
بقلم الفنان سهيل بقاعين
في عالم تُقاس فيه الإنجازات بمدى تأثيرها الإنساني، تبرز أهمية القيادات الواعية التي تدرك أن الإعاقة ليست حاجزًا أمام الإبداع، بل قد تكون مصدرًا لقوة غير متوقعة. ومن هذا المنطلق، أسلط الضوء على الجهود الجبارة التي يبذلها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في دعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيما خلال مشاركته الفاعلة في القمة العالمية الثالثة للإعاقة في برلين، حيث أكد التزام الأردن الراسخ بتمكين هذه الفئة وإدماجها في المجتمع.
خلال القمة العالمية للإعاقة، شدد جلالة الملك على ضرورة توفير فرص متكافئة للأشخاص ذوي الإعاقة، مع التركيز على التعليم والتوظيف والإبداع. وقد قدم الأردن نموذجًا يُحتذى به في هذا المجال، حيث أُقرت تشريعات تعزز حقوق ذوي الإعاقة، مثل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017، الذي يضمن لهم فرصًا متساوية في مختلف مناحي الحياة.
ولم تكن مشاركة جلالته في القمة مجرد كلمات، بل تجسدت في جهود ملموسة على أرض الواقع، مثل زيارته لأكاديمية المكفوفين برفقة جلالة الملكة رانيا العبدالله، حيث اطلع على إبداعات الأطفال المكفوفين الذين حوّلوا الخيال إلى لوحات فنية مدهشة. لم تكن هذه الزيارة مجرد دعم وتشجيع، بل رسالة قوية للمجتمع بأن الإعاقة البصرية لا تعني غياب الرؤية الإبداعية.
مبادرة "عبق اللون”: تحويل الشم واللمس إلى فن
كفنان تشكيلي، آمنت بأن الفن ليس حكرًا على المبصرين، بل هو تعبير عن المشاعر والأحاسيس التي يمكن نقلها بطرق مختلفة. ومن هنا، جاءت فكرة مبادرة "عبق اللون”، التي تهدف إلى تعليم المكفوفين الرسم من خلال حاستي الشم واللمس.
نجحنا في ربط الألوان بروائح مميزة، فجعلنا اللون الأحمر برائحة الكرز، و الأخضر برائحة النعناع والأصفر برائحة الليمون.
بهذه الطريقة، تمكن الأطفال المكفوفون ومن لديهم بقايا بصرية من التعرف على الألوان وإبداع لوحات تعكس مخيلتهم الغنية. وقد لاقت هذه المبادرة إعجابًا واسعًا، ليس فقط في الأردن، بل على مستوى العالم، حيث شارك طلابنا في معارض فنية دولية وحققوا جوائز مشرفة.
التحدي الأكبر لم يكن في تعليم المكفوفين الرسم، بل في تغيير نظرة المجتمع إليهم. فكثيرون كانوا يعتقدون أن الفن حكر على المبصرين، لكننا أثبتنا العكس. وقد عملنا على:
1.بناء ذاكرة بصرية من خلال وصف الأشكال والألوان باستخدام المجسمات والنماذج المحسوسة.
2.تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال المكفوفين، خصوصًا بعد تعرض بعضهم للتنمر.
3.توفير فرص مستقبلية لهم في مجال الفنون، مما قد يصبح مصدر رزق وإبداع دائم.
و رغم النجاح الذي تحقق، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا. نحن بحاجة إلى:
•إدراج مادة الرسم في مناهج تعليم المكفوفين بشكل رسمي.
•دعم المؤسسات الحكومية والخاصة لمثل هذه المبادرات لضمان استمراريتها.
•توعية المجتمع بأن الإبداع لا يعرف حدودًا، وأن الشخص الكفيف قادر على الإنجاز إذا توفرت له الأدوات المناسبة.
ختامًا، أتوجه بالشكر إلى جلالة الملك عبدالله الثاني على دعمه اللامحدود لهذه الفئة، وإلى كل من ساهم في إنجاح مبادرة "عبق اللون”. لنعمل معًا لبناء مجتمع شامل، يُقاس تقدمه بمدى احتضانه لكل أفراده، بغض النظر عن قدراتهم الجسدية.
سهيل بقاعين
فنان تشكيلي وحاصل على وسام الملك عبدالله الثاني للتميز