ميساء أحمد المواجدة
استيقظ المواطنون اليوم على خبرٍ مؤلم تمثل بالحريق الذي نشب في أحد أقسام جمعية الأسرة البيضاء في عمان.
بدايةً أترحم على الوفيات وأسأل الله أن يجعل الجنة مثواهم، والشفاء العاجل للمصابين الذين أعدادهم بالعشرات ..
حتى نكون إيجابيين بداية لابد أن أشير إلى سرعة استجابة كوادر الدفاع المدني مع الحادثةِ خلال وقتٍ قياسي؛ وإخلاء المصابين إلى المستشفيات.
وكذلك سرعة التعمل الحكومي مع الحادثة ووصول رئيس الوزراء والفريق الحكومي إلى المستشفى للإطمئنان على حال المصابين.
كما أن النائب العام وجّه فريقٍ من المدعين العاميين للتحقيق في الحادثة، وهو أمر يدل على سرعة التعامل مع الحادثة بوقتٍ قياسي.
لا أريد استباق نتائج التحقيق حتى يقول القضاء كلمته في هذه القضية التي شغلت الرأي العام الأردني.
أورد الإعلام في الخبر الذي تناقلته وسائل إعلام بأن معلومات تشير بأن الحادثة كانت بفعل فاعل!!
وحتى أكون في غاية الدقةِ والموضوعيّةِ فإنني أتوقع بأن تكون الحادثة قد وقعت من قبل أحد نزلاء دار المسنين. في وقت أشير إلى أن بعض نزلاء دور المسنين هم عادةً ممكن لا يكونوا في كامل قواهم العقليّة وهو الأمر الذي يتطلب أبعاد عنهم كل ما هو من شأنه أن يهدد السّلامة العامّة، ويشكّل خطراً على النزلاء.
نعم هذهِ حادثة فرديّة؛ لكنها تتطلب أخذ الدروس والعبر في كيفية توفير المزيد من إجراءات السلامة العامّة.
إن وجود هذه الفئة في دور المسنين أمر يتطلب علاجهم من التدخين على سبيل المثال، حتى لا تكون السجائر أو أدوات الإشعال " القداحات" بإيديهم !
السؤال الذي يدور بالذهن: كيف لأحد النزلاء يقوم بإشعال النار في غطاء سرير؟ وكيف حصل على مصدر إشعال النار؟ وهل يجوز أن تكون مثل هذا الأدوات مع المسنين ؟!
اعتقد بأن هذه التساؤلات ستكون في ذهن كل من تابع الخبر، وكل من تألم على هذه الحادثة المؤلمة!
المطلوب اليوم من وزارة التنمية الاجتماعية بحكم كونها المعنيّةِ بالإشرافِ على دورِ الإيواءِ، أن تنظر بإجراءاتِ السلامّةِ العامّةِ وتقوم بمراجعتها، بشكل مستمر..
المطلوب اليوم التأكيد دوماً على الأدوات والمواد التي يمنع وجودها مع نزلاء المراكز الإيوائيّة بشكلٍ مستمر، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار هذه الحادثةِ في جميع المراكز الإيوائيّة.
علينا اليوم إعداد استراتيجيّة وطنيّة لكبار السن، تبني على الاستراتيجية التي كانت للأعوام 2018 – 2022 ، خصوصاً وأن هذه الفئة ما زالت تواجهُ عددًا من التحديات التي تحولُ دون إدماجهم في العديدِ من مجالاتِ الحياةِ؛ ومن ذلك التحديات في المجال الصحي وتوفير الخدمات الصحية وخدمات الرعايةِ المنزليةِ، وعدم وجود تخصصات في طب وتمريض الشيخوخة، والتحديات التي تواجههم في المجال البيئي، ومدى ملائمةِ المباني والمرافق العامة واستخدامها من قبل كبار السن والتي لا زالت غير ملائمة، الى غيرها من التحديات التي تستوجب مواجهتها من أجل توفيرِ حياةٍ كريمةٍ ذات نوعيةٍ عاليةٍ لهم كالفقر والتقاعد وتوفير الدخل الآمن.
كما أن الحادثة هذه تتطلب تقييم واقع دُور رعاية المُسنين في الأردن. لا سيما مع ارتفاع عدد المُسنين المُقيمين في دُور الرعاية الإيوائيّة، وهو ما يعود إلى التغيرات الديمغرافية التي يشهدها الأردن، والأنماط الإجتماعية المتغيرة، مما يستدعي إيلاء الإهتمام اللازم لفئة كبار السن ومدى حاجتهم لخدمات دُور الرعاية في ظل هجرة الأبناء و/أو إنشغالهم بأعمالهم طيلة أيام الأسبوع هذا من جهة، بالإضافة إلى الوقوف على التحديات التي تواجه دُور الرعاية والعاملين بها من جهة أخرى.
كما أن المطلوب اليوم مراجعة واقع دور رعاية المُسنين ومدى اكتفاء هذهِ الدور من وجود الكوادر البشرية المتخصصة والمتفرغة للعمل في الدار، وتحديداً الأطباء والممرضين والأخصائيين النفسيين والإجتماعيين.
وتنفيذ برامج تدريبية للكوادر العاملة في دُور الرعاية على اجراءات ادارة الحالة للتعامل مع الحالات النفسية والاجتماعية للمُسنين.
وأضيف إلى ذلك الحاجّة إلى خطّة إعلاميّة لتعزيز الروابط الإجتماعية بين المُسن وأهله، لتقليل أعداد نزلاء هذه الدور وجعلهم يعيشون بين أسرهم، على نحو يوفر لهم حياة كريمة ومثاليّة.
وأخيراً لا بد أن أقول بأن مكان المسنِّ بين أهله وذويه .. ليحظى بالرعايّة المثاليّة، ويقدّم له المزيد من الرعاية، ونوفي لهم جزءاً ممّا قدموه لنا من رعايّة.
الآباء والآمهات المسنين بحاجة الحب والحنان وإلى دفء الأجواء الأسريّة الممتدة بالعطاء والعطف؛ لا أن نتركّهم بقلوب جاحدة وناكرة لعرفانهم ..
رحم الله من توفي في حادثة الحريق وأسأل الله العلي القدير أن يمنَّ بالشفاء العاجل للمصابين، ولا سامح الله الأبناء الذين يودعونّ بآبائهم وأمهاتهم في مثل هذه المراكز الإيوائيّة!!