العديد من دولها والعالم ،والذي يستغل الفتن والفوضى، ليعيث في الاوطان فسادا، كماهو في سوريا والعر اق واليمن وليبيا ، والعديد من الدول الافريقية ، التي مازالت شعوبها تعاني من وتوحش الحركات الارهابية التي انتهكت المحرمات الدينية والدنيوية ،ودمرت دولا اكبر واقوى واثرى من الاردن، وحولتها الى دول فاشلة ،وشعوب من اللاجئين والمشردين.. رسالة الملك للاردنيين كانت تاكيدا على الانتصار الذي تحقق هذه المرة ، وطمانة للاردنيين والعالم كله، ان الامن والاستقرار سيبقى صفة الاردن الخالده والابدية ، حتى لايجد الارهاب ثغرة يتسلل منها بوجهه الدموي الشرير، وحتى يبقى الاردن كما عهده العالم، وعلى مدى مئويته الاولى ،رمزا للأمن والأمان والسلام والاستقراروالازدهار والمحبة والتعدديه الديمغرافيه والسياسيه في جميع المجالات، تماما كما اراده المؤسسون الهاشميون والاردنيون واشقاءهم العرب، الذي عملوا معا قبل مائة عام ، لتاسيس هذا الوطن وجيشه العربي، ليكون الاردن وطنا لكل العرب، ولكل من فيه ، وليكون جيشه جيشا لكل العرب، يرفع الوية العز والشرف والانسانيه والسلام والأمن والأمان، في كل بقا ع العالم ، من خلال قوات السلام الدولية، والمستشفيات العسكريه الميدانيه في غير دولة عربيه وصديقه تحتاج الى المساعدات الانسانيه . ولأن الاردن لفلسطين ، ولأن الهاشميين سدنة المسجد الاقصى منذاكثر من مائة عام ،تاريخيا ودينيا وقانونيا وشعبيا، ولأن الاردن لكل العرب كما هم العرب سند للاردن والاردنيين ، فقد اكد الملك للمقدسيين خاصة والفلسطيين عامة ، في رسالته " التطمينية " بأن الاردن سيبقى كما كان ،وكما اراده المؤسسون الاوائل ، لكل العرب وفي مقدمتهم فلسطين ، وسيبقى درعا يحمي المقدسات في القدس الشريف ، ويدافع عن حقوق الفلسطينين ولأن الهاشميين قادوا ثورة تحررية لتاسيس دولة عربيه واحدة ، ولأنهم بناة اول دولة عربية وحدويه على ضفتي نهر الاردن المقدس ، فقد جدد الملك ،وهو في ذروة ألمه على " خونة الوطن " ، انه " سيواصل نهج الطريق السوي ،الذي رسمه الاباء والاجداد ، بتضحيات جلل من اجل رفعة شعبنا وامتنا ومن اجل فلسطين والقدس ومقدساتها" . هذا هو الاردن ... وهذا هو ملك الاردن... امين على رسالة اجداده وشعاراتهم التي رفعوها منذ الثورة العربيه الكبرى وهي - وحدة العرب وحريتهم، وتوفير حياة افضل لكل شعوب الامة العربية ، ورعاية المقدسات وحمايتها في القدس الشريف،ودعم حقوق الفلسطينين منذ ان وطئت اقدام الشريف الحسين بين على ارض القدس المباركه قبل نحو مائة عام .، ففضل رحمه الله النفي ، على التنازل عن فلسطيين ومقدساتها وحرية شعب فلسطين . وكما في كل ازمة يواجهها الاردن ، أكد جلالة الملك عبد الله الثاني كمااكد اسلافه من آل هاشم - رحمهم الله - التزامه بمسيرة الهاشميين ونهجهم الريادي، لأن الاردن -حسب الملك –" اعتاد على مواجهة التحديات، والانتصار عليها" وان الاردنيين على مدى تاريخ نشؤ الدولة "قهروا كل الاستهدافات التي حاولت النيل من الوطن، وخرجوا منها أشد قوة وأكثر وحدة،" . ذلك هو ديدن الدول والشعوب القوية بارادتها وقادتها ، والتي تجعل من الألم - املا .. وتحول التحديات الى فرص، ذلك "ان ألم الشعوب ومعاناتها اداة للنهوض والتقدم والازدهار "، تماما كما هو الألم للانسان، الذي يقول الفلاسفة "انه اداة لتطهير النفس الانسانيه وصقلها ".او كما يقول الروائي الروسي الكبير دوستيفسكي " :" لولا الألم والمعاناة لما استطاع الانسان ان يصل الى مرحلة السلام والاطمئنان الداخلي " هذا هو ايضا حال الدول .. وهذا ما اكدته وقائع التاريخ القديم والحديث على حد سواء .. فالدول الكبرى العظيمة اليوم، عانت كثيرا ،حتى اصبحت على ماهي عليه اليوم تقرر مصير العالم . لقد عانى الاردن والاردنيون على مدى مائة عام من ازمات كبرى كانت كل واحدة منها كافية لتحطيم الدولة ، ولكن قيادة وشعب الاردن صمدوا وارتقوا وتقدموا، وازدهر وطنهم اكثرمع ازدياد حجم المعاناة . ورغم كل هذه الآلآم والمعاناة ،تحول هذا الوطن الصغير، الى محج لكل المظلومين والمضطهدين ،من اكثر من 25 جنسية ، من الاعراق البشريه في اسيا وافريقيا ، اصبحوا مواطنيين اردنيين ، شكلوا مجتمعا تعدديا فريدا من نوعه عربيا ، تحول الى ايقونة عربية ،وانموذجا وحدويا متحابا ، يضم مواطنيين من كل المنابت والاصول، كما قال المرحوم الملك الحسين، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات . " الفتنة الاخيرة " لم ولن تختلف نتائجها عما واجهه الاردن من تحديات وفتن سابقه ،اذ رغم الألم الذي شعر به جلالة الملك ،وكل الاردنيين من خروج فئة ضآلة مضللة عن الاجماع الوطني ،د الاّ ان الفتنة التي خططوا لاشعالها ، احرقتهم وانقلبت عليها تماما، وتحولت الى ايجابيات عايشها كل الاردنيين. وكانت بمثابة استطلاع حر على محبة الاردنيين لقيادتهم ، ومحبة الدول الشقيقه والصديقه وشعوبها للا ردن- نظاما وشعبا ومؤسسات – فقد اكد الاردنيون، للعالم كله ، وبصورة عفوية ، تماسكهم، ومحبتهم لجلالة الملك ،والتفافهم حول قيادته، وسياساته لبناء وطن نموذج ،لكل مواطنيه . كما اكد الاشقاء والاصدقاء في دول الجوار والعالم – قادة وشعوبا – دعمهم غير المحدود للاردن ملكا وجيشا وشعبا ومؤسسات ، وتعززت مكانة الاردن عربيا وعالميا. وذهل االعالم من حجم الدعم المحلي والعربي والدولي للنظام الهاشمي ، الأمر الذي سينعكس في قادم الايام ايجابيا على زيادة الدعم السياسي والاقتصادي والمالي للمملكه، لتتجاوز ازمتها الماليه ، بعد ان تجاوزت كل ازماتها السياسيه القاسيه ، خاصة بعد ان تاكد العالم بالدليل الملموس ، مدى صلابة النظام الوطني الملكي الاردني، وصلابة المؤسسة الأمينة والعسكرية الاردنية ، وصلابة الموقف الشعبي الاردني، الذي شكل مظلة فولاذية للنظام لايمكن اختراقها , هذا هو الاردن الذي بناه الهاشميون قبل مائة عام ، قدم انموذجا جديدا في الانتصار على الفتن بدون اراقة نقطة دم واحدة ، وبدون اية مضاعفات ،رغم دقة التخطيط ، التي اتصفت به العملية ، زمنيا وماليا ولوجستيا .وسيسجل التاريخ ان الاردن طوى العام الاخير من المئوية الاولى للدولة ، على انتصار مذهل ، ليس للاردن والا ردنيين ، بل لكل دول المنطقة والعالم ، لأن امن الاردن وسلامته وبسبب موقعه الاستراتيجي ،هو امن وسلام واستقرارللعالم اجمع . لذا فان من يحاول الاساءة لعلاقات الاردنية العربيه والدولية ، انما يحقق اهداف رؤوس الفتنة، عن حسن او سؤ نية . ذلك ان من يسعى لعزل الاردن عن محيطه العربي والدولي ، وتحالفاته مع الاشقاء والاصدقاء ، انما يحقق هدفا شريرا ، يحاول " خنق الاردن " توطئة لمرحلة لاحقه مدمرة، سعى لها المتآمرون ، لنشر الفوضى والاضطرابات، لاحداث ثغرة يتسلل منها الارهاب للوطن ، وهو امر لايمكن ان يسمح به اي عاقل . فالاردن ماكان يوما الاّ لآمته العربيه ، يجمع ولا يفرق ، يوحد ولا يجزيء ، امين على رسالة الثورة العربيه الكبرى، في وحدة الامة وحريتها وتحقيق حياة افضل لكل شعوبها ، كما انه حريص على بناء علاقات صداقه ،مع جميع دول العالم ،تقوم على الاحترام والدعم المتبادل الاردن قوي بقيادته وارادة مواطنيه وبنسيج علاقاته العر بيه والدولية ..وكلها عناصرقوة ،جعلت العالم كله يلتف حول الاردن، قيادة وشعبا ومؤسسات ، وسيحافظ الاردنيون على هذه اللحمة، ليبقى الاردن قويا قادرا ليس على الصمود فحسب، بل على المواجهة والتحدي وهزيمة المتآمرين على امنه واستقراره ووحدة شعبه
* الكاتب : رئيس التحرير المسؤول / القلعة نيوز / صحفي وباحث