
خلدون ذيب النعيمي
لم تكن المقولة التي اطلقها المغفور له الملك الحسين بن طلال في منتصف القرن الماضي "فلنبن هذا البلد ولنخدم هذه الأمة" الا تجسيداً حقيقياً لخارطة عمل لوطن ما زال في طور البناء الأول ، فهو من جهة ما زال يعتمد على المعونات الأجنبية بسبب شح الموارد الطبيعية و والاقتصادية ، وهو من جهة أخرى يعتبر امتداداً لرسالة الثورة العربية الكبرى ووريثاً لها وبالتالي تنظر الشعوب العربية للأردن بخصوصية قيادته الهاشمية التي اعلنت بداية أعادة النهضة لهم في وقت مصيري من تاريخ المنطقة والعالم .
ومع توجيهات والده جلالة الملك عبدالله الثاني ألتقط سمو الأمير الحسين هذه المقولة الخالدة ، وكأمير هاشمي يعي جيداً رسالة القيادة الهاشمية والقائمة على اهمية رفعة الأردن وتوفير الحياة الكريمة لأبناءه كمنطلق لخدمة هذه الأمة ، فكان اطلاق سموه العديد من المبادرات التي تؤكد قدرة الانسان الاردني على العطاء وبناء وطنه وتعبيد أفاق هذا العطاء والبناء بمجاراة العصرنة والحداثة وخصوصاً لفئة الشباب التي تعتبر عصب الهمة للشعب الاردني ورهانه ، فكانت هذه المبادرات المجتمعية التي تبرز دور مختلف فئات المجتمع وبالذات الشبابية بعد تزويدهم بمهارات المعلوماتية والتواصل والاتصال وبناء الذات وتسخير كل ذلك للتأكيد ان بناء الأردن هو رسالة داخلية وخارجية للحاضر والمستقبل .
ورسالة الهاشميين في مجد الأمة وتحسس قضاياها لم تكن غائبة عن فكر الامير الهاشمي فكانت قضية العرب الكبرى فلسطين وحق شعبها في الحرية والحياة الكريمة كمنطلق حقيقي للسلام المنشود ، فقد حمل سموه الرؤية الأردنية في هذا الاطار في كافة المحافل الدولية ، فكان ترأس سموه للوفد الأردني في مجلس الأمن الدولي في نيسان 2015م كشاب يحمل رؤية وطنه وهموم اجياله وهو في بداية العشرينات من عمره في حق شباب المنطقة بالحياة الكريمة المملوءة بالطموحات والآمال المستقبلية ، وقد استمع زعماء العالم للحسين بإنصات وتمعن واحترام فكانت كلمته بمثابة الوثيقة الأممية التي تظهر حقيقة صوت الشباب العالمي ورؤيته ، وليس بعيد عن ذلك ترأس سموه للوفد الاردني في القمة العربية في الجزائر في تشرين الثاني 2022م التي وضع فيها بكلمته القادة العرب امام مسؤولياتهم في وضع خطة عربية متكاملة موحدة امام العالم تبرز رؤية شعوبهم في حل معضلات المنطقة التي يحيون بها .
ومع الاحداث الإقليمية الجارية التي اعقبت السابع من اكتوبر 2023 وما تبعها من عدوان على مدنيي غزة كان موقف الحسين بن عبدالله الثاني المعبر عن موقف الاردن قيادة وشعباً في رفض حرب الابادة في غزة فضلاً عن رفض مخططات التهجير التي تستهدف الأردن ، فقد رافق الأمير الهاشمي والده الملك في زيارته للبيت الابيض واعلان الموقف المبدئي للأردن الرافض لخطط التهجير والتوطين ، وكان قيام سموه شخصيا بالإشراف على عمليات انزال المعونات الإغاثية على في غزة في ظل العدوان الغاشم بمثابة رسالة للجميع ان هم فلسطين وحقوق اهلها هو الهم الذي يغادر البال الهاشمي الأردني .
بناء الاردن وتعزيز أركانه ليكون قادراً على القيام بواجبه القومي هي الوصفة الناجحة التي ادركها الأردنيون عبر تاريخهم بقياداتهم الهاشمية من عبدالله الأول الى عبدالله الثاني ، فكانت هذه الوصفة التي اثبت التاريخ حيويتها وصدقها حاضرة في فكر وجهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني فكان الانطلاق من الأنسان الأردني المتمكن فكراً وعملاً لخدمة الأمة التي لا تنفك تذكر تضحيات الاردن وقياداته من بطاح مكة الى ابواب الاقصى ، والفعل هنا يتحدث بلا شك ببلاغة تضاهي فصاحة كل قلم .