الدكتور نسيم أبو خضير
ليست إذاعة القوات المسلحة الأردنية مجرد محطة بث ، ولا مجرد وسيلة إعلامية تُقدّم الأخبار والبرامج ، بل هي نبض الوطن ، وصوت الجندي ، وذاك الحضور الذي يرافق رجال الجيش العربي في مواقعهم ، في خنادقهم ، في دورياتهم ، وفي مهماتهم داخل الأردن وخارجه . إنها الإذاعة التي حملت أمانة الكلمة ، ورسالة الجيش ، وروح الإنتماء .
منذ تأسيسها ، كانت إذاعة القوات المسلحة الأردنية رمزًا للثبات ، وعنوانًا للثقة ، وامتدادًا لإرث الجيش الذي ورث البطولة والفداء .
جنديّنا في الميدان ، على الحدود ، في مواقع التدريب ، وفي عمليات الواجب يجد دائمًا في هذه الإذاعة رفيقًا يدهشه بحضوره ، ويطمئنه بكلمته ، ويرفع من معنوياته بنداءاته ورسائلها .
وفي مواقع حفظ السلام حول العالم ، كانت الإذاعة تصنع الجسر الأجمل بين جنودنا وقلوب أهلهم في الوطن ، تحرص على أن تبقى الكلمة الطيبة ، والدعاء الصادق ، والحديث الوطني يصل إلى مكان المهمة ، مهما بعدت الأرض واختلفت اللغات .
كانت الإذاعة ولا تزال – منبرًا وطنيًا شامخًا ، يدعم القوات المسلحة ، ويُعلي شأن رسالتها ، ويعكس صورة الأردن الحضارية.
قدمت برامج تثقيفية ، عسكرية ، توعوية ، إنسانية ، واجتماعية ، رسّخت قيم الانتماء ، وأبقت الجيش في وجدان المواطن ، وأبقت المواطن في وجدان الجندي .
وبرامجها لم تكن كلمات تُقرأ ، بل كانت رسائل نبيلة تُغرس في الوجدان : الصبر ، الإنضباط ، التضحية ، حب الوطن ، الولاء للقيادة الهاشمية ، والإعتزاز بالجيش العربي المصطفوي .
ولم تكن إذاعة القوات المسلحة الأردنية يومًا بعيدة عن سيرة الشهداء ولا عن أسرهم وأبنائهم وزوجاتهم ، فقد جعلت من رسالتها أن تحفظ أسماءهم في الذاكرة الوطنية ، وأن تظل تضحياتهم منارة تهدي الأجيال .
كانت الإذاعة –ولا تزال – تفتح برامجها وموجاتها لتقصّ حكايات البطولة ، ولتُشعر أم الشهيد وأبناءه وزوجته بأن الوطن كله يقف معهم ، وأن دماء الشهداء لم تُقدّم عبثًا ، بل روت تراب الأردن بالعزة .
إن برامجها التي تُعنى بالشهداء وذويهم تجسد أعلى مراتب الوفاء ، وتؤكد أن الجيش العربي لا ينسى رجاله ، وأن صوت الإذاعة سيبقى يحمل أسماءهم ويبارك بيوتهم ويمدّها بالعزاء العاطفي والروحي الذي يليق بمقام الشهادة .
وإنه لشرف لي لا يُضاهى أن كنتُ يومًا مشاركًا في إعداد وتقديم البرامج فيها .
تلك اللحظات لم تكن مجرد تجربة إعلامية ، بل كانت مدرسة وطنية تعلمت فيها معنى الإنتماء الحقيقي ، وكيف تُصاغ الكلمة بصدق ، وكيف يُحترم المستمع لأنه جندي أو ضابط أو مواطن يرى في الإذاعة مرآة لجيشه ووطنه .
لقد لمستُ عن قرب روح العاملين فيها : إخلاصهم ، إنضباطهم ، أمانتهم ، تفانيهم . يعملون بصمت ، لكن أثرهم يصنع الكثير .
وما زلت أعتز بأن جزءًا من صوتي ، أو فكرة من أفكاري ، أو كلمة كتبتها… حملتها موجات هذه الإذاعة إلى أبناء الوطن .
إننا اليوم ، ونحن نتحدث عن إذاعة القوات المسلحة ..الجيش العربي ، نتحدث عن حب القائد لكل فرد في القوات المسلحة الأردنية ورعايته لهم ، نتحدث عن تاريخ يُرفع الرأس به ، وعن جهود نبيلة تستحق كل تقدير .
تحية إجلال لكل من عمل في إذاعة القواتالمسلحةالأردنية ... الجيش العربي ، لكل من حمل المايكرفون بإخلاص ، لكل مخرج ومعد ومراسل ، ولكل صوت عسكري شارك في إيصال الحقيقة بروح أردنية لا تعرف إلا الشرف .
وتحية خاصة لمنتسبي قواتنا المسلحة الأردنية – الجيش العربي ، الذين كانت الإذاعة وما زالت صوتهم الأمين ، ورفيقهم الدائم ، وجسرًا يربطهم بأهلهم ووطنهم أينما كانوا .



