شريط الأخبار
جيش الاحتلال يعلن استعادة جثث 3 رهائن محتجزين في غزة إيران: جرحى الضربات الأمريكية لم تظهر عليهم علامة عدوى إشعاعية نتنياهو: لن ننجر لحرب استنزاف مع إيران الصفدي يتابع تداعيات التصعيد في المنطقة مع عدد من نظرائه 24 قتيلًا إسرائيليًا منذ بداية الحرب مع إيران أبو صعيليك: توجه لتعديل مدة رخصة القيادة العمومي الأردن يدين هجومًا إرهابيًا استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق نائب الرئيس الأميركي: إيران بعثت رسائل غير مباشرة منتدى ماحص الثقافي في برقية شكر " للوزير الرواشده" : روح المسؤول الوطني الأصيل لاعب "بعين واحدة" يدخل تاريخ كأس العالم فمن هو؟ مسؤول: روسيا تقدم سياحة علاجية فاخرة بأسعار تنافسية للعرب روبيو: الولايات المتحدة تدعو الصين إلى إقناع إيران بعدم إغلاق مضيق هرمز فرص المنتخب السعودي لبلوغ ربع نهائي الكأس الذهبية 2025 مصدر صحفي: العدوان على إيران تنفيذ لخطة كلارك الأمريكية القديمة هل تدفع الدول المحايدة على الثمن ؟؟؟ بزشكيان لماكرون: يجب أن يتلقى الأمريكيون ردا على عدوانهم واقعة "غريبة" في كأس العالم للأندية 2025 مدير مدينة الأمير محمد للشباب يعقد اجتماعًا هاما مع رؤساء الأقسام في المدينة وزير الخارجية الأمريكي: إذا ردت إيران على الهجوم ستكون ارتكبت أسوأ خطأ الملك لستارمر: الأردن لن يسمح بتهديد أمنه واستقراره وسلامة مواطنيه

المهندسة الحجايا تكتب : الاستقطاب السياسي في الأردن: الروايات المثيرة للانقسام وظلال النفوذ الإيراني

المهندسة  الحجايا  تكتب : الاستقطاب السياسي في الأردن: الروايات المثيرة للانقسام وظلال النفوذ الإيراني

الاستقطاب السياسي في الأردن: الروايات المثيرة للانقسام وظلال النفوذ الإيراني

المهندسه رنا خلف الحجايا

رئيسة بلدية الحسا السابق

في ديسمبر/كانون الأول 2014، في البحر الميت أثناء المبادرة الوطنية للحوار التي أطلقتها مؤسسة بيرغوف، كان قلبي مثقلا بثقل التحديات التي تواجه الأردن، إلا أنني متفائله بالتغيير. وكجزء من مجموعة العمل الاقتصادية، حددت أصحاب المصلحة ــ زعماء القبائل والشباب والنساء. جمعت هذه المبادرة بين مختلف أصحاب المصلحة لتعزيز بناء السلام وإصلاح الحكم في سياق متأثر بالصراع، ومعالجة قضايا مثل التشوهات الاقتصادية، وتدابير مكافحة الفساد لتعزيز التماسك المجتمعي، ومشاركة النساء والشباب، والتوترات المحيطة باللاجئين السوريين.

ذكرتني تلك المناقشات التي دارت في وقت متأخر من الليل حيث عملت على توحيد الناس من اجل التنميه ولكن اليوم، وبعد عقد من الزمان، أرى تهديدا متناميا يمزق نسيج الأردن: الاستقطاب السياسي. إن الأمر، الذي يغذيه التوتر الإقليمي والروايات المثيرة للانقسام، أشبه بعاصفة تختمر، وهناك سرد خطير واحد يشعل النيران ــ رواية خبيثة تتهم أولئك الذين لا ينحازون إلى الخطاب الإيراني المناهض لإسرائيل بانهم يدعمون إسرائيل تلقائيا في ظل مجازر غزه و التي خلقت رفضا شعبيا جارفا لحكومة اسرائيل و سياساتها ، وزرع بذور الانفصال داخل المجتمع الأردني، وربما تمهيد الطريق أمام نفوذ إيراني أكبر.

جذور الاستقطاب في الأردن

إن الاستقطاب السياسي، كما يعرفه الباحثون، هو انحياز المواطنين لمعتقدات إيديولوجية متعارضة، وخلق انقسام "نحن في مقابل هم" والذي يؤدي إلى تآكل الثقة وتفتيت المجتمع. الاستقطاب على المستوى المحلي، كما تعلمت من خلال عملي، هو عندما يتحيز و بشكل مقصود مجموعه لموقف خاص بهم و ياجموا من يخالفهم فيحولون الجيران إلى أعداء.

وفي الأردن، لا يقتصر الأمر على السياسة فحسب؛ فيتحول الأمر الى هجوم شخصي وتشكيك . كانت حرب غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومعركة الظل بين إسرائيل وإيران ـ إطلاق الصواريخ، واشتباك الوكلاء ـ والهجوم الحالي من كلا البلدين، بمثابة ضربة قوية لنا. إن الاتهام بأنك إذا لم تؤيد سياسة إيران فأنت مؤيد لإسرائيل تلقائيا، أشبه بإلقاء الملح على جرح مفتوح. الأمر ليس مجرد انقسام؛ إنها تهدف إلى تقسيمنا.

لقد تعلمت من نصيحه من احدهم في المجال السياسي " لا يمكنك إرضاء الجميع، ولكن يمكنك الاستماع". وهذا ما نحتاج إليه ــ الاستماع إلى كل الأطراف لبناء الثقة. ولكن الآن، هذا الاستقطاب بسبب الصراع بين "إيران أو إسرائيل" يغلق الباب أمام الاستماع. الاستقطابات الحاليه تتغذى على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الهاشتاغات ، وبسبب التحديات التي نعاني منها ــ البطالة، وارتفاع الأسعار ــ التي تجعل الناس غاضبين ومستعدين لتوجيه أصابع الاتهام. وهو ما يطلق عليه (ترسيخ إيديولوجي (، وهو يسعى الى تمزيق وحدتنا.

إن الأردن يبحر في توازن دقيق بين معاهدة السلام التي أبرمتها مع إسرائيل في عام 1994، والتحالفات مع الولايات المتحدة، وتضحياتنا من أجل الفلسطينيين.

الحاجة إلى التأكيد على الحوارالتوعوي من خلال منصاتنا الإعلامية والجامعات والمؤسسات مختلفة لسد الفجوات. إن غرف الصدى على وسائل التواصل الاجتماعي، والتفاوت الاقتصادي، وسياسات الهوية ــ وهي المحركات الرئيسية للاستقطاب ــ توفر أرضا خصبة لمثل هذة الاستقطابات السياسيه و التي ستوؤل الى الفرقه و الانقسام ، وخاصة وأن إيران تصنع دعاية لنفسها بانها في موقع المدافع عن الحقوق الفلسطينية لزيادة قوتها في المنطقة فقط. ولكن الأسوأ من ذلك أن هذا يصب في مصلحة إيران، وفي نفس الوقت تقوم بتهديد استقرارنا من خلال المخاطر للمليشيات التي لطالما رعتها ايران و دعمتها على الحدودية الشمالية، ومن خلال دعم الجماعات الإرهابية، ومحاولة الاختراق الامني بصنع نموذج أشبه بحزب الله.

تهديد إيران لاستقرار الأردن

و السرد الذي يتبناه البعض والذي يضع ايران و مصالحها اعلى من المصالح الوطنيه و يصدق الدعايه التي تطلقها ايران و اذرعها الاعلاميه الاخرى في المنطقه باعتبارها المدافع عن االقضيه الفلسطينيه_ وهو غير صحيح_ لا يثير الانقسام فحسب؛ إنها أداة تستخدمها إيران لزعزعة استقرار الأردن. إن إيديولوجية طهران السياسية و التي تدعي انها مناهضه لإسرائيل والغرب لا تتناسب تماما مع سياساتنا، ولكنها تستغل غضبنا لزرع الفوضى. لقد هددت إيران استقرارنا بثلاث طرق تقشعر لها الأبدان:

اولا استزاف قواتنا على الحدود الشماليه و الشرقيه و الذين يخوضوا مواجهه يوميه مع مليشياتها حيث ان حدودنا الشمالية و الشرقيه مع سوريا والعراق معرضة للخطر. فمنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، تجولت الميليشيات المدعومة من إيران على الحدود، لتهريب الأسلحة والمخدرات إلى الأردن. والآن يسعى وكلاء إيران، و منتفعي نظام الاسد السابق بتحويل الاردن الى دوله مهدده في وجودها و فتح جبهات جديدة، وأصبح شمال الأردن هدفا.

ثانيا دعم الجماعات الإرهابية: تدعم إيران الجماعات الإرهابية، التي ينظر إليها الأردن على نحو متزايد باعتبارها تهديدا. وتشير التقارير إلى أن وحدات الحرس الثوري الإيراني تعمل مع عناصر حماس في لبنان لتهريب الأسلحة إلى الأردن، بهدف إنشاء جبهة إرهابية جديدة ضد إسرائيل من أراضينا. وهذا من شأنه أن يغذي الاضطرابات المحلية، مستغلا آلام غزة لتحويل الشباب إلى متطرفين. كما شاهدنا في الخليه الاخيره و التي استهدفت افضل شبابنا للاسف و حرفتهم عن الطريق الصحيح.

ثالثا نموذج أشبه بحزب الله: هناك حديث عن محاولة إيران بناء ميليشيا على غرار حزب الله في الأردن، وهناك اموال و حراك (لأدلجة ) الشباب و دفعهم للانتماء للفكر ( الثوري ) بناء نموذج لجماعة مسلحة جيدا وممولة من إيران كما هي الحال في لبنان. ورغم عدم وجود مثل هذه المجموعة حتى الآن، فإن قواعد اللعبة الإيرانية ــ تسليح الوكلاء وإثارة المشاعر المناهضة للحكومة ــ تثير المخاوف و تدفع باتخاذ احتياطات دائمه لوقف هذا التوجه .

الانقسام بين "إيران أو إسرائيل"

إن الاتهام بأن هؤلاء الذين لا يؤيدون موقف إيران في حربها من اجل مصالحها ! هم في واقع الأمر مؤيدون للمجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة و الضفه ! وهذا يشكل تكتيكا استقطابيا يبالغ في تبسيط الحقائق الجيوسياسية في الأردن. والواقع أن هذا السرد، الذي ينتشر غالبا من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية والخطاب الشعبوي، يخلق انقساما مقصودا في الشارع الاردني يتجاهل حياد الأردن العملي.

إن اعتراض الأردن للصواريخ الإيرانية التي تستهدف إسرائيل يشكل عملا دفاعيا لحماية السيادة الوطنية، إلا أن البعض يؤطره باعتباره تواطؤا مع إسرائيل، الأمر الذي يغذي الاحتجاجات وانعدام الثقة. وهذا يعكس النقطة المتعلقة بالاستقطاب الإعلامي، حيث تعمل الروايات المتحيزة على تعميق الانقسامات من خلال تصوير المواقف السياسيه و التي تحافظ على امن الاردن على أنها خيانة.

والواقع أن مثل هذه الاتهامات ليست مجرد خطاب عادي؛ بل يهدفون إلى فصل المجتمع الأردني على أسس إيديولوجية. فمن خلال وصف أنصار الحكومة أو المعتدلين بأنهم "موالون لإسرائيل"، يستغل الشعبويون، بما في ذلك عناصر من النخبة السياسية، الغضب الشعبي إزاء غزة لتحدي شرعية قواعد السياسه الاردنيه المعتدله و التي تحمي الاردن التي رسخها الملك . كنت ضمن مجموعة واتس آب، جمعت أكثر من 300 من الساسة والصحافيين الذين يقرأون التعليقات، عبارة تكررت بشكل واضح "كل من لا يدعم إيران، فهو يساعد إسرائيل ". كانت الحكومة تحمي سماءنا، لا تنحاز إلى أي جانب، لكن وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأصوات الصاخبة نسجت الأمر كتواطؤ مع سياسة نتنياهو الاجراميه في غزة !

ويتماشى هذا مع الشعبوية، حيث يصور الحكومة باعتبارها متحالفة مع القوى الغربية وإسرائيل ضد "النظام الإيراني الذي يدافع عن الشعب الفلسطيني". والنتيجة هي مجتمع ممزق، حيث يحل التعصب محل الحوار، وتعوق المواقف الأخلاقية التوصل إلى حل وسط.

اتهامات اليوم أصعب في الرد عليها لأنها عاطفية وليست واقعية. وتستخدم الأصوات الشعبوية آلام الفلسطينيين وغزة لوصف الحكومة بأنها "خائن"، مرددة بذلك الخطاب الإيراني الذي يستهدف السيطره على دولنا و تحويلها الى جزء من مشروع ايران الكبير في المنطقه كما حدث مع سوريا و العراق و لبنان و اليمن و التي جميعها تدمرت بسبب المليشات الايرانيه او المدعومه من و سرقت مواردها و قتلت الملايين على اساس طائفي .

تمهيد الأرض للنفوذ الإيراني

إن الخطاب الذي تبناه البعض بانه اما ;إيران أو إسرائيل ; يمهد الأرض بشكل غير مباشر للنفوذ الإيراني. وذلك من خلال خلق حالة استقطاب و رفض للاخر فإنها تخلق مساحة لتغيير الحقائق و تزويرها وتبني خطاب إيران و الذي يدعي بأنه مناهض للغرب وإسرائيل لكي يتردد صداه.

وقد يتعاطف الناشطون والشباب المناصرون للفلسطينيين، الذين خاب أملهم إزاء حياد الحكومة، مع الدعم الرمزي الذي تقدمه إيران لفلسطين، حتى ولو رفضوا إيديولوجية إيران الدينية و السياسيه بسبب هذا الخطاب و الذي يوجه لهذة الفئه تحديدا.

والواقع أن الأعمال التخريبية التي تقوم بها إيران، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات إلى الأردن، تسعى الى استغلال هذه الانقسامات. من خلال تضخيم المشاعر المناهضة للحكومة، والسعي إلى زعزعة استقرار الأردن، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، وتوسيع نفوذها الإقليمي.

هذة الثنائية ان لم تكن مع ايران فانت مع اسرائيل و جرائمها و ضد فلسطين ! مقصوده و مبرمجه .

التأثير على المجتمع الأردني والاستقرار

إن العواقب المترتبة على هذا الاستقطاب عميقة، حيث تتآكل الثقة في الحكومة والتسبب في التفكك الاجتماعي، وتهديد التماسك الاجتماعي وخطر التطرف من خلال تصوير الحياد باعتباره خيانة. والواقع أن هذا السرد يعمل على تمكين الأصوات الشعبوية والمتطرفة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تطرف الشباب وزعزعة استقرار الدوله و التقليل من شان السياسية المعتدلة في الأردن.

وكانت الجهود التي بذلها المتحدثون باسم الحكومة الأردنية، بما في ذلك الوزير محمد المومني، واضحة للعيان ولكنها لم تصل إلى حد ترويض الاستقطاب. إن استخدام المؤتمرات الصحفية ووسائل الإعلام الاجتماعية ومنافذ التلفزيون الحكومية لتوضيح السياسات، مثل اعتراض الصواريخ في الأردن، بهدف مواجهة الروايات التي تتهم الحكومة بأنها "مؤيدة لإسرائيل". ومع ذلك، تبدو هذه الجهود وكأنها كمن ينثر الملح على جرح عميق.

فالمتحدثون الرسمي يبدو وكأنه روبوت، ويينقل رسائل مكتوبة لا يتردد صداها بين الشباب الغاضب أو في مواجهة الخطاب الإيراني العاطفي المعادي للغرب. والأمر الأكثر أهمية هو أن خطابنا الاعلامي المهم يتغاضى عن الدوافع الإنسانية مثل أهمية الأردن وهي كالرئة بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، والتي نادرا ما يتعامل معها المتحدثون الرسميون بتعاطف.

علمتني تجربتي أن الناس بحاجة لأن يشعروا بأنهم مسموعون، وليس بانهم يتلقوا محاضره او تنظير من برج عاجي . إن الجهود الحالية تشكل بداية ولكنها ليست كافية؛ فالخطاب الاعلامي الرسمي يفتقرإلى سرد القصص الواقعيه المرتبطة بالاحداث السابقه و الحاليه ، وتبتعد عن الشمولية، ووهذة الحرب اظهرت حجم الأمية الإعلامية بين صفوف مختلف الفئات و التي تحتاج الى سد هذة الفجوات قريبا وبشكل عملي.

إن الاتهام بأن هؤلاء الذين لا يؤيدون إيران مؤيدون لإسرائيل يشكل تكتيكا استقطابيا يعمل على تمزيق المجتمع الأردني، وتآكل الثقة، وتعميق الانقسامات، وتمهيد الأرض للنفوذ الإيراني. وتشكل الخطوات العملية الشاملة من خلال الحوار وتحسين وسائل الإعلام عنصرا أساسيا في التصدي لمثل هذه الروايات وإعادة بناء التماسك. وبوسع الأردن أن يقاوم التلاعب الخارجي وأن يحافظ على استقراره.

م . رنا الحجايا / Rana_hajaya@yahoo.com