القلعة نيوز:
بعد خمسة أعوام ونصف العام على افتتاح محاكمته بقضايا الفساد وخيانة الأمانة، ألقى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، ما وُصف بأنه "قنبلة"، على إثر تقديمه طلباً للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بالعفو عنه، وذلك بالتزامن مع انقضاء أسبوعين ونصف الأسبوع على برقية أرسلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لهرتسوغ عبر سفارة واشنطن لدى إسرائيل، مطالباً فيها نظيره الإسرائيلي بمنح صديقه نتنياهو العفو.
وعلى إثر انتشار خبر طلبه كالنار في الهشيم، خرج رئيس حكومة الاحتلال مخاطباً الإسرائيليين في شريط مصوّر زعم فيه أن استمرار محاكمته "يمزقنا من الداخل"، ملقياً الكرة في ملعب هرتسوغ الذي سيتخذ أحد القرارات التي قد تكون الأكثر دراماتيكية على الإطلاق في ولايته، بحسب وصف موقع "واينت". وعلى خلفية ما تقدم، أُثيرت أسئلة عدّة، بينها لماذا طلب نتنياهو العفو على صفقة ادعاء؟ وما هي تبريراته؟ ولماذا بالتحديد يحتاج العفو بينما يدعي أن الملفات التي يُحاكم فيها قد حيكت ضده وأنها قد انهارت أساساً؟
ما هي تهم نتنياهو؟
يمثل نتنياهو أمام المحكمة في تهم الفساد، الغش، وخيانة الأمانة، في ثلاثة ملفات مختلفة: الملف 1000 وهو الملف المتعلق بتلقيه هدايا من رجال أعمال ونافذين، مقابل تقديم خدمات أو مزايا معيّنة لهم؛ الملف 2000 وهو الملف المعروف باسم قضية "نتنياهو- موزيس"؛ والملف 4000 وهو الملف المعروف باسم "بيزك-ألوفيتش".
بناءً على الشبهات المرتبطة بالملف 1000، لا يتضمن الأخير بند فساد، ولكن الملف يتعلق بقضية تلقي نتنياهو وأبناء عائلته هدايا بقيمة 700 ألف شيكل (نحو 190 ألف دولار) من رجال أعمال بينهم أرنون ملتيشن، وجايمس باكر. أما بالنسبة للملف 2000، فبحسب الشبهات، اقترح مالك صحيفة "يديعوت أحرونوت" نوني موزيس على نتنياهو إجراء تغييرات جذرية في التغطية الإعلامية لصالحه وعائلته، في مقابل "تكسير أجنحة" معارضيه وخصومه السياسيين، وفي المقابل يدفع نتنياهو الذي يتمتع بسلطة سياسية بصفته رئيساً للحكومة (منذ 2009 إلى اليوم باستثناء الفترة بين عامي 2021-2022) بسن قانون في الكنيست يضع عراقيل على صحيفة "يسرائيل هيوم" الأوسع انتشاراً في إسرائيل، وبالتالي يحقق موزيس فوائد مهمة اقتصادياً وتجارياً من جراء انتشار صحيفته.
وفي ما يتعلق بالملف 4000، فإنه وفقاً للائحة الاتهام، مقابل تقديم تغطية إعلامية داعمة لنتنياهو في موقع "والاه"، أصدر تعليمات لتنفيذ خطوات لصالح أعمال ومصالح شاؤول ألوفيتش مالك الموقع وأكبر المساهمين في شركة "بيزك" للهواتف الأرضية في إسرائيل. وهي خطوات جلبت لرجل الأعمال، بشكل مباشر وغير مباشر، مبالغ هائلة تُقدَّر بأكثر من 1.8 مليار شيكل. وبناءً على ذلك فهو متهم بالرشوة.
هل "الملفات تنهار" كما ادعى نتنياهو مراراً؟
الإجابة على السؤال المتقدم، وفقاً لموقع "واينت" هي: لا. فخلافاً للائحة الاتهام في القضية 4000 (بيزك-ألوفيتش) التي تلقت ضربة قاسية، وبخلاف القضية 2000 (نتنياهو-موزِيس) التي ما زال من غير الواضح كيف سيتعامل معها القضاة، فإن القضية 1000، وفق التقديرات، بقيت متماسكة في جوهرها. ولهذه القضية فرعان: الأوّل وهو الفرع الشهير والمعروف والمتعلق بمزايا قدّمها على ما يبدو ميلتشن وباكر لنتنياهو، على شكل سيجار وشمبانيا. أمّا الثاني، وهو الأقل شهرة، فيتعلّق بسلسلة من الخطوات التي نفذها نتنياهو على ما يبدو بحكم منصبه رئيساً للحكومة ووزيراً للاتصالات لصالح صديقه المقرّب ميلتشن، فقد أرسل نتنياهو المدير العام السابق لوزارة الاتصالات، شلومو فيلبر، لكي يقدّم استشارة خاصة للملياردير بشأن مسألة ما إذا كانت وزارة الاتصالات ستصّدق على دمج شركتي "كيشت" و"ريشت"، وهي خطوة كان ميلتشن يخطط لتنفيذها.
لماذا لم يختر نتنياهو صفقة ادعاء؟
في السابق طُرحت مبادرة للتوقيع على صفقة ادعاء (مع النيابة العامة) في القضية، ولكن حتّى بعد تقديمها، طلب القضاة العودة وفحص إمكانية ذلك مجدداً، كما طُرحت بالتوازي اقتراحات للجوء إلى مسار الوساطة القضائية غير أنّ هاتين المحاولتين فشلتا. والسبب، وفقاً للموقع، هو القضية 1000 (قضية الهدايا) باعتبارها قضية تتعلق بمنافع شخصية وبحالة خطيرة من تضارب المصالح، ولا مناص من أن تتضمّن صفقة الادعاء فيها أيضاً وصمة عار، وهي وصمة ستُنهي المسيرة السياسية لنتنياهو. وعملياً لا يوافق الأخير على ذلك.
ماذا يعني طلب العفو؟ وماذا يحدث بعد تقدم طلب كهذا؟
العفو هو أداة يملكها الرئيس الإسرائيلي، وهدفه التخفيف من تبعات إجراء جنائي بعد انقضائه. يهدف التخفيف إلى أخذ اعتبارات غير قانونية أو جنائية بعين الاعتبار، مثل اعتبارات العدالة. منذ لحظة تقديم طلب العفو، يُنقل إلى الرئيس، الذي يحيله إلى قسم العفو في وزارة القضاء للحصول على رأي قانوني منه. ويُعدّ هذا الرأي بناءً على المعلومات الواردة من سلطات الدولة وبناءً على آراء أخرى يتلقاها القسم من النيابة العامة.
بالتوازي مع ذلك، يكتب وزير القضاء (وفي حالة نتنياهو، سيكون ياريف ليفين عرّاب الانقلاب القضائي) أيضاً رأيه، وتُنقَل جميع الآراء إلى المستشارة القانونية لبيت الرئيس، التي تكتب بدورها رأياً قانونياً. وبعد ذلك يُحوَّل كل ما سبق إلى الرئيس الإسرائيلي لاتخاذ القرار النهائي. مع العلم أنه يمكن تقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد أي قرار يصدر عنه.
ما هي مبرّرات نتنياهو؟
يدّعي نتنياهو أنه رغم أنّ الإجراء الجنائي لم ينتهِ بعد، فإن على الرئيس الإسرائيلي أن يمنحه عفواً "لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة ولمصلحة الدولة"، فقد كتب في طلبه أنّه "يواجه صعوبة في إدارة شؤون الدولة، وخاصة الشؤون السياسية، بينما يُطلب منه الإدلاء بشهادته ثلاث مرات في الأسبوع في المحكمة". وبحسبه، فإنّ منح العفو يمكن أن يسمح "بترميم الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي وكذلك بإنهاء الصراع مع سلطات الدولة الذي سبّبته المحاكمة".
إذ مُنح نتنياهو عفواً قبل انتهاء محاكمته، هل تُحقق سابقة؟
لا، فقد مُنح عفو كهذا مرّة واحدة في قضية "خط حافلة 300" في سنوات الثمانينيات، والتي اتُهم فيها عناصر "الشاباك" بقتل مقاومين فلسطينيين اثنين بعد اعتقالهما أحياء. وفيه حينه، عفا الرئيس حاييم هرتسوغ، والد الرئيس الحالي، عنهم، وعن "جرائم القتل والقتل غير العمد وعرقلة سير العدالة" حتى قبل أن تُفتَح أي تحقيقات شرطية ضدهم. في إطار العفو، اتُّفق بين "الشاباك" والمستشار القضائي للحكومة آنذاك، يتسحاق زامير، على أن يُنهي رئيس الجهاز أبراهام شالوم، مهامه في المنصب، وكذلك كامل قيادة الجهاز التي كانت متورطة في القضية، وذلك بعدما أعربوا عن الندم واعترفوا بالذنب.
قُدّمت التماسات ضد العفو عن عناصر "الشاباك" إلى المحكمة العليا، لكنها رُفضت في الحكم الذي صدّق على قرار العفو في حينه، مؤكداً أنه "حالة استثنائية للغاية لا تجوز إلا حين لا يوجد حل آخر". ووفقاً لما كتبه القاضي مئير شمغار في الحكم فإنه "لا تُتاح إمكانية كهذه إلا في ظروف استثنائية تماماً، إذ يعلو فيها اعتباره مصلحة عامة عليا، أو ظرفاً شخصياً شديد التطرف، ولا يُتوقع فيها أي حلّ معقول آخر".
ما مصير المتهمين الآخرين موزيس وألوفيتش؟
من المتوقع أن تتواصل المحاكمة ضد المتهمين الآخرين في الوقت الذي ستتواصل فيه كذلك شهادة نتنياهو بصفتها أحد الأدلة في الملف. وفي حال اعترف نتنياهو بالذنب في إطار العفو، سيُستخدم ذلك ضد بقيّة المتهمين، ما يعني أن خصائص أخرى في العفو قد تؤثر على مجريات المحاكمة. وقد جرت سابقاً اتصالات للتوصل إلى صفقة ادّعاء بين النيابة العامة وموزيس، ومن المرجّح أنه في حال العفو عن نتنياهو، فتح باب التفاوض لصفقة ادّعاء مع بقية المتهمين.




