العين / حسين هزّاع المجالي
في زمن السرعة الرقمية، لم يعد النشر مجرّد فعل إعلامي بريء، بل تحوّل في بعض الحالات إلى تهديدٍ مباشر لحياة الأشخاص وللأمن القومي. ومن أخطر ما يُتداول اليوم، نشر أسماء الضباط والافراد في حالات الترفيع إلى الرتب الأعلى، أو عند إجراء التنقّلات والتكليفات، إلى جانب تداول صورهم ومقاطع تُظهر مشاركتهم في عمليات أمنية، أو بثّ فيديوهات مباشرة لأي مجريات ميدانية. إن هذا السلوك، مهما حسنت النوايا، يفتح أبوابا خطيرة لا يمكن الاستهانة بها.
إن كشف هوية ضباطنا وافرادنا، أو مسارهم الوظيفي، أو موقعهم، أو طبيعة مشاركتهم في عمليات أمنية، يُعدّ مادة ثمينة لأي جهة معادية أو متطرّفة، ويشكّل اختراقا غير مباشر لمنظومة الحماية الأمنية، ويعرّض الضابط او الفرد وعائلاتهم وزملاءهم لمخاطر حقيقية، تبدأ بالرصد والملاحقة ولا تنتهي بالاستهداف. كما أن بثّ العمليات الأمنية مباشرة، أو نشر تفاصيلها أثناء التنفيذ، يتسبّب بإرباك ميداني، ويقوّض عنصر المفاجأة، وقد يغيّر مسار العملية بالكامل، بما يهدّد سلامة القوة المنفّذة والمدنيين معا.
من هنا، فإن المسؤولية الوطنية تقتضي التوقّف الفوري عن هذا النمط من النشر، والتعامل مع كل ما يتعلّق بالضباط والافراد والعمليات الأمنية بذات الحساسية التي تُدار بها هذه الملفات داخل المؤسسات المختصة.
فالتكريم الحقيقي لضباطنا وافرادنا لا يكون بكشف أسمائهم أو صورهم، بل بحمايتهم، وصون أمنهم، وتمكينهم من أداء واجبهم في صمتٍ احترافي يليق بطبيعة مهامهم.
كما تبرز الحاجة الملحّة إلى صدور تعليمات واضحة ومشدّدة من الجهات الأمنية والقضائية، تُجرّم صراحة نشر أسماء الضباط او الافراد أو صورهم أو تفاصيل تنقّلاتهم وترفيعاتهم المرتبطة بالعمل الميداني، وكذلك بثّ أو تداول أي مواد مصوّرة مباشرة أو غير مباشرة لعمليات أمنية، مع فرض مساءلة قانونية حازمة على كل من يخالف، أفرادًا أو منصّات، دون استثناء أو تهاون.
إن الأمن القومي لا يُحمى بالسلاح وحده، بل يُحمى أيضًا بالكلمة المسؤولة، وبالامتناع الواعي عن النشر حين يكون الصمت أبلغ من أي سبق إعلامي. فكل منشور غير محسوب قد يعرّض حياة ضباطنا وافرادنا للخطر، وكل فيديو مباشر قد يفتح ثغرة لا يمكن إغلاقها. حماية ضباطنا وافرادنا واجب وطني وأخلاقي، وعلى الجميع أن يدرك أن أمنهم هو جزء أصيل من أمن الوطن بأكمله.



