شريط الأخبار
الحكومة في 2025 .. عمل من الميدان وقرارات حيوية واستراتيجية وزير الثقافة يتسلّم ملف ترشيح لواء البادية الشمالية الغربية لمشروع ألوية الثقافة للعام ٢٠٢٦ السفيرة غنيمات تزور وزارة الصناعة والتجارة المغربية وتلتقي وزيرها مديرية الأمن العام تحقق عام 2025 انجازات غير مسبوقه في التصدي للجرائم : تعاملت مع قر ابة 12 الف قضية جنائيه منها74 جريمة قتل ولي العهد: مني ومن رجوة وصغيرتنا إيمان كل عام وأنتم بخير رغم ارتفاعها عالميا : الاردن يخفض أسعار البنزين والكاز والديزل ويثبت سعر الغاز الوزير المصري: حلول عاجلة وأخرى دائمة للتعامل مع الأمطار الاستثنائية الدبلوماسية الأردنية في صدارة الدفاع عن القضايا العربية تتقدمها فلسطين تقرير لليونسكو يحذّر: فيضانات البترا تهدّد إرث الأردن الملك في 2025 .. 46 زيارة عمل و255 لقاءً مع رؤساء دول وقادة 8 إصابات جديدة جراءة استخدام مدافئ "شموسة" مستقلة الإنتخاب: أحزاب أُوقف تمويلها وأخرى أُقيمت دعاوى لحلها سوريا .. القبض على متورطين بأحداث طائفية في الساحل السوري الديوان الملكي ينشر بالأرقام ملخص برامج جلالة الملك في 2025 المحكمة الدستورية في 2025 .. 8 أحكام جديدة رسخت سمو الدستور وسيادة القانون التربية 2025... إنجازات تعليمية وتربوية ركزت على مهارات المستقبل وتعزيز التعليم الرقمي الفيفا: علي علوان وصيف هدافي العالم مع المنتخبات لعام 2025 الخارجية: الأردن يتابع باهتمام بالغ تطورات الأوضاع في الجمهورية اليمنية شركة البوتاس العربية (العملاقة ) .. حين يكون العمل المجتمعي فعل وطني بامتياز .. الظروف الجوية الصعبة اكبر دليل على دورها المتميز الأردن يشارك في الحوار التاسع حول مكافحة التطرف العنيف في الشرق الأوسط

الرجوب يكتب : منخفض شتوي عميق يضرب الأردن" بين نعمة المياه وندرة الحصاد"

الرجوب يكتب : منخفض شتوي عميق يضرب الأردن بين نعمة المياه وندرة الحصاد
احمد عبدالباسط الرجوب
تشهد المملكة الأردنية الهاشمية، منذ يوم 28 ديسمبر 2025 وحتى اللحظة، تأثير منخفض جوي عميق وشامل، يتميز بكثافة الأمطار الغزيرة التي شملت معظم مناطق المملكة، وتساقط للثلوج على المرتفعات العالية. وقد أدت هذه الأمطار إلى جريان الأودية والشعاب، لا سيما في المناطق الصحراوية والبادية، مما تسبب في حدوث فيضانات مفاجئة، وإغلاق عدد من الطرق الرئيسية والفرعية، واستنفار كوادر الدفاع المدني والجهات المعنية للتعامل مع الحالات الطارئة.
هذا المنخفض، رغم ما يحمله من مخاطر، يمثل ثروة مائية استثنائية لم تعد تأتي إلا قليلاً في ظل التغيرات المناخية. وهو يضع الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة المياه والري، أمام اختبار حقيقي لقدرتها على تحويل التحدي إلى فرصة، والتهديد إلى منفعة، في بلد يصنف من الأفقر مائياً على مستوى العالم.
الاستجابة الرسمية: مؤشرات إيجابية وتخزين استراتيجي
في هذا السياق، تُظهر البيانات الرسمية للوزارة قدرة بنية تحتية مُحسّنة على استيعاب الفيضانات وتحويلها إلى مخزون مائي آمن. فقد أشارت بيانات وزارة المياه والري إلى أن المنخفض الجوي الأخير ساهم في امتلاء ستة سدود بكامل سعتها التخزينية، وهي: سد وادي بن حماد، سد الموجب، سد اللجون، سد وادي الكرك، وسد شيظم. وأكدت الوزارة أن جميع المنشآت المائية سليمة بنسبة 100%، وأن عمليات المراقبة تتم على مدار الساعة، مما يعكس مستوى جاهزية وتنسيق عالٍ مع المركز الوطني لإدارة الأزمات.
وبحسب الموازنة المائية للعام 2023، فإن السعة التصميمية الإجمالية للسدود الرئيسية في الأردن تبلغ حوالي 356.88 مليون متر مكعب. وقد بلغت كميات المياه الداخلة إلى السدود خلال ذلك العام نحو 297.17 مليون متر مكعب، مما يدل على الدور الحيوي لهذه السدود في حصاد مياه الأمطار والفيضانات. وبينت البيانات أن تخزين السدود حتى تاريخ 30 ديسمبر 2025 قد قفز بشكل ملحوظ نتيجة المنخفض الحالي، مما يعكس تحسناً فورياً في المخزون الاستراتيجي. ويذكر أن تقرير الوزارة لشهر أيلول 2024 كان قد أشار إلى أن نسبة التخزين الكلي للسدود بلغت آنذاك 25.4% فقط.
تحليل الواقع وخطط العمل المطلوبة
رغم هذه المؤشرات الإيجابية الأخيرة، يبقى الوضع المائي في الأردن، بحسب تقرير الموازنة المائية نفسه، ينذر بعجز بنيوي مستمر. حيث بلغ إجمالي مصادر المياه المتاحة في 2023 حوالي 1.174 مليار متر مكعب، بينما تجاوز إجمالي الاستخدامات 1.202 مليار متر مكعب. كما أن مصادر المياه السطحية داخل المملكة لم توفر سوى 402.5 مليون متر مكعب، وهو ما يزيد من الضغط على المياه الجوفية التي تعاني من استنزاف وصل في 2023 إلى 683 مليون متر مكعب، أي أكثر من الحد الآمن للاستخراج.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من الهطولات المطرية الاستثنائية كالتي نشهدها اليوم، وتحويلها من سيول مدمرة إلى إمدادات آمنة، لا بد من تنفيذ خطط عمل شاملة تستند إلى استراتيجية وطنية واضحة:
1. الإعداد قبل الموسم المطري (الاستعدادات الدائمة):
. تنظيف وتفريغ قنوات التغذية وشبكات تصريف مياه الأمطار لضمان توجيه المياه نحو السدود والحفائر بدلاً من تحول الشوارع إلى أنهار وهدر الثروة المائية.
صيانة وتهيئة السدود الترابية والصغيرة وأحواض التجميع لزيادة سعتها التخزينية وكفاءتها.
إعادة تأهيل الحفائر الترابية في البادية والأرياف، وتشييد المزيد منها، لتجميع مياه الأمطار، مما ينعش المراعي ويروي الماشية ويغذي المياه الجوفية بشكل مباشر.
تطوير "خرائط السيول" وتحديثها باستمرار لتحديد المسارات الطبيعية وضمان خلوها من العوائق (مخلفات البناء، النفايات) وتوجيهها نحو مناطق التجميع المعززة.
2. التخطيط الاستباقي والمستدام (الحلول طويلة المدى):
بناء سدود تخزينية جديدة في المواقع الاستراتيجية على الأودية سريعة الجريان، لزيادة السعة التخزينية الوطنية التي لا تزال محدودة مقارنة بحجم الهطولات المفاجئة.
تعميم وتشجيع تقنية "الحصاد المائي" على مستوى الأحياء والمباني الفردية (السكنية، الحكومية، التجارية) من خلال حوافز واضحة، لتجميع مياه الأمطار من الأسطح وإعادة استخدامها أو تغذية الخزان الجوفي.
حماية مناطق تغذية المياه الجوفية (مثل أحواض عمان الزرقاء والسرحان) من البناء العشوائي أو التلوث لضمان تسرب أكبر قدر من مياه الأمطار إلى الخزانات الطبيعية، وهو ما يعد استثماراً في استدامة أهم مصدر مائي.
التأثير الاقتصادي والرسالة النهائية
الاستفادة المثلى من كل قطرة مطر ليست مسؤولية وطنية فحسب، بل هي محرك حيوي للنمو الاقتصادي ودرع واقٍ من الخسائر:
· تخفيض فاتورة المياه الوطنية: كل متر مكعب يتم حصده وتخزينه يعني تقليل الاعتماد على خيارات مكلفة مثل تحلية المياه أو شرائها من مصادر خارجية.
· دعم الزراعة والأمن الغذائي: ري المزروعات البعلية وتحسين المراعي يرفع الإنتاج ويخفض تكاليف الثروة الحيوانية، مما يدعم صمود المزارع المحلية.
· منع الخسائر المادية الهائلة: تقليل أضرار الفيضانات على البنية التحتية (طرق، جسور، ممتلكات) يوفر ملايين الدنانير تُنفق سنوياً على الإصلاحات الطارئة.
· تشغيل الأيدي العاملة: مشاريع الحصاد المائي (حفر الحفائر، بناء السدود الصغيرة، صيانة القنوات) هي مشاريع كثيفة العمالة وتولد فرص عمل محلية مباشرة.
الرسالة النهائية المباشرة هي أن الأمطار الغزيرة ليست كارثة حتمية، بل هي فرصة ذهبية متكررة. الفيضانات التي تُغلق الطوق وتسبب الدمار هي في حقيقتها مياه شرب وري تُهدر. الاستثمار الاستباقي في بنية تحتية ذكية للحصاد المائي - من الحفائر الصغيرة إلى السدود الكبيرة - ليس تكلفة، بل هو أضمن استثمار وطني. إنه استثمار يوفر المال، ويحفظ الموارد، ويحمي الاقتصاد، ويبني قدرة المجتمع على الصمود في وجه التحدي الوجودي الأكبر: شح المياه. الحل الأمثل يأتينا من السماء مجاناً عدة مرات في السنة، والمسؤولية الجماعية هي أن نتعلم كيف نمسك به.