القلعة نيوز: كتب عبدالرحمن محمد ابو صعيليك
مَعَ احوال الْأُمَّةَ الَّتِي لَا تَسُرْ، وَالْهَجْمَاتِ الْمُحِيطَةِ بِنَا مَنْ كُلَّ صَوْبٍ وَحَدَبٍ، وَطُغْيَانِ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ وَاِنْقِطَاعِ اواصر التَّوَاصُلَ الْجَسَدِيَّ، والازمات الْاِقْتِصَادِيَّةِ وَالتَّشَرْذُمِ بَيْنَ الدُّوَلِ، يَأْتِي الْعِيدُ لِيقلِبُ تِلْكَ الاحوال الى حَالِ آخِرِ
يَأْتِي الْعِيدُ لِيُعَزِّزَ الاواصر الْاِجْتِمَاعِيَّةَ فَتَجْتَمِعُ فِيهِ الاسر صِغَارَهَا وَشُيُوخُهَا وَفُرُوعَهَا واصولها لِتُدْرِكَ قِيمَةَ الاسرة وَانْهَا نَوَاةُ الْمُجْتَمَعَاتِ فِي ظَلَّ الازمات الَّتِي تُرِيدُ تَفْكِيكُهَا، فَيَكْوُنُ الْعِيدُ مِيعَادًا لِلزِّيَارَاتِ وَتَبَادُلِ التهاني وَالْبَسَمَات وَالْقِبَلَات ويُلبَس الجَديد، فَيَكْوُن مُوَاسَاةً لِلْكَبِيرِ الَّذِي اقعده كِبَرُ السِّنِّ، وَلِلْمَرِيضِ الَّذِي اقعده مَرَضَهُ، تَنْدَثِرُ كَلَحَاتُ الْعَبُوسِ عَنِ الْوُجُوهِ، وَتَرْتَسِمُ الْبَسَمَةُ عَلَى الْوَجْنَاتِ، فَيَكْوُنُ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ شِعَارَ الْعِيدِ تَارِكَا الْحُزْن وَالْهَمِّ يَضْرِبُ بِعَرْضِ الْحَائِطِ،
يَأْتِي اَلْعِيدُ لِيُعِيدَ اَلزِّيَارَاتِ اَلَّتِي قَضَى عَلَيْهَا اَلْإِيقَاعُ اَلْمَادِّيُّ اَلطَّاغِي فِي اَلْحَيَاةِ اَلْمُعَاصِرَةِ وَأَلْقَى بِظِلَالِهِ عَلَى اَلْأُلْفَةِ ، وَأَحْدَثَ فُتُورًا فِي اَلْعَلَاقَاتِ ، وَجَفَافًا فِي اَلْمَشَاعِرِ ، فَتَوَجَّسَ اَلْمُسْلِمَ مِنْ أَخِيهِ ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَرَبَّصَ بِهِ اَلدَّوَائِرُ ، وَغَلَبَ سُوءُ اَلظَّنِّ وَالشَّكِّ وَالرِّيبَةِ ، وَحِسَّ اَلِانْتِقَامِ عَلَى مَبْدَأِ اَلتَّسَامُحِ ، مَعَ اَلتَّنَافُسِ اَلْمَذْمُومِ فِي مُحِيطِ اَلدَّائِرَةِ اَلْوَاحِدَةِ ، وَالصِّرَاعُ اَلْمَحْمُومُ عَلَى اَلْمَصَالِحِ اَلدُّنْيَوِيَّةِ ، وَالْمَنَاصِبُ اَلزَّائِلَة ، حَتَّى غَدِى اَلْجَارُ لَا يَعْرِفُ جَارُهُ وَالصَّدِيقُ لَا يُحَسِنُ عَشَرَةَ صَدِيقَهُ ، فَيَكُونُ اَلْعِيدُ عَوْدَةً لِلْأَوَاصِرِ اَلْوِجْدَانِيَّةِ ، وَمُوقِظًا لِلْأُلْفَةِ مِنْ رُقَادِهَا ، فَالْأُلْفَةُ هِيَ مِنْ اِسْمى مَقَاصِد اَلْعِيدِ ، بَلْ إِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ عِيدٌ بِلَا أُلْفَةٍ ، فَتَكُونُ اَلْأُلْفَةُ حَاضِرَةً فِي اَلْقُلُوبِ
يَأْتِي الْعِيدُ لِيُجَسِّدَ الْعَادَاتَ وَالتَّقَالِيدَ الَّتِي تَتَوَارَثُهَا الْأَجْيَالُ عَبْرَ الازمان عَلَى اِخْتِلَاَفِ الاعراق وَالْبَلَدَانِ، تَتَمَثَّلُ فِي( الْعِيدِيَّةِ) وَهِي مَبْلَغُ مَالِيُّ كَهَدِيَّةٍ، تَفْتَحُ الْقَلُوبَ الْمُغْلَقَةَ وَتُقْوِي الْعَلَاَّقَات الْوِجْدَانِيَّة، فَتَكَونُ مُتَبَادَلَةُ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ والاخ وَاُخْتُهُ فَتُعْطِي طَابِعَا خَاصَا لِلْعِيدِ، وَاِنْتِهَاءً ب اطباق الْحَلْوَى كالعكك وَالْمَعْمُولِ وَغَيْرِهَا الْكَثِيرِ
يَأْتِي الْعِيدُ لِيُطَهِّرُ الْقَلُوبُ مِنَ اوضار الْحِقْدِ وَالشَّحْنَاءَ، وَيَغْسِلُهَا مِنْ أدْرَانِ الْكَرَاهِيَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، فَفِي الْعِيدِ تَصْفُو النُّفُوسُ وَتَتَغَاضَى، وَيَلْتَقِي فِيهِ الْمُتَشَاحِنُونَ وَكَانَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ، فَيَكْوُن يَوْمًا لاصلاح ذَاتُ الْبَيْنِ وَتَبَادُلِ السلَّامِ وَ يَاَتُي الْعِيدَ لِتَنْشُل نَفْحَتُهُ كُلَّ كَئِيبَ، وَتُسَلِّي فَرَحَتُهُ كُلَّ مَكْلُومٍ، وَتُوَاسِي بَهِجَتُهُ كُلَّ مَهْمُومَ، وَ لِيَغْسِلُ وجوهًا اِرْتَسَمَ الْحُزْنُ عَلَى قِسْمَاتِهَا، وَخَيَّمَ الْأُسَى فِي سَاحَتِهَا، وَتَسَلَّلَ الْيَأْسُ إِلَى بَاحَتِهَا
يَأْتِي الْعِيدُ لِيُوَحِّدُ الامة وَالدُّوَلَ الَّتِي اِفْتَرَقَتْ جُغْرَافِيَّا وَسِيَاسِيَّا فَتَجْتَمِعُ فِي الْعِيدِ وَرَمَضَانِ لِيَكْوُن الْعِيد بِمَثَابَةِ وَحَدَّةٍ دَائِمَةٍ لَا تَنْقَطِعْ عَلَى مَرِّ الازمان فَيَتَوَحَّدُ الْكَلُّ فِيهِ، عَلَى هَلَاَلِ وَاحِدِ وَربّ وَاحِدٍ وَهُتَافِ وَاحِدِ هُوَ اللهُ اُكْبُر اللهَ اُكْبُرْ
يَأْتِي الْعِيدُ لِيَذْكُرُنَا بِلَذَّةِ الانجاز وَانٍ الانسان مَنًّا بِلَا خُطَّةٍ وَعَمَلٍ لَا عِيدٌ لَهُ، فَهُوَ يَأْتِي بَعْدَ شَهْرِ حَافِلٍ بِالطَّاعَاتِ وَالرُّوحَانِيَّاتِ وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، صَوْمًا عَنْ لَذَّةِ النَّفْسِ وَشَهْوَاتِهَا وَقِيَامًا لِلَيْلِ، فَيَكْوُنَّ بِمَثَابَةِ دَوْرَةٍ مُكَثَّفَةٍ لِتَنْظِيمِ الْوَقْتِ وَمَدْرَسَةٍ لِتَعْلِيمِ الصَّبْرِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالشُّعُورِ بِحَالِهِمْ، فَيَكْوُنَّ الْعِيدَ بَعْدَ رَمَضَانِ كَمُكَافَأَةِ جَادَّةٍ لِلْمُسْلِمِ فَنَشْعُرُ بَعْدَهَا بِفَرَحَةٍ اتمام الشَّيْءَ
يَأْتِي الْعِيدُ لِيَذْكُرُنَا بِالْقِبَلَةِ الاولى الْمَسْجِدَ الْأقْصَى وَالْمُرَابِطَيْنِ فِيهِ فَتَتَوَجَّهُ الانظار وَالْقَلُوبَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا اراديا صَوْبَ الاقصى، فَلَا تخلُو خُطْبَةَ الْعِيدِ مِنْ ذِكْرِ الاقصى وَمُقَدَّسَاتِهِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُرَابِطِينَ فِيهِ فَتَكَوَّنَ التهاني فِي الْعِيدِ:" انَّ شَاءَ اللهُ بِنَصْلِيِّ الْعِيدِ الْجَاي بالْمَسْجِدَ الْأقْصَى " وَلَا يخلو مَجْلِسٌ مِنْ مُجَالِسِ الزِّيَارَاتِ مِنْ تَذَكُّرِ مَشَاعِرِ الْأقْصَى وَالْمُرَابِطِينَ فِيهِ وَكَانَهُمْ كَالْْجَسَدِ الْوَاحِدِ
هَذِهِ المعاني يَنْبَغِي أَنْ تَكْون مُصَاحِبَةً لِلْمُسْلِمِ فِي كُلِّ وَقْتِ وَحِينَ، إِلَّا أَنَّ الْعِيدَ يُجْلّيهَا، وَيَنْفضُ عَنْهَا غُبَارَ النِّسْيَانِ وَبُعْدَ الْعَهْدِ، وَمَعَ هَذَا كُلّهُ الْسَنَا اُحْق بِالْفَرَحِ بِالْعِيدِ، فَلَا عَزَاءَ لِمَنْ يَقُولُ:" بَاي حَالِ جِئْتَ يَا عِيدِ"، او" لَا نَكْهَةً لِلْعِيدِ " فَغَيّر مِنْ حَالِكَ اُنْت قَبْلَ ان يَأْتِيَ الْعِيدُ.
تقبل الله طاعاتكم وكل عام وانتم بالف خير
الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد