
القلعة نيوز:
بعد اسقاط نظام بشار الأسد البائد في سوريا، والمتمثل بحزب البعث السوري، وأيضاً بالرجوع الى مرحلة اسقاط نظام البعث العراقي والمتمثل بحكم صدام حسين، نجد أن هناك ما يمكن وصفه بالتشابه بين النظامين بعد اسقاطهما، وبالطبع مع التنبه الى أن نتائج التجربة العراقية كانت أكثر فوضى، وبالمقارنة مع سوريا ،نجد أن النظام بقي خلال مرحلة الثورة التي استمرت بحدود 14 سنة من الحرب، فكانت الدولة موجودة ومسيطرة بخلاف ما كان سائداً في العراق آنذاك وبالشكل الذي تفاقمت معه فيه حالة الفوضى وواقع النزاعات الطائفية وظهور لتنظيم داعش.
وفي سياق القراءة لواقع الحال في البلدين ( سوريا والعراق) كان من الواضح ظهور المليشيات الايرانية ، ففي العراق هيمنت ايران على كامل مفاصل ومقدرات الدولة حينها، وتمّ في الوقت نفسه إنشاء اقليم كردستان العراق وعاصمته أربيل، وفيما يخص الوضع في سوريا وبشكل خاص بعد مظاهرات الربيع العربي، نجد دعم حزب الله وايران لبقاء حكم الأسد فيها، الى جانب استغاثة الأسد بدولة روسيا والتي استجابت لطلبه، بموجب عقود مبرمة بينهم ، بما فيها عقود استئجار قاعدة حميميم على البحر الأبيض المتوسط، مقابل ضمان عدم اسقاط نظام الأسد، في وقت كانت حينها المعارضة قد وصلت إلى قصر الشعب لإسقاطه، وبالطبع شهدت الأوضاع دخول تركيا واحتلالها أجزاء من الشمال السوري مثل عفرين وبعض مناطق غرب الفرات، وكذلك ظهور مجلس وقوات سوريا الديمقراطية، الذين طلبوا من امريكا دعمهم بهدف القضاء على تنظيم داعش واسترداد مدينة الرقة من قبضة داعش، والتي أعلنت الرقة عاصمة لما يُسمى بدولة الخلافة الاسلامية المزعومة، وكذلك هو الحال في العراق أيضاً وحتى اليوم من وجود للتحالف الدولي المكون من دول غربية والولايات المتحدة الامريكية ودول عربية، وهذا التحالف هدفه القضاء على عناصر داعش.
وبعد الثامن من ديسمبر/ كانون الاول عام 2024م ، أي عندما أعلن رسميا إسقاط نظام بشار الأسد البائد، على يد هيئة تحرير الشام المتمثلة بالسيد احمد الشرع ، وبعد اسقاط النظام أيضاً، فقد دخلت سوريا مرحلة مهمة في تاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وهي مرحلة جديدة تأسيسية تحدد مستقبلها لعدة عقود قادمة، والتي جاءت أيضاً بعد تنصيب أحمد الشرع رئيساً رسمياً للجمهورية العربية السورية، وأهم ملامحها كان دعم الدول الخارجية بما فيها الدول الغربية وتركيا ،الذين تهافتوا إلى اللقاء مع الرئيس أحمد الشرع رسمياً، مجتمعين معه معلنين دعمهم لسوريا الجديدة، وكذلك تأييدهم للمرحلة الانتقالية فيها ودعم سيادتها واستقرارها.
وقد أكدت الدول الخارجية في هذه المرحلة أيضاً، دعمها لسوريا إلى جانب الاصرار على ضرورة مشاركة الاقليات فيها، أي مشاركة جميع أطياف المجتمع السوري في المرحلة الجديدة لسوريا، وللأسف وبعد ما يمكن تسميته بأحداث الساحل السوري والتجاوزات التي جرت على المكون العلوي، وأخرى أيضاً تجاوزات على الاقليات المسيحية في مدينة معلولا وترحيلهم من المدينة، فقد كان هناك استنكار دولي لهذه الانتهاكات وبالشكل الذي كان له تأثير على موضوع إزالة العقوبات الاقتصادية الدولية المرهونة بعدة شروط بما فيها مشاركة الأقليات بوصفها جزء لا يتجزأ من مستقبل سوريا الجديدة، علماً بأن هذه الأحداث تبعها الاتفاق التاريخي بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية ، والذي كان من أهم بنوده السعي للاندماج في جيش الدولة السورية الجديد والذي هو تحت الانشاء والتشكيل، كما حصل مع باقي الفصائل التي اندمجت مع الجيش السوري مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني المدعوم من تركيا وغيرها من الفصائل الأخرى أيضاً، ومؤخراً كانت هناك اجتماعات قد تمت بين الشرع وسوريا الديمقراطية في الشمال السوري لمناقشة وتسوية الأمور بينهما وسبل تطبيق الاتفاق بينهما ، هذه الخطوة الاساسية تؤكد عدم تقسيم سوريا ، وتؤكد أنه في حال قيام أي دولة بالاعتداء على الشمال السوري أو سوريا بكامل اراضيها وجغرافيتها فإن على الجيش الدفاع عن سيادة أراضي سوريا .
لقد أصدر الشرع مؤخراً مسودة الاعلان الدستوري والخطوط العريضة التي تحدد المرحلة الانتقالية للخمس سنوات المقبلة، والذي تضمن بنود عديدة أبرزها أن دين رئيس الجمهورية هو الاسلام ، وان الفقه الاسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع، وان حرية الاعتقاد مصونة والدولة تحترم جميع الأديان السماوية ، والفصل بين السلطات وحرية الصحافة والتعبير وحقوق المرأة ، الى جانب التاكيد على بند مهم وهو أن الجمهورية العربية السورية مستقلة ذات سيادة كاملة موحدة لا تتجزأ، وأن الدولة تتعهد بالتعايش السلمي والاستقرار المجتمعي وتحرص على منع جميع أشكال الفتنة والانقسام، وان جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ودون تمييز بينهم، وهنا أرى أنا شخصياً أن هذا الاعلان الدستوري المؤقت فيه حريات وبنود ديمقراطية أفضل من ماضي سوريا قبل الثورة حيث كان دستور الحزب الواحد ، الى حين كتابة الدستور الاخير لسوريا حيث سوف تُحدد لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا الجديدة .
بعد اعلان مسودة الدستور جاءت معارضته من قبل عدة جهات ، فعلى سبيل المثال مجلس سوريا الديمقراطية صرح أن الاعلان الدستوري يتنافى مع مبدأ التنوع لكافة المكونات المختلفة الموجودة في الدولة السورية ، وانه يجب في الدستور الجديد الحقيقي أن تشارك كل المكونات السورية، حيث كانت هناك مظاهرات من المكون الكردي في مدينة عامودا والقامشلي، بخصوص المادة المتعلقة في الدستور والتي تحافظ على اسم الجمهورية العربية السورية، وحسب نظرة الاكراد فان الاسم ينطوي على اقصاء لثاني أكبر مكون في سوريا وهم الاكراد ، مؤكدين انه ومع تغيير علم سوريا بعد الثورة الى علم سوريا القديم أي علم الاستقلال فان اسمها كان الجمهوية السورية وهو الاسم الذي يجب من وجهة نظر الاكراد ان يعتمد باعتباره مرتبط بعلم الاستقلال، وليس اسم الجمهورية العربية السورية الذي اعتمد بعد الوحدة السابقة انذاك مع مصر .
اعتقد ان سوريا اليوم تمر في مرحلة مخاض ومناقشات ، وحالة من الرضا وعدم الرضا، ولا شك أن ذلك كله يعبر عن مظاهر ديمقراطية طبيعية حول الرأي والمشورة ، تشمل حق كل المكونات السورية في التعبير عن رأيها وموقفها، لذا فانني اعتقد أنه وفي نهاية المطاف سوف يكون هناك دستور جديد أفضل من دستور الحزب الواحد السابق، وستكون هناك دولة ديمقراطية عصرية تعددية تكون فيها سوريا الجديدة نموذج يحتذي ويتأثر به كامل دول الشرق العربي.