القلعة نيوز:
اللواء المتقاعد مروان العمدعلى اثر طلب الحكومة برفع الحصانة النيابية عن اثنان من السادة النواب بناء على مذكرة من المدعي العام للسير بالإجراءات التحقيقية في الشكاوى المرفوعة عليهما وما بدى واضحاً من ان هناك اتجاهاً قوياً داخل مجلس النواب لعدم الإستجابة لهذا الطلب وكما كان يحدث على الأغلب في المرات السابقة التي كانت الحكومة تقدم مثل هذه الطلبات للمجلس ، فقد ظهرت بعض الآراء التي تطالب بإجراء تعديل دستوري يحد من الحصانة الممنوحة للسادة النواب وقصرها على ما يقمون به وما يقولونه في سبيل اداء وظيفتهم ومهمتهم التشريعية والرقابية ، فيما عارض آخرون إجراء هذا التعديل وطالبوا ببقاء الحصانة كما هي . وقد طرح كل طرف وجهة نظره ومبرراتها وسوف استعرض اهم ما ورد في وجهتي النظر دون الاشارة لأصحابها ، وسوف تكون البداية مع وجة النظر التي تطالب بالتعديل .
فقد اقترح احد رجال القانون المعروفين والمشهورين والذي تولى عدة مناصب قانونية وتشريعية بإجراء تعديل على المادة 86 فقره أ من الدستور المتعلقة بحصانة اعضاء مجلس الأمة بحيث يتم ربط موضوع الحصانة بما ينسب لأعضاء مجلس الأمة من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم فقط بحيث يصبح نص المادة ( لا يوقف احد اعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم عما ينسب آليه من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفه ما لم يصدر من المجلس الذي هو ينتسب اليه قراراً بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه او محاكمته . او مالم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية ، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فورا ) . وهو هنا يفصل مابين ما ينسب لعضو مجلس الأمة من افعال او أقوال تتعلق بقيامه بواجبات وظيفته وهي التي يطلق عليها الحصانة الموضوعية ، وبين ما يرتكبه من جرائم في معرض حياته الخاصة التي لا يجب ان تشملها الحصانة والتي يطلق عليها الحصانة الإجرائية . وانه في الحالة الاولى لاتجرى محاكمة عضو مجلس الأمة الا بعد رفع الحصانة عنه من قبل مجلسه بقرار بالأكثرية المطلقة .
اما الجرائم الاخرى العادية فلا تحتاج لرفع الحصانة عنه ويتم ملاحقته بها كأي مواطن عادي امام الجهات القضائية المختصة . وهنا لي ملاحظة على هذا التعديل وهو لماذا أبقى على الإستثناء المتعلق بإلقاء القبض الناجم عن حالة تلبس بجريمة جنائية واشترط إعلام المجلس بذلك فوراً ، ما دام انه اخرج جميع الأفعال الجرمية العادية من شرط رفع الحصانة النيابية مهما كان نوعها مشهودة او غير مشهودة من الحصانة وان تطلبت الحبس ؟ . ومن الأجدى لو اردنا ان نأخذ بوجهة النظر هذه وللمحافظة على كرامة النواب ولتمكينهم من اداء دورهم التشريعي ان يبقى التوقيف مشمولاً بالحصانة النيابة دون المحاكمة مهما كانت التهمة المسنودة اليهم باستثناء الجريمة الجنائية المشهودة فيكتفى بإعلام المجلس بذلك فوراً .
وقد أورد المناصرون لهذا التعديل الدستوري ست أسانيد لطلبهم هذا وهي
١ - ان الدورة العادية لمجلس الأمة أصبحت ستة اشهر بدلا من أربعة اشهر ويمكن ان تمدد لثلاثة اشهر اخرى وهذا غير الدورات الإستثنائية مما يقلل المدة الزمنية التي يمكن ملاحقة اعضاء المجلس خلالها عن الجرائم التي تنسب اليهم خارج فترات انعقاده . ومع الأخذ بعين الإعتبار الموقف السلبي لاعضاء المجلس من رفع الحصانة عن احد أعضائه اثناء انعقاده ، فأن هذا يعني من الناحية العملية عدم إمكانية ملاحقة أي عضو في المجلس عن أي قضية جزائية ترفع بحقه طوال مدة انعقاد المجلس ، وحتى في فترات عدم انعقاده القصيرة فأن الإجراءات القانونية تعطيه فرصة كبيرة للمماطلة والتهرب من المحاكمة لحين عودة المجلس للانعقاد ليعود وليستفيد من الحصانة النيابية ، ويضاف الى ذلك ان من حق المجلس عندما يعود للإنعقاد ان يلغي قرارات التوقيف القضائية التي تمت في غير فترات انعقاده كما نص نظامه الداخلي على ذلك . مما يعني في حقيقة الامر توفر إمكانية إفلات النائب من أي ملاحقة قضائية عن أي تهمة جنائية توجه اليه طوال عمر المجلس وربما المجلس الذي يليه اذا عاد عضواً فيه . وهذا الامر فيه مساس بحقوق الآخرين .
٢ - اذا كان عدم تعطيل العمل النيابي هي الحكمة من الحصانة النيابية الإجرائية وتعتبر لغاية سامية وتحقق مصلحة عامة فأن عدم عرقلة سير العدالة ومعاقبة مرتكبي الجرائم لا يقل أهمية عن ذلك .
٣ - ان حضور العين او النائب لبعض جلسات المحاكمة لن يعطل العمل النيابي وخاصة ان التعديلات الأخيرة على قانون اصول المحاكمات الجزائية لم تعد تستلزم حضور المشتكى عليه في القضايا الجزائية الجنحية الا جلسة او جلستين ثم يمكن ان ينوب عنه محاميه بالحضور .
٤ - ان الحصانة الإجرائية في غير حالات التلبس بالجريمة تعتبر قيداً على سلطة النيابة العامة وسلطة القضاء في معاقبة من قد يرتكب اخطر الجرائم التي لا علاقة لها بالعمل البرلماني وان هذا من شأنه ان يصبح النائب او العين فوق القانون ويجعل منه شخصاً يضع القوانين ولا يخضع لها .
٥ - ان الحصانة الإجرائية في كثير من الأحيان ليست في صالح عضو المجلس وسوف يبقى مداناً امام نظر الكثيرين من الناس وخاصة اذا كان واثقاً من برائته ، ولذا من الافضل له ان تتم محاكمته واثبات برائته دون ان يحتمي بالحصانة النيابية وخاصة ان هذه المحاكمة عندما تجري دون توقيف لا تحول دون استمراره في ممارسة دوره التشريعي كاملاً .
٦ - ان رفع الحصانة الإجرائية عن عضو المجلس يرفع عن أعضائه حرج إصدار إذن محاكمة الوزراء حيث انه من الملاحظ ان كثيراً من هذه الطلبات يتم رفضها من قبل المجلس حتى لا يتم اتهامهم بإزدواجية المواقف والمعايير ما بين الموافقة على محاكمة الوزراء ورفض محاكمة النواب والأعيان .
اما حجج وأسانيد المطالبين ببقاء النص الدستوري لحصانة اعضاء مجلس الأمة فمنها
١ - ان مفهوم العمل النيابي يتجاوز القضايا الصغيرة والتي تحتمل التأجيل ، مقارنة مع حجم المسؤوليات التشريعية والرقابية التي يفترض ان تكون محررة من كل قيد او وقيعة او ضغط او احتمال
٢- ان الدورة التشريعية هي ستة اشهر على الأكثر وان درء المفاسد السياسية في العمل النيابي أولى بكثير من جلب المنافع ، لأنه لا ضمانةمن عدم إستخدام القضايا الشخصية للإيقاع بالنواب . وان العمل النيابي أولى بالرعاية من الحقوق الشخصية والقضايا الفردية . والقضاء الذي لا يترك أحداً في النهاية قادراً على ملاحقة كل من ارتكب جرماً آجلاً ام عاجلاً
٣ - انه ليس من صالح السلطة التشريعية وحمايتها وتحصينها من الإختراقات والتدخلات الحكومية اجراء هذا التعديل لأنه وفي هذه الحالة يمنح السلطة التنفيذية وسيلة او أداة أخرى تضاف الى الوسائل والأدوات التي تملكها في مواجهة الوسائل والأدوات التي يملكها المجلس مما يساعد في اضعافه او ابتزازه لتأييد سياساتها وقراراتها من خلال اجهزتها المختلفة ومن خلال تأثيرها على الأطراف الأخرى في الجرائم الخاصة التي يكون احد اعضاء المجلس المراد التأثير عليه طرفاً فيها والضغط على هذه الأطراف للتمسك بالدعاوى والشكاوى المرفوعة على احد أعضاء المجلس وتحويلها الى قضايا رأي عام . وان هذا يمكن الحكومة من توظيف هذه الوسيلة للتحريض على عضو المجلس وتوريطه في جرائم كيدية من صياغتها وتدبيرها وعبر تحريك مواقعها وأجهزتها وأدواتها لممارسة الضغط على النائب.
ويلاحظ على هذه الحجج على انها مبنية على افتراض ان الوضع الطبيعي ان يكون هناك صراعاً ما بين السلطة التنفيذية والتشريعية وان كل واحدة منهما تكيد للأخرى . وان مصلحة عدد محدود من اعضاء المجلس الذين قد ترفع عليهم قضايا جزائية مقدم على مصلحة عموم المواطنين . وحتى على فرض ان السلطة التنفيذية من الممكن ان تكيد بهذه الوسيلة لعدد محدود من النواب المشاكسين لها فأن من مصلحتهم اللجوء للقضاء لإثبات برائتهم امام ناخبيهم وأمام المواطنين مما يعزز من مواقفهم والتفاف الجماهير حولهم بدلاً من الإحتماء بالحصانة النيابية .
اما اذا ثبت انهم مدانين فأنهم يستحقون العقاب ولا يستحقون البقاء في مجلس الأمة مهما على صوتهم ضد الحكومة ولصالح الشعب لأنهم ربما يهدفون من وراء صوتهم العالي هذا الى بناء قاعدة شعبية واسعة تشكل حماية لهم من المسائلة عما يرتكبون من أعمال جرمية او فساد .
كما ان هذا التحليل به طعن في حيادية واستقلال السلطة القضائية وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد .
هذه حجج وأسانيد من يطالبون بتعديل الدستور فيما يتعلق بحصانة اعضاء مجلس الأمة والمعارضين لهذا التعديل ولكل من وجهتي النظر سلبياتها وإجابياتها . وانا برأي ان الموضوع يمكن معالجته ببساطة متناهية متى ادركت كل من السلطة التنفيذية والتشريعية واجباتهما وان عملهما هو للمصلحة العامة ، وان لا تلجأ السلطة التنفيذية لأسلوب الاغراءات ولا لأسلوب الضغط على اعضاء المجلس للحصول على اصواتهم لصالحها . ومتى ادرك النواب ان عملهم في المجلس كممثلين للشعب وان لا يعملوا على استغلال مركزهم هذا لتحقيق مصالح شخصية وتنفيعات لهم من وراء مواقفهم او وسيلة لإبتزار السلطة التنفيذية للحصول على منافع مقابل اصواتهم . وان لا يستغلوا وضعهم بتحقيق مصالح شخصية لهم خارج المجلس من خلال الإستقواء على الآخرين ومخالفة القوانين والأنظمة المكلفين بوضعها والتي يقع على عاتقهم مسؤولية تنفيذها والتقيد بها ليكونوا قدوة للآخرين .
وان عدم التزامهم بذلك موجب للمسائلة القانونية اكثر مما يطلب من المواطن العادي . وعندما يدرك اعضاء المجلس ان الممارسة الديمقراطية الحقيقية تتطلب منهم ان يبادروا هم بأنفسهم بالطلب من مجلسهم لرفع الحصانة النيابية عن أنفسهم والإحتكام للقانون في حال مواجهتهم لطلب رفع الحصانة البرلمانية عنهم . وان يدرك اعضاء مجلس الأمة بغرفتيه ان مصلحة مجلسيهما بأبعاد أي شبهة ممكن ان تمس مجلسيهما وان لا يترددوا برفع الحصانة عن أي نائب يتهم بتهمة لا علاقة لها بطبيعة عمله النيابي وواجباته حتى يدرؤا الشبهات عن مجلسيهما اللذان اصبحا يعانيان من الكثير من فقدان الثقة الشعبية بهما . وان لا يكون موقفهم مناصرة زملائهم في المجلس حتى يجدوا من يناصرهم اذا تعرضوا هم لمثل هذا الموقف . وبذلك تعود الثقة بهم وبمجلسهم ويملكون القدرة اكثر على محاربة الخلل والفساد المستشري بالوطن وإحالة جميع الفاسدين للقضاء بما فيهم الوزراء الحاليين او السابقين الذي عليهم شبهات فساد . وبذلك لا تعود حصانة النواب تمثل مشكلة ولا يعود هناك حاجة لتعديل الدستور الذي اشبع تعديلا .