إرثٌ عثماني
ميسون عبد الدين
16 / 7 / 2023م
الاحد :
القلعة نيوز
انتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية عام (1341هـ / 1922م ) بعد أن حكمت البلاد العربية ما يقارب 600 عام ، ولكنها ظلت باقية بما تركته من إرث ثقافي تناقلته الأجيال في مجتمعاتنا ، هذه الفترة التاريخية الطويلة أحدثت نوعاً من التأثر والتأثير المتبادل ، إذ تكونت تلك الدولة من شعوب وأجناس وأديان مختلفة أنتجت تراثاً ثقافياً متنوعاً من القيم والتقاليد والطقوس والممارسات التي ترعاها وتحييها المجتمعات المحلية حتى الآن ، وفي هذا يقول الدكتور حسين مجيب المصري المختص في الدراسات التركية والأدب الإسلامي : " ولقد عرفتهم الشام وبلاد المغرب وارتبط بهم الحجاز والعراق وتاريخهم من الأهمية بمكان عظيم وهو موصول بعهد طويل من تاريخ الشرق العربي " .
وهناك الكثير من السمات والدلائل المادية والمعنوية التي تشير إلى مدى تأثر العرب بالحضارة العثمانية والنقل عنها ، وعن الجانب المادي فقد ظهر جلياً الإهتمام العربي باللغة العثمانية ومقدار كلماتها ومصطلحاتها التي تُستخدم في اللهجة العامية في بلاد الشام ومصر على وجه الخصوص ، إذ تعد مصر الأكثر تأثراً من غيرها باللغة العثمانية ، فقد درجت على ألسنة العامة العديد من تلك الكلمات مثل لوكندة ، أوسطى ، اجزخانة ، هانم وأبله ، اوتوبيس وغيرها من الألفاظ التي لا تجدها في بلاد الشام ، ويعود السبب في ذلك الى استمرار حكم ذرية محمد علي باشا لمصر حتى( 1373هـ / 1953م ) أي بعد انتهاء الدولة العثمانية رسمياً ، أما بلاد الشام فشاع استخدام بعض الألقاب والمسميات العسكرية منها أفندي وباشا ، الدرك والطابور وهو هنا الكتيبة العسكرية ، قول بيرق أي العلم أو الراية ، وهناك كمية وفيرة من الأمثلة نذكر منها كلمة بازار ، شاكوش ، دغري أو دوز ، أوضة أي غرفة ، ثم شاع كثيراً إضافة ( جي ) الى بعض الصفات والمهن مثل قهوجي حلونجي كندرجي ، مشكلجي ، نسونجي .
ومن الإرث المادي العثماني الذي أخذه العرب وحافظوا عليه حتى وقتنا الحاضر بعض الأكلات العثمانية كاليبرق أو اليالنجي وهي الأكلة الأكثر شهرة في بلاد الشام ، ثم كفتة داود باشا المنتشرة في مصر والتي سميت بهذا الاسم نسبة الى والي مصر الذي كان يطلبها من الطباخين كل يوم وبشكل مستمر ، وجاء في كتاب الطبّاخ ودوره في حضارة الانسان للكاتبة بلقيس شرارة أن الكرش ( الكوارع ) هي طبخة عثمانية لجأ اليها الفقراء في ذلك الوقت عِوضاً عن اللحم باهض الثمن ثم أخذت بالانتشار ، وتقدم البرك المحشوة باللحم أو الجبن كمقبلات على الموائد ، أما البقلاوة والكلاج والهريسة فهي الحلويات التي تقدم في المناسبات والاحتفالات الشعبية والدينية خاصة في ذكرى مولد رسول الله ورأس السنة الهجرية .
ويعد الطربوش الأحمر الذي أمر بارتدائه السلطان محمد الثاني في بداية القرن الـ 19 من الإرث العثماني العريق ، حيث سيطرت الطرابيش بأشكالها وأحجامها على الموضة لمدة تزيد عن 100 عام ، وهو دلالة على الرقي والتمدن والوطنية ، وكان لبسه إلزامياً على الموظفين وطلبة المدارس والجامعات والعساكر ، والذي ظل يحظى بتلك المعاني حتى بعد سقوط الدولة العظمى ، إلى أن قام اتاتورك بإلغائه عام ( 1344هـ / 1925م ) وكذلك فعل جمال عبد الناصر في مصر، ولم نعد نراه الآن إلا بأعداد قليلة في الجزائر والمغرب وتونس ، أو على رؤوس باعة العصير للفت النظر فقط .
ويتمثل الشق المادي من الإرث فيما خلفه العثمانيون من منشآت ظلت باقية صامدة في وجه الزمن كالجسور والأنفاق ، الحمامات العامة ، التكايا وأسبلة الماء المنتشرة بكثرة في فلسطين خاصة في القدس الشريف ، سكة حديد الحجاز التي لم تكتمل وما كان منها دُمّر بفعل الحروب أو دُثر تحت الرمال ، ولم يبقى إلا بعض منها ظاهر للعيان كمحطة القطار في عمان التي تستخدم لرحلات السياح وطلاب المدارس