
د.جمانه بشير أبورمان
في كل مرحلة من مراحل التدريس، بتمرّ علينا تجارب كثيرة… بعضها بيعدّي، وبعضها بيضلّ عالق في الذاكرة، مهما مرّ عليها الوقت.
في مواقف لما تخطر عبالك، ترسم ابتسامة خفيفة من داخلك، وكأنك عايش اللحظة من جديد، بكل تفاصيلها. من الأشياء اللي بتخلي تجربة التدريس مختلفة فعلًا، هي هاي اللحظات العفوية اللي بتكسر روتين المادة، وبتنقلنا من الشرح النظري لتجربة إنسانية فيها حياة، وضحك، وتواصل. مواقف بتخلي القاعة مش بس مكان لإعطاء المعلومات، بل مساحة فيها تفاعل ووعي وذاكرة حقيقية.
قبل خمس سنوات، وفي إحدى محاضرات ريادة الأعمال، كنت عم بشرح للطلاب عن تصنيف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وذكرت إن من أهم معايير التمييز بينها هو عدد العاملين.
أثناء النقاش، رفع طالب من الطلاب المميزين إيده وسألني:
"دكتورة، كم لازم يكون عدد العاملين عشان نقول إن المشروع صغير أو متوسط بالأردن؟"
مع إني كنت بعرف الجواب، فضّلت أشجّعهم على البحث والتفكير، فابتسمت وقلت له:
"دور على الجواب، وبالمحاضرة الجاية احكيلنا اياه"
ردّ عليّ مباشرة، وبكل عفوية وابتسامة ذكية:
"يعني إنتو هيك الدكاترة بس ما بتعرفوا الجواب، فبتقولولنا دوروا؟!"
القاعة كلها ضحكت، وأنا ضحكت معهم…لكن الحقيقة؟ من وقتها، كل ما أتذكّر هالموقف، ببتسم كأني لسه واقفة بالقاعة، وبسمع الجملة بصوت الطالب نفسه.
المواقف العفوية اللي بتصير داخل القاعة، رغم الجهد في التحضير ومتابعة المستجدات، هي اللي بتعطي للمحاضرات نكهة مختلفة…هي اللي بتحوّل كل محاضرة من مجرّد وقت مخصص للشرح، إلى لحظة حقيقية فيها حضور إنساني.
الطالب اللي قال هالجملة، كنت دائمًا أقدّر مشاركته وتفاعله، وكلما أتذكّر الموقف، كأني رجعت للمحاضرة بكل تفاصيلها، ومتأكدة إنه سواء الطالب أو أي من الطلاب اللي كانوا قرأ هالكلمات، رح يتذكّروا اللحظة، ويمكن تطلع منهم نفس الابتسامة العفوية اللي طلعت وقتها.
التدريس مش بس نقل معلومات، هو علاقة حيّة بين العقول والقلوب، رحلة مليانة مواقف بسيطة، لكنها بتعيش… وتذكّرنا كل مرة ليه اخترنا نكون هو…