شريط الأخبار
الرياحي يكتب : مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن نموذج يحتذى وإدارة حصيفة تؤكد على التطور والتحديث المستمر الرواشدة يُعبّر عن فخره بكوادر وزارة الثقافة : جهود مخلصة لإضاءة مساحات الجمال في وطننا السفير الأمريكي: أتطلع لتعزيز الشراكة بين الأردن والولايات المتحدة حزب المحافظين في بيان عاجل يدعو للإسراع في تقديم مشروع قانون الإدارة المحليّة الملك للسفير الأمريكي لدى بالأمم المتحدة: ضرورة استعادة استقرار المنطقة القلعة نيوز تهنئ الدكتور رياض الشيَّاب بمناسبة تعيينه أميناً عامَّاً لوزارة الصحَّة للرِّعاية الأوليَّة والأوبئة وزير البيئة يؤكد سلامة نوعية الهواء في منطقة العراق بمحافظة الكرك قرارات مجلس الوزراء - تفاصيل الملك يحضر في غرفة صناعة عمان فعالية استعرضت إنجازات القطاع الصناعي لعام 2025 عُطلة رسميَّة بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلاديَّة الحنيطي يستقبل رئيس أركان قوة دفاع باربادوس رئيس هيئة الأركان المشتركة يستقبل وفداً من أعضاء الكونغرس الأمريكي الملك يتقبل أوراق اعتماد عدد من السفراء الملك يلتقي نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية فاعليات: افتتاح مركز جرش الثقافي خطوة نوعية لدعم الإبداع والمواهب الحباشنة عبّر "القلعة نيوز " يُطالب بطرح مشروع الناقل الوطني للمياه من العقبة "للاكتتاب العام" الأمن العام يطلق حملة "السلامة المرورية رئيس الوزراء يتفقد أربعة مواقع في جرش وإربد الأحمد : مركز جرش صرح ثقافي سيحتضن المبدعين والمبتكرين والهيئات الثقافية وزير الثقافة ينعى المخرج السينمائي جلال طعمة

البطوش يكتب : مشروع الشراكة صغير الحجم مع القطاع الخاص وفقاً لقانون مشروعات الشراكة

البطوش يكتب : مشروع الشراكة صغير الحجم مع القطاع الخاص وفقاً لقانون مشروعات الشراكة
المحامي بشار محمد البطوش
يتنوع الإستثمار بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، فهو لا يقتصر على المشاريع الكبرى، بل يشمل مشاريع أقل حجماً، بالنظر لطبيعتها، وحجم الإنفاق الرأسمالي فيها.
ورغم أن تركيز الحكومات ينصب عادة على المشاريع الإستثمارية على المستوى الوطني في قطاعات إقتصادية تقليدية مثل النقل والمياه والطاقة، فإن الحاجة لتنفيذ مشاريع شراكة صغيرة الحجم بقطاعات ناشئة وحديثة نسبياً؛ أصبح ضرورة ملحة، بالنظر للتحديات المالية والفنية التي تواجة الجهات القائمة على إنشاء وإدارة المرافق العامة، والحاجة للإستفادة من قدرات القطاع الخاص على توفير التمويل، والخبرة الفنية اللازمة لتلك المشاريع.
وبالنظر لحجم مشاريع الشراكة الوطنية لدينا؛ فهي ليست بالحجم الكبير من حيث رأس المال، خلافاً لأحجامها بدول الخليج، والدول الغربية، بالنظر للمساحة الجغرافية للمملكة، ومحدودية الفرص الإستثمارية فيها الآن، وكذلك الظروف الإقتصادية.
فقد عرف قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 19 لسنة 2023، مشروع الشراكة بأنه: نشاط يهدف لتقديم خدمة عامة، أو تحسينها بمقتضى علاقة تعاقدية طويلة المدى بين الجهة الحكومية والقطاع الخاص، مبينة على توزيع المخاطر، تحت إشراف الجهة المتعاقدة ومسؤوليتها، ومدرجاً بالسجل الوطني للمشروعات الحكومية الإستثمارية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي. إن إدخال مفهوم التعاقد طويل الأمد على مشروع الشراكة كونه يتضمن عقود متعددة، لا يمنع من وجود مشاريع صغيرة الحجم ذات تعاقدات قصيرة، وهذا ما سوف نوضحه من خلال المحاور التالية:
*مقدار الإنفاق الرأسمالي بمشاريع الشراكة صغيرة الحجم
يختلف رأس المال بهذه المشاريع من دولة إلى أخرى، تبعاً للمؤشرات الإقتصادية، والكثافة السكانية، والمساحة الجغرافية، وغيرها، حتى داخل الدولة الواحدة؛ يكون قابلاً للتغيير من وقت لآخر؛ تبعاً لتغيير الظروف والسياسات، والبرامج الإقتصادية.
فماذا عن الأردن؟ خلال أول قانون شراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 31 لسنة 2014، قرر مجلس الوزراء إعتبار مشروع الشراكة صغير الحجم هو الذي لا تتجاوز قيمة الإنفاق الرأسمالي له 15 مليون دينار، دون تحديد حداً أدنى له، ثم ألغي هذا القانون بموجب قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 17 لسنة 2020، ولم يعد القرار السابق نافذ تبعاً لذلك، كون القانون التالي لم يتضمن إعتبار القرارات الصادرة بموجب القانون الملغي سارية المفعول إلى أن تعدل أو تلغى بقرار جديد، ومع ذلك، لم يصدر قرار مشابه عن مجلس الوزراء وفقاً لقانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 17 لسنة 2020، دون معرفة السبب وقتها.
جاء قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 19 لسنة 2023؛ وتضمنت المادة 23/ج منه وجوب إصدار نظام عن مجلس الوزراء لتنفيذ أحكامه يتضمن إجراءات خاصة بمشروعات الشراكة التي تقل كلفها الرأسمالية عن المبلغ الذي يحدده مجلس الوزراء، فعرفت المادة 2 من نظام مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 9 لسنة 2024 مشروع الشراكة صغير الحجم، بأنه المشروع الذي تقل كلفته الرأسمالية عن 10 ملايين دينار، أو المبلغ الذي يحدده مجلس الوزراء وفقاً لأحكام القانون، مما منح الحكومة إمكانية مراجعة مقدار رأسمال المشروع، سواء بالزيادة أو النقصان، تبعاً لتغيير الظروف.
*تمويل مشاريع الشراكة صغيرة الحجم
تتسم هذ المشاريع بإنخفاض كلفتها مقارنة بالمشاريع الكبرى، فسوق التمويل الخاص بها محفز للمقرضين المحليين، بالنظر لمستوى مخاطرها، وإنخفاض الضمانات اللازمة للسداد. كذلك، فالإقتراض بالعملة الوطنية، يقلل من مخاطر تقلب أسعار الصرف والفائدة بحال الإقتراض الخارجي بالعملات الأجنبية، مما يتطلب من القطاع الخاص تقديم دراسات جدوى محفزة للممولين لتقديم الدعم وتوظيف الفوائض المالية بالمشاريع التنموية، والمشاريع الخضراء، وذات القيمة المضافة.
إن دور البنوك المحلية بدعم هذه المشاريع بالغ الأهمية، فهي تملك قدرة ضخمة على تمويلها من خلال الإستفادة من موجوداتها البالغة حوالي 70 مليار دينار وفقاً تصريح رئيس جمعية البنوك أمام اللجنة المالية النيابية عام 2024، مما يجعلها شريك وطني بمشاريع تنموية وإقتصادية تساهم برفع معدلات النمو، وتعزز الإستثمار المحلي، وترفد الخزينة بعوائد مجزية.
إن قيام القطاع الخاص بدور الممول يخلص القطاع العام من عبء التمويل الذاتي أو الإستدانة، مما يقلل المديونية العامة، فتعريف مشروع الشراكة يعكس جوهر العلاقة بين طرفي عقد الشراكة القائمة على توزيع المخاطر، ومنها التمويل، وتغيير أسعار العملات والفوائد، وضمان الحد الأدنى للإيراد، فيتم نقل مخاطر معينة للقطاع الخاص الأقدر عليها بالعقد بدلاً من أن يتحملها القطاع العام.
لقد أصبح متاحاً الآن نوافذ تمويل إسلامي لمشاريع الشراكة، مثل قانون صكوك التمويل الاسلامي رقم 30 لسنة 2012 ، وهذا يشكل حافز إضافي لإدخال هذا النموذج التمويلي القائم على وجود مشاريع فعلية، ومشاركة حقيقية بالربح والخسارة، إضافة للتخلص من أعباء التمويل التقليدي القائم على الفائدة الثابتة المحظورة شرعاً.
علماً، بأن مساهمة القطاع العام بالتمويل جزئياً؛ لا تنفي عن المشروع صفة الشراكة مع القطاع الخاص، فالأخير يتحمل عبء التمويل الكلي للمشروع، فتلك المساهمة تندرج ضمن دعم المشروع وتقليل الكلفة على المستهلك النهائي، ومثاله مشاركة الحكومة بمبلغ 300 مليون دولار بمشروع جر مياه الديسي لقاء تخفيض كلفة المتر المربع الواحد من المياه على المستهلك.
القطاع العام
إن بناء قدرات العاملين بالجهات العامة المعنية بمشاريع الشراكة صغيرة الحجم يساهم بنجاحها، خاصة على القضايا القانونية، وتقييم الدراسات، وإدارة العقود والمشاريع، وأدوار الأطراف، ونماذج الشراكة، والتواصل الإعلامي، وغيرها.
مع أهمية إيلاء مؤسسات القطاع العام دعم هذه المشاريع، ومنح الحوافز الإستثمارية بالنظر لقيمتها مقابل المال، والقيمة المضافة لها على الإقتصاد والمجتمع، فهذا يوفر فرص عمل، ويعزز النمو الإقتصادي، ويدفع بعجلة التنمية، ومن جهة أخرى، فمشاركة القطاع العام بعوائد المشروع يحقق إيراد إضافي له، إضافةً بأن المشروع يؤول إليه بالنهاية دون تحمل كلف إنشائه.
وضرورة مراجعة الجانب التشريعي بإستمرار، بما يضمن إجراءات ميسرة لتنفيذ المشاريع صغيرة الحجم، وإزالة التحديات أمامها، دون المساس بحقوق المستثمرين، فالتعديلات المتتالية وغير المدرسة لا تشجع على الإستثمار، وتنفر المستثمرون. بالمقابل، فإن مبادرة القطاع العام للشراكة، قد يعاب عليه - من قبل البعض - السعي لبيع مقدارات الوطن، أو تعريضها لإستثمارات غير آمنة. كذلك، ينبغي الإشارة لوجود فهم مغلوط للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأن تدخل القطاع الخاص يؤدي لرفع الأسعار، وحدوث ممارسات إحتكارية ضد المواطن، وسط غياب رقابة الدولة عن تلك الممارسات.
ولكون الشراكة مع القطاع الخاص تعتبر من طرق شراء الخدمات، فهي أكثر تعقيداً من الطرق التقليدية المستخدمة بالقطاع العام، لأنها تتطلب من الشريك الخاص تحمل قدر أكبر من مخاطر المشروع وفهم تلك المخاطر مع المقرضون، لذا فهي تتطلب جهد كبير بإعداد وتحليل المشروع المقترح، وطرح العطاء لإختيار المقاول الأفضل، ولأن المشاريع تمتد لما بعد إكمال البناء والتنفيذ، لتشمل تقديم الخدمات من قبل الشريك الخاص فهي بحاجة لأنظمة رقابة وإدارة للعقود، وهذه تكاليف إضافية مستقلة إلى حد كبير عن حجم المشروع.
*القطاع الخاص
تحفز مشاريع الشراكة صغيرة الحجم القطاع الخاص خاصة الوطني، بالنظر لمتطلباتها المتوفرة لدى غالبية المستثمرين المحليين، فالكلفة المالية يمكن أن تكون متاحة أما بتمويل ذاتي، أو بالحصول على إئتمان ميسر قليل الكلف، إلى جانب توفر الخبرات الفنية الوطنية، والتي تغني عن جلب الخبرات الأجنبية، وبهذا تحقق هذه المشاريع قيمة مضافة بإيجاد فرص عمل تخفض معدلات البطالة، بل أن الخبرات الوطنية - والتي هي جزء من المستخدمين النهائيين - تدعم تصميم مشاريع وطنية تلبي بشكل أفضل إحتياجات المواطن.
ومع ذلك، فهذه المشاريع لا تزال قليلة الإنتشار، وتحيط بها تخوفات عديدة، منها ما يتعلق بالقطاع الخاص، كالبيروقراطية لدى بعض مؤسسات القطاع العام، وعدم تنويع أدوات الإستثمار فيها، كذلك التفكير التقليدي بلزوم وجود القطاع العام بكل الخدمات المقدمة للمواطن، وعدم تقبل فكرة دفع مبالغ إضافية للقطاع الخاص لرفع جودة الخدمة لوجوب تقديمها مجاناً للمواطن لقاء الضرائب التي يدفعها لتحسين مرافق الدولة، فضلاً عن تخوف المستثمرون من الخوض بإستثمارات مع مؤسسات عامة لعدم الجدوى المالية، وإرتفاع المخاطرة فيها، فالصورة النمطية عنها بأنه قطاع خدمي لا يصلح بأن يكون شريكاً حقيقياً بالإستثمار.
*أشكال الشراكة في مشاريع الشراكة صغيرة الحجم
لا يوجد شكل محدد لمشاريع صغيرة الحجم، فالمجال متاح لكافة الأشكال تبعاً لطبيعة المشروع، ومقدار رأس المال، وأبسط هذه الأشكال، هو عقود الإدارة، ومثاله عقد إدارة مياة مدينة عمان والزرقاء بالتسعينات من قبل شركة ليما الفرنسية لقاء مبلغ 40 مليون دولار، حيث تضمن توزيع المياه بهاتين المحافظتين وجني قيمتها، وتقديم خدمة الصرف الصحي، وبعدها تولى الموضوع شركة مياه الأردن (مياهنا) المملوكة بالكامل للحكومة ممثلة بسلطة المياة، وقد توسع نطاق عملها ليشمل محافظتي مأدبا والبلقاء.
إن عقد الإدارة المشار إليه أعلاه، يحكي التجربة الفرنسية، حيث سبق وأن تولى إدارة مياه مدينة باريس والصرف الصحي، شركتين من القطاع الخاص لأكثر من 25 سنة، قبل أن يعود القطاع لإدارة الدولة.
إن أهم الضوابط الرئيسة الذي على أساسه يتحدد الشكل المناسب للشراكة بين القطاعين، هو الدور المطلوب من القطاع الخاص بالمشروع، والمخاطر المراد نقلها له، إلى جانب متطلبات أخرى يتوسل من خلالها القطاع العام الشراكة مع نظيره القطاع الخاص، مما أدى لدخول نماذج أخرى لهذه المشاريع منها: BOT، BOO، وDBOT، وغيرها، وتختلف سياسات الدول بالتعامل مع مشاريع الشراكة صغيرة الحجم، وتقييمها وتنفيذها، وكذلك المتطلبات الخاصة بها، والمزايا التي تمنح لها.
إن مشاريع الشراكة الصغيرة، يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً بحياة المواطنين، فهي تحمل في مضامينها موهبة وإرادة، وإبداع فكري بهيكلتها وتمويلها وتنفيذها، بما يحقق الرضا الشعبي، والتطور الحضري.
ولكن هذا لا يعني بأن هذا النوع من المشاريع يتخذ شكل واحد، فقد يكون المشروع صغير الحجم، ولكن نظراً لأهميته، وموضوعه، ومكانه، تتداخل فيها أشكال تعاقدية، من تصميم وتمويل وتنفيذ، ونقل ملكية (DBOT)، وقد يلحقها إدارة وتشغيل، فأحياناً يكون مشروع صغير الحجم، لكنه ذو نفع متعدد الأماكن داخل إقليم الدولة الواحدة.
إضافة للنماذج السابقة، يوجد نماذج أخرى لعقود مشاريع الشراكة؛ يمكن أن تكون متاحة للمشاريع صغيرة الحجم، كما يلي:
1.تطوير - بناء - تمويل – تشغيل – DBFO - Develop, Build, Finance, Operate
2.إدارة - تشغيل – صيانة – OMM - Management, Operate, Maintenance
3.إعادة تأهيل - تشغيل – نقل – ROT - Rehabilitate, Operate, Transfer
4.بناء - تأجير – نقل – BLT - Build, Lease, Transfer
5.تطوير - تشغيل – نقل – DOT - Develop, Operate, Transfer
6.بناء - نقل – تشغيل – BTO - Build, Transfer, Operate
7.إعادة تأهيل - تأجير تمويلي – نقل – RLT - Rehabilitation, lease, Transfer
8.بناء - إعادة تأهيل - تشغيل- نقل – BROT - Build, Rehabilitation, Operate, Transfer
9.بناء - تأجير تمويلي – تملك – BLO - Build leasing and Own
10.بناء - تملك مرحلي - تأجير تمويلي- نقل – BOLT - Build, Interim Ownership, Lease, Transfer.
11.إعادة التأهيل - تملك – تشغيل – ROO - Rehabilitation, Own, Operate
12.شراء - بناء – تشغيل – PBO - Parches, Build, and Operate.
*تجميع الشراكات صغيرة الحجم
قد تظهر الحاجة لمشروع ما داخل الدولة، ويتكرر الطلب عليه بأكثر من منطقة بذات الوقت، فنكون أمام مشروعات متشابهة من حيث الطبيعة، ومقدار رأس المال، فهنا يمكن ضمها معاً بمشروع واحد للتيسير بالمراحل، وضمان تنفيذها معاً، مما يتيح لمقدمي العروض التقدم لعطاءات مشاريع شراكة متعددة دفعة واحدة بما يخفض الكلف على القطاع العام نظراً لإتباع نفس الإجراءات، واستخدام ذات وثائق العطاء لجميع المشروعاتبدلاً من تكرار العملية لكل مشروع لوحده، فهذا يقلل من الوقت لدراستها وإتمام تنفيذها.
وهذا ما أجازته المادة 44 من نظام مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 9 لسنة 2024، وتنص لوزارة الإستثمار أو وحدة إدارة الإستثمارات الحكومية بوزارة التخطيط، ضم مشروعات الشراكة صغيرة الحجم ذات الطبيعة المتشابهة كمشروع واحد، ويتم إعداد تقرير الجدوى، وطرح العطاء لمجموعة المشروعات صغيرة الحجم ذات الطبيعة المتشابهة بعملية واحدة كمشروع شراكة واحد وفق أحكام هذا النظام، مع تسجيل المشروع بالسجل الوطني للمشروعات الحكومية الإستثمارية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي.
كقاعدة عامة، ما يمييز الشراكة صغيرة الحجم، هو البساطة بالتعاقد، وإنخفاض المتطلبات القانونية، تبعاً لإنخفاض الإنفاق الرأسمالي فيها، وتركيزها على مشاريع هامة، تخدم المناطق المهمشة، أو ذات المستويات المعيشية المتدنية أو المتوسطة، أو المناطق الناشئة، وغيرها، بما يساهم بتطويرها، ورفع سويتها بشكل سريع وبأثر ملموس، وبالنظر لسرعة تنفيذها وظهور أثرها على أرض الواقع، فهذا يمكّن من توسيع نطاقها لشمول مجتمعات مماثلة، بما يعزز القيمة المضافة لها على المستوى الإقليمي.
ومن الأمثلة التي تندرج ضمن هذا السياق، مشروعات إعادة تدوير النفايات المختلفة، أو إنشاء المدارس، أو مواقف السيارات المتنوعة، أو الجسور والطرق داخل المحافظات، أو المستشفيات، أو تخزين الحبوب، أو تركيب إنارة الشوارع للحد من الجريمة، وزيادة المساحات المضاء بالطاقة الشمسية، أو تطوير وصيانة الحدائق، أو الطرق الحضرية، أو المسالخ، وغيرها.
*المزايا الممنوحة للشراكات صغيرة الحجم
بيّن نظام مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 9 لسنة 2024، الأحكام الخاصة بعطاءات مشروعات الشراكة، ودورة حياة المشروع منذ إختياره، مروراً بالإعداد له، ثم طرح العطاء والتنفيذ، وأخيراً، إعادته للجهة صاحبة المشروع بعد إنتهاء مدة الإستثمار، حيث منح النظام خصوصية لمشاريع الشراكة صغيرة الحجم، بالنظر لمقدار رأس المال أو طبيعتها، بمنحها متطلبات ميسرة، ومزايا خلافاً للمشاريع المتوسطة أو كبيرة الحجم من حيث تقليل الإجراءات والمتطلبات الخاصة بالتنفيذ.
وحسناً فعل المشرع بهذا النهج فلا حاجة لإرهاق بعض الجهات بمتطلبات كثيرة، طالما بالإمكان التخفيف منها بالنظر لعامل الوقت وطبيعة المشروع، وحجم الإنفاق الرأسمالي، والفائدة المرجوة للجهات المستفيدة، فالقيمة مقابل المال أحد أهم مقومات مشاريع الشراكة.
فقد بينت المادة 44 من النظام، المتطلبات القانونية الجائز إستثناء مشروع الشراكة صغير الحجم منها بقرار من وزير الإستثمار بناءاً على تنسيب من مدير وحدة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في وزارة الاستثمار، وهي:
1-تعيين مستشار المشروع.
2-دعوة إبداء الإهتمام.
3-تخفيض المدد المنصوص عليها في القانون والأنظمة إلى النصف.
4-أي إجراءات أخرى نص عليها النظام.
مع التنويه، بأنه لا يجوز أن تشتمل الإستثناءات الممنوحة لهذا النوع من المشاريع الإعفاء من إعداد تقرير الإلتزامات المالية، ولا يجوز أن تؤثر على مبادئ المساواة والشفافية، ووضوح وثائق عطاء هذا النوع من المشاريع.
تظهر فضيلة تلك المزايا، بتسهيل تنفيذ مشاريع شراكة صغيرة الحجم، خاصة على المستوى المحلي، وبالنتيجة سرعة تحسين البنية التحتية، وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين، لكن تبقى تلك المزايا مسألة جوازية، فقد تكون هناك حاجة لمستشار مشروع نظراً لطبيعته، أو نقص الخبرات الفنية لدى الجهة صاحبة المشروع، لذا، فهي مزايا إستثنائية، فلا يجوز التوسع فيه أو القياس عليها، فإن وجدت مبررات أو كانت مصلحة المشروع تدفع بإتجاه منحها؛ يبقى قرار الموافقة عليها محكوم بأثرها على تنفيذ المشروع.
*التحديات التي تواجه مشاريع الشراكة صغيرة الحجم
كأي نوع من المشاريع الإستثمارية؛ فإن مشاريع الشراكة صغيرة الحجم تواجه تحديات، ومنها ضعف فهم الممولين لها لقلة الخبرة بالمشاريع المماثلة، وعدم وجود أطر أو وثائق موحدة معروفة لكل منها، فكل مشروع صغير الحجم يأتي بعقده الخاص ومخاطره، ومع عدم إنتشار تلك المشاريع، فإن جهات التمويل تنقصها مهارات التقييم اللازمة لها، فغالباً لا يكون لديها منتج تمويلي لقطاع أو نوع معين من المشاريع الصغيرة، ومثاله مشاريع كفاءة إستخدام الطاقة التقليدية أو المتجددة الصغيرة.
إن متطلبات تعزيز الإئتمان وسياسات البنوك، يمكن أن تمنع تمويل المشاريع الصغيرة على نطاق واسع، لذا، يتم تمويلها ببعض القطاعات بالكامل من المستثمرين أنفسهم لغياب منتجات الإقراض المناسبة، أو نقص القدرات والمعلومات بالبنوك للقيام بدورها، وهنا تظهر أهمية بناء القدرات البنكية لفهم المشاريع الصغيرة وأهميتها على مختلف الصعد داخل الوطن وتقييم مخاطرها.
ومن جهة أخرى، فأحياناً تواجه هذه المشاريع نقص بالتمويل من الأسواق المحلية، بسبب عبء الضمانات المطلوبة من المستثمرين، والتي قد تكون مساوية أو تزيد على مقدار التمويل الصادر لهم، مما يحد من قدرتهم على القيام بعدة مشاريع بنفس الوقت، وبالنظر للقدرات المالية للمستثمرين بالمشروعات الصغيرة المتعددة؛ وهم بالغالب شركات صغيرة أو متوسطة ذات قدرات إقتراض محدودة، فهذا يدفعهم للتواصل مع عدد من البنوك للحصول على التمويل، مما يفضي لتغطية كامل رأسمال المشروعات.
كذلك، يجب الإشارة لوجود قصور بفهم المستثمرون المحليين لقضايا الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما يتطلب بناء قاعدة معرفية لمشاريع الشراكة صغيرة الحجم، والتركيز على الناجح منها، وكيفية إدارة القضايا المؤسسية، والقانونية، والتمويلية المتعلقة بها.
ويبقى الجدل قائماً حول مفهوم الشراكة مع القطاع الخاص، من حيث عدم البراءة بالتسمية، فهي لا تخلو من التضليل، فالمصطلح يوهم بوجود دور بارز وندي للقطاع العام مع القطاع الخاص بإتفاقيات الشراكة، ووضع متساو بالحقوق والواجبات والأرباح وغيرها، وأن ذلك ليس سوى فقاعة، والأمر لا يخرج عن كونه شكل آخر للخصخصة بكل ما تعنيه من سيطرة الشركات الخاصة على المرافق العامة، ولمصلحتها حصراً، والخاسر الأخير هو المواطن الذي يجب أن يدفع المقابل المقرر من الشريك الخاص، خاصة أمام ضعف إمكانيات الدولة المالية أو الفنية لتولي زمام الأمر، مما إضطرها للإستعانة بالقطاع الخاص وقبول شروطه، مما ساهم بتراجع قدرة القطاع العام عن إدارة مقدارته الوطنية، ليصبح أسير القطاع الخاص لسنوات طوال، فقد يكون الإقتراض الداخلي للدولة لتحسين المرافق العامة، أوفر بكثير من تسليم إدارته لشركة خاصة ستفرض أعباء مالية إضافية على كاهل المواطنين.
إن ما طرح في سبيل النيل من الشراكة، وجهة نظر محل تقدير، ولكن إذا كانت الدولة تمر بمديونية عالية وعجز بالموازنة، إلى جانب تراجع القدرات المالية والفنية على تمويل أو تشغيل المرافق العامة، مما يساهم بتفاقم المديونية لو إستمرت بها لتمويل إعادة هيكلة تلك المرافق، كما هو الحال بالأردن، والتي وصلت فيه المديونية لحوالي 47 مليار دينار، والعجز بالموازنة قارب على 119% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن ذلك لا ينفي إيجابيات الشراكة، فلدى العديد من الدول ومنها الأردن، قصص نجاح بالشراكة مع القطاع الخاص، وإن مشروع توسعة مطار الملكة علياء الدولي وفق نموذج BOT ليس عنا ببعيد، فهو قصة نجاح على مستوى الشرق الأوسط.
إن فشل أي مشروع شراكة، أن لا يشكل قاعدة عامة تعمم عليها جميع المشاريع أو الدول، فظروف الدول متباينة، والتجربة أكبر برهان، وإن الدول تتعلم من الدروس المستفادة، فإعداد دراسات كافية للمشروع، والإحاطة بكافة المخاطر المحتملة، وسط منافسة حرة بين المتقدمين للعطاء، مع إشراك خبراء محايدين بالمفاوضات وصياغة العقود، ودرء منافد الفساد المحتملة، تحت رقابة حكومية على الشريك الخاص أثناء التنفيذ والإدارة والتشغيل، يساهم بإنضاج مشروع شراكة ناجح، وذو جدوى مالية للقطاع الخاص، وجدوى إقتصادية للقطاع العام، ويحقق أفضل قيمة مقابل المال، وهذا جوهر التشاركية بين القطاعين العام والخاص سواء بالمكاسب، أو توزيع المخاطر.
فالشراكة بين القطاعين العام والخاص، شكل من أشكال الإستثمار، ولا تخلو من المخاطر والتحديات، ويمكن أن تكون إيجابية وذات قيمة مضافة على مختلف المستويات الإقتصادية المحلية والإقليمية، والوطنية، وذلك بالسماح بتنفيذ مشروع إستثماري بأفضل شكل من حيث النوعية والسعر، مع الحفاظ على الأهداف والمصالح العامة، ولكن إذا كان من شأن اللجوء لهذا النموذج عدم تقديم حلول ملموسة للقطاع العام الذي يواجه مشاكل في ميزانيته، فالشراكة لن تحقق أهدافها، ويصبح هذا الخيار غير مناسب بهذه الحالة.
قبل الختام، ولأهمية وجود مشاريع صغيرة الحجم، فإن فكرة وجود آليات دعم حكومي، أو صناديق دعم إستثمار مشترك؛ أصبحت حاجة ملحة، بما يشابه صندوق دعم المحافظات في الأردن، فمن الضروري إتاحة التمويل لتلك المشاريع، كونها ذات أثر إجتماعي وتنموي عريض، فمشاريع الشراكة، هي محركات النمو لتنفيذ رؤية التحديث الإقتصادي بمختلف القطاعات، ومن عوامل نجاحها كما ورد بالرؤية الملكية.
وأخيراً، إن تعزيز بيئة الأعمال والشراكة مع القطاع الخاص، تتطلب إصدار ما يلزم من نماذج وأدلة إرشادية تتعلق بمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي نصت عليها التشريعات ذات العلاقة، فالموقع الإلكتروني لوحدة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تتضمن عدد من الأدلة الإرشادية، مما يتطلب من وزارة الإستثمار، ووحدة مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إستكمال إصدار ونشر باقي المتطلبات القانونية إن وجدت، لتكون تحت إطلاع المستثمرون، وكذلك رفع الوعي بمفهوم مشاريع الشراكة صغيرة الحجم، وأهميتها الإستثمارية بالمملكة.