شريط الأخبار
إسرائيل للعدل الدولية: ما يجري في غزة حرب مأساوية وليس إبادة جماعية وفيات الجمعة 17-5-2024 ارتفاع أسعار الذهب 60 قرشاً للغرام محلياً عاجل: الجيش الاردني يقتل مهربين ويصيب آخرين ويضبط عدد من الأسلحة والمواد المخدرة قادمة من سوريا جنوب إفريقيا تطلب من "العدل الدولية" انسحاب إسرائيل من غزة الإعلام الحكومي بغزة: آلاف الفلسطينيين في بيت حانون لم يصلهم طعام منذ أيام العسعس: الحكومة لن تقترض هذا العام فلسا واحدا التزامًا بتطبيق قانون الموازنة وقانون الدين أبو الغيط: قيام الدولة الفلسطينية مسألة وقت الملك يعود إلى أرض الوطن القادة العرب يعتمدون المبادرات البحرينية المقترحة في القمة العربية العدل الدولية تنظر بطلب جنوب أفريقيا ضمان وقف إسرائيل عملياتها في رفح لاعب منتخب التايكواندو الحلواني يودع بطولة آسيا العسعس: رفع التصنيف الإئتماني للأردن يعكس الثقة العالمية باقتصاده البيان الختامي للقمة العربية يدين عرقلة إسرائيل جهود وقف إطلاق النار "اتحاد القدم" يطلق الهوية البصرية والشعار الجديد للمنتخبات الوطنية %4 نسبة انخفاض معدل سعر البنزين أوكتان (90) عالميا وزير الخارجية البحريني يؤكد اعتماد القادة العرب مبادرات بلاده في القمة الحلواني يودع مبكرا .. وعمار والعداربة وأبو الرب يبحثون عن التعويض المقاومة تُدمّر دبابات "الميركافا" في جباليا ورفح.. وتلتحم مع قوات الاحتلال من نقطة صفر "جيش" الاحتلال يقرّ بإصابة 15 جندياً خلال الساعات الـ24 الماضية

رسالة وداع غير مسبوقة كتبها قبل وفاته الخبير الدولي الأردني المرحوم د. حفص عمرالسقا الى اهله واصدقائه

رسالة وداع غير مسبوقة  كتبها قبل وفاته الخبير الدولي الأردني المرحوم  د. حفص عمرالسقا  الى اهله واصدقائه


د. حفص عمر السقا:
"أحب أن يكون موتي ، مصدرا للفرح.. بدلا من البكاء
, فالدنيا كلها لا تعادل دمعة واحدة من دموعكم الغالية
لا أحب أن أسبب الحزن لأي انسان "...
"الموت لن يفرقنا ابدا"


المرحوم د. حفص عمر السقا

عمان- القلعه نيوز - كتب محمد مناور العبادي
في سابقة اجتماعيه كتب الصديق المرحوم الدكتور حفص عمر السقا ، الخبير الدولي الاردني في اليونسكو، وبرنامج الامم المتحدة الانمائي ، والناشط الاجتماعي والفكري والثقافي ، "رسالة وداع" ( 12 صفحة ) قبيل وفاته باشهر عديدة وبعد ان تجاوز التسعين من عمره ، خاطب بها زوجته وابناءه واخيه واحفاده واهله واقاربه واصدقاءه باللغتين العربية والانجليزية .
وجاء في الرسالة التوصية :
"أحب أن يكون موتي ، مصدرا للفرح بدلا من البكاء ,,, فالدنيا كلها لا تعادل دمعة واحدة من دموعكم الغالية. لا أحب أن أسبب الحزن لأي انسان.... أرجوكم لا حداد ولا بكاء ولا عزاء,,, عيشوا حياتكم العادية ، كونوا دائما فرحين ، كأن شيئا لم يحدث. وأنا لاأحب أن يزورني أحد بعد دفني ، ولا تحسبوا أن القبر يضمني ، ولكن أينما التفتم وجدتموني ، في البيت ، وفي الطريق ، وفي النادي ، وفي غرفتي، في مكتبي, في غزة ، في عمان ، في ليبيا ،في لبنان، في الهند، في سيريالنكا ،في اليابان، في لندن، في واشنطن، في هذا العالم الواسع كله. لقد كنت طيلة حياتي أحب الناس كل الناس وكنت أرى الجمال والخير في وجوههم ...كنت دائما تصيرا للفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض وجاهدت وحاولت اسعاد الأخرين ومساعدتهم بقدر ما أستطيع .. فالموت لن يفرق بيننا ابدا "

وقد كان لي شرف الاطلاع على هذه الرساله قبيل وفاته بعدة اشهر في جلسة انيسة في منزله الذي سيبقى عامرا بذكراه ، كما اطلعني رحمه الله على رسالة اخرى الى احفاده وحفيداته ( من 17 صفحه )

ومما ميز الرسالتين ، انهما ملخص لتجربته الاممية الانسانية ،وثقافاته المتعددة، واطلاعه عن كثب على حضارات العديد من الشعوب، ولقاءاته مع كبار مفكريها وقادتها ، وتفاعله مع جميع طبقات الشعوب، التي عمل في دولها ، فاحب ان يوثق كل ذزلك في هاتين الرسالتين ، لتكونا منارة لكل من احب ان يرتقي في حياته ، على المستوى الشخصي والوطني والانساني
والتزاما مني بوصية المرحوم فانني لن ارثي الدكتور حفص ابدا لأنه اكبر من "الرثاء" ولا تكفي كل ابجديات الدنيا لرثائه ، بل ساكتفي بنشر بعض مما ورد في رسالة الوداع :

إذا سألكم سائل أين حفص ؟ قولوا له فارق هذه الحياة ، وهو يشكر لكم ما لقيه منكم من الود واللطف، ويرجوكم أن ترأفوا بأنفسكم، وأن تنسوه. لقد حاولت طيلة حياتي، أن أعيش انسانا عاديا , سعيدا , عشت حلاوة الحياة وذقت مرارتها ، حاربت الشقاء و النكد ، وكثيرا ما انتصرت عليه . وهذه نعمة أنعم الله بها عليّ
انني غير آسف على الموت يوم يأتي ، انني انتظره لأن الموت غاية كل حي ، والله يعلم انني ماشككت يوما من الايام في ايات الله ،وكتبه ، ولا في ملائكته ورسله ، ولا اذعنت لسطان غير سلطانه. اللهم انك منحتني حظي من الحياة فلا تمنعني حظي من الموت الهاديء ، انك بعبادك رؤوف رحيم
إني أعلم بأن الدنيا ليست بدار قرار ، وأن الأمل في البقاء فيها والركون إليها والاستمتاع بلذة العيش فيها، وأنها الجسر الذي يمر به الأحياء الى دارهم الأخرى، وكما يقول جبران خليل جبران: "إنما الناس سطور.... كتبت لكن بماء"،
وأتمثل قول أبي العلاء :
ضجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها والعيش مثل السهاد.
ولذا أرجوكم أن لا تفجعوا لموتي فالموت حق وهو مصير كل حي، ومهما طال الزمن فلابد أن يأت اليوم الذي نفارق فيه هذه الدنيا الفانية , وأنا أرجوكم عندما تحين ساعة الفراق أن لا تبكوا عليّ ، ولا تقيموا ليالي العزاء، أو أياما للحداد, فأنا لا أحب أن يبكي علي أحد , ولاينعيني مادح أو نائح ، ولاتذكروا اسمي في الصحف ، ولا تقيموا الولائم ،ولاتقبلوا وليمة من أحد, ومن يريد إقامة وليمة ، فليقدمها للفقراء والمساكين.

لقد عشت طيلة عمري أعمل وأجهد من أجل جعل حياة الاخرين حلوة جميلة , ولذلك أرجوكم أن تعيشوا حياتكم العادية بكل سرور ومرح وسعادة , وإذا كنتم مدعوين الى حفلة زفاف فأرجوكم أن تذهبوا ولاتعتذروا, اذهبوا وشاركوا وافرحوا وغنوا وارقصوا ، واعلموا بأني معكم ، أشارككم هذه الأفراح وأبادلكم الابتسامات, ...ولكني ، وقد أحببت الحياة، فأنا لااجزع من الموت ، بل إنني أهزأ به , لقد كانت حياتي فصلا مسرحيا ، وأنا أقول للموت إنك لاتستطيع أن تفرق بيننا ,



وإذا لم يكن من الموت بد... فمن العار أن أموت جبانا .. ولا احب أن أموت محزونا، ولا أحب أن أسبب الحزن لأي انسان.... أرجوكم: لا حداد ولا بكاء ولا عزاء, عيشوا حياتكم العادية ،ودعوها تسير كما هي ، لا تغيروا شيئا من برامجكم, ولاتلبسوا الملابس السوداء , افرحوا وارقصوا وغنوا وأقيموا الحفلات والسهرات، و لا تعتذروا عن أي دعوة من دعوات الزفاف والافراح, كونوا دائما فرحين كأن شيئا لم يحدث.
لأ أريد أن يخرج في جنازتي أحد، ولا أريد أن يحضر أي شخص من الخارج لتلقي العزاء, أرجوكم ،لا حداد ولا عزاء
وإنني أستعير ما قاله عمرو بن العاص لبنيه :
اغتنموا فرصة وجودكم والايام الباقية لكم في هذه الدنيا لتنعموا بها ولتضحكوا الى أن يحين الأجل
لقد كنت بسيطا متواضعا في حياتي ،ولذلك أرجو أن أكون بسيطا متواضعا في مماتي. إن كل ما فعلته في حياتي هو أداء واجبي نحو أهلي ووطني ، وقد كنت دائما نصيرا للفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض ، وجاهدت وحاولت اسعاد الأخرين ومساعدتهم بقدر ما أستطيع . وإذا لم أحقق كل ما أصبو إليه فيكفيني أنني حاولت
لااريد احدا ان يحزن علي ّ. . ّ أو يبكي علي ّ ...لا تحملوني الى الثرى صامتين بل أريدكم أن تغنوا كما قال العقاد :
إذا شيعوني يوم تقضى منيتي وقالوا أراح هللا ذاك المعذبا
فال تحملوني صامتين إلى الثرى فإني أخاف القبر ان يتهيبا
وغنوا فإن الموت كأس شهية وما زال يحلو أن يغنى ويشربا
ولا تذكروني بالبكاء وإنما أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا،
وإنني أرجو أن يحمل نعشي أربعة أشخاص غرباء , ثم يهيلون التراب على جثماني وينتهي كل شيء وكأن أمرا لم يكن.
وصيتي أن أموت بهدوء وإني كما جئت وحيدا الى هذا العالم فإنني أريد أ ن أرحل منه وحيدا وبهدوء أيضا. لقد كانت حياتي حافلة بالعمل الشاق والمتعة أحيانا ،وإني أشعر الآن وكأني ما زلت واقفا على شط بحر غزة المتلاطم الأمواج وكأن هناك بداية لا تنتهي قط وكأن النهاية لا وجود لها.

أعتقد بأني كنت دائما مهذبا في القول شرسا في الحق لأني كنت لااخشى في الحق لومة لائم , ولم أكن دكتاتورا ولا متصلبا في رأيي.
لقد علمتني الحياة الكثير ، فقد علمتني أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل ،غير مدركين بأن سر الحياة تكمن في تسلقه . كما علمتني أيضا بأن المولود الصغير عندما يشد على أصبع والده للمرة الأولى فهذا يعني أنه أمسك به الى الأبد.
ولقد تعلمت أيضا أن الأنسان يحق له أن ينظر من فوق الى الآخر فقط حين يحب أن يساعده على الوقوف. وتعلمت أيضا أن أعتمد في حياتي لا على الحظ ولا على والدي بل على ساعدي وعلى نفسي ويدي ...فهما اللتان وحدهما وبمفردهما اللتان حققتا لي النجاحات التي حصلت عليها.
لقد كنت طيلة حياتي أحب الناس ، كل الناس،وكنت أرى الجمال والخير في وجوههم . وكنت أنظر إلى الشمس فأرى خيوطها الذهبية الرقصة في جو السماء وكنت أنظر إلى القمر فأرى فيه جمال هذه الدنيا وأرى أشعته الذهبية الجميلة , وكنت أسمع خرير المياه فأسمع مناجاتها , وكنت أنظر إلى الشجر فأسمع حفيف الأوراق وأستمتع بأصواتها الجميلة , وكنت أنظر إلى الطيور فأطرب لزقزقتها وأغانيها الحلوة .

ثم كنت أخلو الى نفسي وأستمع الى تلك الموسيقى الكالسيكية الرائعة التي أبدعها للإلنسانية جمعاء بيتهوفن وتشايكوفسكي وباخ وموزارت وشوبان، ثم أسلم نفسي بعد ذلك الى كتاب من كتب أدبائنا العظام: طه حسين أو المنفلوطي أو العقاد أو توفيق الحكيم أو الى ديوان المتنبي أو البحتري أو أبي تمام أو أحمد شوقي فيخيل إلي بأنني انتقلت من هذا العالم الذي أنا فيه الى عالم آخر, عالم أشعر فيه بالسعادة والرضى, عالم أنسى فيه الآمه ومتاعبه, وينسى فيه الأنسان نفسه , وإن الحياة كما يقول المثل كما تعملها : Life is what you make it
لقد وصلت الأن الى قمة هرم الحياة والان بدات بالانحدار , وكل ما أرجوه أن أهبط بهدوء وسكون،

سلام عليك أيها الماضي, سواء كانت أيامك جميلة أو تعيسة فقد كنت أطير في أجوائك غاديا رائحا لا أشكو ولا أتألم ولا أتضجر ـبل كنت أعرف بأن هذا العالم مليئ بالهموم والألآم , ويكفي أن فيه اسرائيل التي تخلق لنا في كل يوم مصيبة بل مصائب كثيرة لايعلمها الاّ الله .
وعلى كل حال فقد قبلت هذا العمر الطويل قبولا حسنا وتعايشت معه عيشة راضية , واحتملت أعباء الحياة وأثقالها وأنا أعالج فيه آالمي وهمومي بصدر رحب وصبر جميل.

سلام عليك أيها العمر الذي مضى , سلام على دوحتك الغناء وحتى سلام على أيامك السود التي خلفتها لنا اسرائيل الظالمة المعتدية والمجتمع الغربي ينظر ويتفرج علينا وعلى ما نقاسيه من مصائب والم ولا تحرك ساكنا

لن أبكي حياتي الماضية، ولن أبكي عهد الشباب ، ولو أنني لم أتمتع فيه بلهو الشباب ، ولم أذق فيه العيش الرغيد، والهواء البارد اللذيذ ،كما يذوقه المترفون، بل أنني عشت مرحلة الشباب، ولم أر في سمائها ،نجم الأمل لامعا متلألأ يؤنسني منظره وينقل إلى اعماق قلبي شعاعه المتوهج, ومع ذلك فبروح التفاؤل والأمل خلقت لنفسي في تلك الأيام الموحشة المظلمة جنة وافرة الظلال وجعلت نفسي تعيش في فردوس من النعيم المقيم.

وداعا لعهد الشباب فبوداعك ودعت الحياة الجميلة , وما الحياة الاّ تلك الخفقات التي يخفقها القلب في مطلع العمر فإن هدأت هذا كل شيء.
يقول الشاعر الانجليزي بيرون : "كن كما تحب أن تكون "
, أي الا نسان يساوي ما يحبه في القيم الأخلاقية أو الجمالية. أما اليوم وقد بدأت أنحدر من قمة الحياة الى جانبها اآلخر فقد احتجب عني كل شيء ولم يبق بين يدي ما أفكر فيه الأ آأن اعد عدتي لتلك الساعة التي أنحدر فيها الى النهاية , وأستعير مما قاله الشاعر سميح القاسم :
ينبغي أن أكون واقعيا بدنو الأجل دونما هلع أو وجل ينبغي أن أواجه موتي ... أجل بحساب رصين
يعلم الله أني قضيت حياتي راضيا برضاه باذلا ما أستطيع لشعبي وأهلي وكل البشر
كنت زوجا محبا وكنت أبا حانيا راضيا بالقضاء ومنسجما مع شأن القدر
لم أسئ لأحد ولم أطأطئ جبيني لظالم
سأموت أجل سأموت إنما .... لأاموت.... غزة وعمان تذكرني ، والبيوت فلأكن واقعيا .... سأموت

أنا واحد من عباد الله الذين لم يكن عنده طموح ولم أخطط لمستقبلي .. وإذا سألني أحدهم هل عملت خطة لمستقبل حياتك عندما تقاعدت؟ كان جوابي هل القدر طوع أمري وهل معي مصباح علاء الدين يقول لي شبيك لبيك أنا بين يديك ؟؟

لقد كان أملي, ولا يزال متواضعا جدا وهو أن يكون لدي المال الكافي لشراء ما أحتاجه انا وعائلتي من أكل ودفع فواتير الأطباء واألدواء والكهرباء والماء والهاتف, وأهم شيء أن أقرأ ، وإذا قرأت أن افهم، وأن أقضي بقية أيامي ، لااكون فيها عالة على أحد , وأسأل الله حسن الختام.
هذا هو كل أملي في انتظار أيامي الأخيرة . لقد أصبح مستقبلي ماضيا وغدا سيصبح أمس لارجعة له إلى الابد
والحمد لله أنني أموت اليوم عزيزا ولا اموت غدا ذليلا . لقد نصحني الناصحون بالاقتصاد والتدبير وكأنهم يقولون لي أنك موشك أن ترحل فكن سمحا كريما , عفوا غفورا لا تبغض أحدا ولا تحقد على أحد ولا تقابل ذنبا بعقوبة, ولا إساءة بمثلها.
لقد أخذت أتحدث عن الماضي أكثر مما أتحدث عن الحاضر وذكرت تلك الجلسات التي كنت أجلسها مع أبي وأمي وأخوتي الاعزاء, حقا إن الشبيبة أجمل من الشيخوخة,
لقد رثيت تلك الأيام الجميلة الحلوة اللذيذة. لقد كنت أنعم في صباي بكثير من الملاذ الوهمي، فكنت أجد في نفسي غبطة عظيمة حين أجلس لمطالعة قصة ألف ليلة وليلة ، أو حروب عنترة وقد كان كل ما أفكر فيه أن أجد لي فتاة ممتازة تقبلني أن أكون زوجا لها، وأن أشيد لي بيتا صغيرا متواضعا جميلا، أعيش فيه أنا وزوجتي ،عيشة السعداء الآمنين المطمئنين, فأصبح الآن كل ما أفكر فيه أن أجد مكانا يضم رفاتي, وأصبحت الآن لا أدهش لبلاغة أديب أو خطيب وبراعة شاعر، ولا أدهش لشيء ولا أعجب من أي شيء لأن نفسي قد صدئت.
نعم العمر قصير ولكن خير الناس من يجاهد في سبيل بلده ، ويعمل لخيرها ، ويساعد أبناءها ، فهذه هي الوصية الحقيقية التي أرجو أن تنبعث في قلوب كل المواطنين ، حتى يخرج منهم رجال عظام يعيدون إليها رفعتها , ومواطنون لايسأل الواحد منهم ما الذي أعطته له بلده ـولكن ما الذي أعطاه هو لها.
إني أجاهر بأعلى صوتي ،بأن أكرم يوم في حياتي ، هو يوم أموت فيه لأجل رفعة بلدي وفي سبيل سعادتها.
والآن هذه تحية وداع الى زوجتي الحبيبة عبلة التي تحملتني أكثر من نصف قرن:
حبيبتي عبلة, لو كنت أعرف بان هذه هي المرة الأخيرة التي أراك فيها لكنت ضممتك بشدة بين أذرعي وتضرعت الى الله أن يجعلني حارسا لروحك الطاهرة , ولو كنت أعرف أن هذه هي الدقائق الأخيرة التي أراك فيها لقلت أحبك حبا لم يعرف أحد مثله الا قبلي ولن يعرفه أحد بعدي
. إنني أجلس الآن فأذكر يا عبلة تلك الأيام التي قضيناها معا وتلك السعادة التي كنا نجني ثمارها ونطير في سمائها بأجنحة من الآمال والاحلام فأندبها وأبكي عليها وأحن إليها حنين الليل الى مطلع الفجر.
وقبل أن أنهي هذه الكلمة أود أن أقول : لقد جئت الى هذه الدنيا فقيرا وسوف أمضي عنها فقيرا فلم أخلف لأولادي أي شيء من متاع هذه الدنيا .. لادار ولا مال ولا مزرعة ولا شركة ولا شيء مما يفكك العائلات والابناء , فالخلاف على الارث والطمع هو الذي يفرق بين أفراد العائلة، ولكني أعتقد بأني خلفت لهم ما هو أهم كثيرا من المال وهو التربية الصالحة والعلم الجيد والخلق الرضي وحب الاخرين ومساعدة الفقراء والمحتاجين وهذا في رأيي أهم من كنوز الدنيا ولو انني واثق بأن الكثيرين لا يوافقونني على هذا الرأي.
اهلي واحبتي وأصدقائي وكل الناس : أعتقد بأننا سوف نندم على أيام النكد, الأيام التي لم نجد فيها الوقت للضحك والابتسامة وخدمة الاخرين. إنني أهمس في أذانكم جميعا سامحوني ... سامحوني سامحوني من فضلكم ... وإنني أعتذر لكم عن تقصيري.. وعن أي إساءة ألي واحد منكم كبيرا أو صغيرا. إنني غير آسف على الموت يوم يأتي ... إنني أنتظره لأن الموت غاية كل حي, والله يعلم أني ما شككت يوما من الأيام في آيات الله وكتبه , ولا في ملائكته ورسله , ولا أذعنت لسلطان غير سلطانه. اللهم إنك منحتني حظي من الحياة فلا تمنعني حظي من الموت الهادئ إنك بعبادك رؤوف رحيم.