القلعة نيوز : شهد قطاع الاتصالات تطورات كبيرة منذ مطلع الثمانينات، وكان له أثر كبير على تطور المجتمعات ونمو الاقتصاد منذ اختراع جهاز الفاكس إلى ظهور الهواتف المحمولة والإنترنت وصولاً إلى شبكات الجيل الخامس التي تسعى الدول جادة لنشرها نظراً للدور البارز الذي ستلعبه على صعيد تنمية المجتمعات المعاصرة، والمضي قدماً بتطوير مختلف القطاعات والصناعات ورفع مستوى الخدمات العامة.
وفي ظل التطورات الكبيرة التي تشهدها تقنيات الاتصال، تبرز إسهامات صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات أكثر فأكثر يوماً بعد يوم. فدورها لا يقتصر على توفير خدمات الاتصال السريع فحسب، وإنما تتيح فرصاً مهمة لتطوير الأعمال وإدارة المجتمعات بشكل مرن وسلس، حيث ستوفر شبكات الجيل الخامس على وجه التحديد - باعتبارها أحدث شبكات الاتصالات - خدمات الاتصال بشكل أكثر سرعة وأماناً، ما يمنح مزيداً من فرص إنجاز التحول الرقمي لصالح التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الأردن، سيما خلال فترة التعافي من آثار جائحة كورونا والحاجة الماسة لإيجاد مزيد من محفزات الانتعاش الاقتصادي.
وستسهم تقنية الجيل الخامس في بناء مقومات اقتصاد قوي من خلال تعزيز البنية التحتية الرئيسية كخدمات الطوارئ وذكاء مختلف العمليات التشغيلية والخدمية في المدن بالتقنيات الرقمية، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاجية في مختلف القطاعات بالاعتماد على فرص شبكات الجيل الخامس ومزايا اقترانها بأحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
ويبرز دور شبكات الجيل الخامس في دفع عجلة التحول الرقمي من خلال تمكين المدن الذكية ووسائل النقل الذكية والرعاية الصحية وخدمات التعليم والصيرفة الذكية وغيرها من المجالات، حيث تسهم تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بالاعتماد على الجيل الخامس في دعم خطط التحول الرقمي ومشاريع التنمية الاقتصادية وبناء الاقتصاد الرقمي وتحقيق أهداف الاستراتيجيات والخطط والبرامج والمبادرات الحكومية الطموحة.
وفي ظل جهود المملكة الأردنية لإطلاق شبكات الجيل الخامس على نطاق واسع، تبرز الحاجة للمزيد من فرص الاستثمارات والأطر التنظيمية والمواهب التي تمهد طريق الرقمنة لتحقيق التحول المنشود، حيث ستسهم شبكات الجيل الخامس في تعزيز الابتكارات ضمن قطاع الأعمال وزيادة عدد مستخدمي الشبكة بمنتجات وخدمات عصرية جديدة، وتعزيز التنمية الصناعية بإتاحة التقنيات اللازمة لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة، وبالتالي الإسهام في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للأردن وتمكين اقتصاد رقمي متين ومستدام.
ووفقاً لدراسة أجرتها شركة «أوكسفورد إيكونوميكس» بالتعاون مع «هواوي»، من المتوقع أن تسهم شبكات الجيل الخامس في زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بواقع 2 إلى 4 تريليون دولار بحلول عام 2030. أما تقنيات الذكاء الاصطناعي فمن المتوقع أن تسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يصل إلى 13-15 تريليون دولار (كنسبة تراكمية اعتباراً من عام 2020) بحلول عام 2030 إذا تم الاعتماد على هذه التقنيات بنسبة 70٪. وإذا بلغ التحول الرقمي في العالم أعلى مستوياته، يمكن أن يشكل الاقتصاد الرقمي العالمي ما نسبته 24.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي ما يعادل 23 تريليون دولار بحلول عام 2025.
وستوفر تقنية الجيل الخامس المزيد من فرص العمل بفضل مساهمتها في تطوير القطاع التكنولوجي عموماً ودوره الإيجابي على كافة المجالات الأخرى، وسيؤدي هذا بدوره إلى توفير المزيد من الوظائف لأصحاب الكفاءات خاصة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات والقطاع التكنولوجي بشكل عام. والجيد في الأمر بأن الحكومة الأردنية تولي أهمية كبيرة للتعليم والاستفادة القصوى من التكنولوجيا وتحفز الابتكار على نطاق واسع، حيث توسع آفاق التعاون المفتوح في مجال إنشاء العديد من الأكاديميات والبرامج التي تسهم في تعزيز المهارات التكنولوجية في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة للمسابقات التي تنظمها لتشجيع الشباب على الانخراط في هذا المجال الواعد وتعزيز فرص عملهم فيه. واللافت في الأمر بأن الكوادر البشرية الأردنية تعد من أفضل الخبرات المعتمد عليها في العديد من الدول.
ولن تقتصر الآثار الإيجابية للجيل الخامس على القطاع التكنولوجي بل ستشمل الكثير من القطاعات التي أصبحت ترتبط به ارتباطاً وثيقاً، حيث سيسهم في توفير فرص عمل في العديد من المجالات مثل خطوط الإنتاج والقطاع الخدمي والتجارة الإلكترونية وغيرها. وعلى مدار الأشهر الأخيرة من أزمة كورونا، كان لصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات دور بارز في تعزيز عمل وخدمات القطاع الطبي في مجال مكافحة الفيروس ومراقبة انتشاره نظراً لما توفره من سرعة وأمان في نقل البيانات وحلول جديدة لم تكن موجودة سابقاً. كما برز دوره في مكافحة الجائحة من خلال التقنيات التي تعتمد على الجيل الخامس مثل الروبوتات التي يتم استخدامها لمعالجة الحالات الطارئة والحد من التلامس المباشر بين الأطباء والممرضين من جهة والمرضى من جهة ثانية، وكذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يتم الاعتماد عليها في تشخيص الأمراض ودعم الأبحاث الجارية لاكتشاف اللقاح والعلاج.
لا شك أن اغتنام الفرص الكبيرة التي توفرها تقنية الجيل الخامس والتقنيات الحديثة الأخرى سيسهم في تعزيز الاقتصاد الأردني وزيادة الاستثمارات ويدعم مسار بناء النظام الإيكولوجي المتماسك المطلوب في الأردن، بحيث لا تقتصر على توفير اتصالات أكثر سرعة فحسب وإنما تسهم في تمكين مجتمع رقمي يوفر فرص النجاح والازدهار للجميع. ولا بد من التشديد على ضرورة أن يأخذ الشباب الأردني دورهم بشكل فاعل في مسيرة التنمية والتطوير بالاعتماد على التكنولوجيا، فالموارد البشرية الوطنية هي الركائز المستقبلية التي يقع على عاتقها قيادة دفة التطور برفع سقف الابتكار التقني وبناء جسور التعاون والعمل المشترك بين مختلف اللاعبين في القطاعين العام والخاص لبناء الاقتصاد الأردني الرقمي المستدام القائم على المعرفة.