شريط الأخبار
النائب شديفات يلتقي حسان ويطالب بتنفيذ شارع منشية بني حسن بنظام المسربين . سبارتاك يعلن تعاقده مع المهاجم المخضرم زابولوتني "تاس": ارتفاع سعر الغاز في أوروبا بنسبة 40% في النصف الأول من العام مقارنة بالعام الماضي الكرملين: بوتين أجرى محادثة هاتفية مع ماكرون الروسية الحسناء كالينسكايا تبلغ ثاني أدوار ويمبلدون الإعلام العبري.. مطالب بقطع الغاز عن مصر أول تعليق لترامب على تقدم القوات الروسية في مقاطعة سومي الأوكرانية مونديال الأندية 2025.. العواصف الرعدية تهدد مواجهة ريال مدريد ويوفنتوس اليوم رئيس الوزراء: مؤشرات الاقتصاد الوطني خلال الربع الأول من العام الحالي مشجَّعة وتدل على تحسن الأداء الاقتصادي الأردن يرحب برفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا الصفدي: كارثية الوضع في غزة تستدعي تحركا دوليا فوريا لفرض إدخال المساعدات إسناد تهم القتل والشروع بالقتل والتدخل بالقتل لـ 25 متهما بقضية التسمم الكحولي الحملة الأردنية تواصل تشغيل المخابز في جنوب غزة للنازحين الأردن يعزي تنزانيا بضحايا حادث كليمنجارو إرادة ملكية بالاميرة بسمة ....رئيسة لمجلس أمناء لجنة شؤون المرأة تنقلات بين السفراء .. الحمود وعبيدات والحباشنة والفايز والنمرات والنبر والعموش والخوري لماذا الثانوية العامة. ... الجيش يحبط محاولة تسلل وتهريب كمية كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية الفايز يستعرض عناصر قوة الدولة الأردنية وصمودها برئاسة كريشان "إدارية الأعيان" تزور مركز الخدمات الحكومية في المقابلين

الإعلام بين ملامح العبارة وترويض العبارة

الإعلام بين ملامح العبارة وترويض العبارة

د. حسان فلحة

‎المفردة هي أصغر وحدة لغوية


تحمل المعنى لتعبر عن المدلول إليه من فهم لفكرة تعرّف عنه أو على تضاده (ضده)، سياقًا أو اشتقاقًا.

‎إلّا أنّ اللغة تَحِن لتواتر المفردات شائعة الاستخدام حتّى لو غايرت في دقة المعنى، وتتيح في سياق الكلام النزول عند رغبة الألفة، لا ندرة الاستعمال حتى لو توافقت الدلالة بين المفردتين على البيان ذاته.

‎المفردة المتجسّدة في صوغ الكلمة المكتوبة أو المقروءة أو المسموعة هي كامنة في قلب المعنى.

إلا أن الخطاب الإعلاميّ يستهون استخدام دقّة المعنى في سياق تناول المفردة فتأتي طافيةً إلى العلن على محمل السياسة المرتجلة فتروضها عرفًا دائم الصيرورة حتى تخلد إلى عمق الفكر كمسلّمة لا مساس بحرمة المعنى المستخدم، لا المقصود من التعبير واللفظ.
‎إن دقة المعنى هي إتقانه وإجادته وفق ضبط حاذق لا يحتمل التأويل أو الغموض، أي أن دقّة التعبير تستوجب اختيار اللفظ المناسب لأداء المعنى الواضح والمنطوي عليه، أي انتقاء ما يبرزه في ذاته من دون الترادف بين المفردات الذي هو بلا لبس تفاوت في دقة المعنى.

‎الانتقاء العبثي لملامح العبارة يبعث على الغموض وجدلية القصد

ويسف من رتبة الكلمة في الوقع والاداء ، عندها ليس الغرض حاضرا في جلاء الحقيقة بقدر توهان المعنى على تقلب الاوجه ، الذي قد تطليه المفردة المتذبذبة بضبابية موصوفة حتى يغرق القارىء في ظلال القصد لا بالقصد ذاته .

المفردات العربية اثْرت اللغة بسعة المخزون الثقافي و مدارك المعرفة وفاضت الى اللغات الاخرى ، الا ان ذلك اشترط القوة والدربة والقدرة في التنافس مع اللغات الاخرى من خلال الفتح والسيطرة والتمدد العمراني.

‎ان المفردة الاكثر شيوعا في الاعلام العربي اليوم في سياق الصراع "العربي " -الاسرائيلي ، هي كلمة التطبيع التي تنم عن ادارك ساذج لدى البعض ، وعن امعان في قصد المعنى لدى البعض الاخر. ان التطبيع normalization هو جعل الشىء يعود الى طبيعته ، وهو ليس بذلك بل هو احالة الامر الشاذ الى كونه طبيعيا

فاستخدام هذه العبارة يدخل في سياق مغاير للحقيقة ومن باب ترويض المعنى وتعميم استخدامه .

‎لقد أزمن الإعلام العربيّ بمعظمه على استخدام مفردات بعيدة عن المقصود في الدلالة اللغويّة وتنطوي على تشاوفٍ أعمى، متفلّت الضبط ، فيعطي في عمقه مردودًا آخر مثل استخدام كلمتي "مستوطنة" أو "مستوطن"، وكأنّ في ذلك إجازةً شرعيّة لأن يكونا وطنا أو مواطنا، لأرض بلا شعب، وهي مُحْتلّة وهو محتلّ على وجه الفعل وواقعه، أو عند إطلاق مفردتي "مستعمرة" أو "مستعمر" وكأنّه أضحى عمارة أو عمّارًا لأرض يباب أو سليخ، إن حسن النيّة لا يبرّر استخدام هذه المفردات، التى لا يقلّها وقعًا استخدام عبارة "صهيوني" أو يهودي وهي ذات خدمة النعت عندما يُشّبه المنعوت بالشيعيّ أو السنيّ أو المسيحيّ، لا ضير عنده في أن تُطْلِقَ عليه نعت دينه أو طائفته أو مذهبه؛ فهو اسرائيليّ وصهيونيّ الهويّة والهوى، ووقع نعتهما يؤدّي الغرض لما يصبوان إليه في صميم اعتقادهما.

لقد وُصّف أصحاب هذا الخطاب بأنهم أركان اللغة الخشبية، وهو وصف خبيث غالبا يعمد إليه بعض من جماعة منبت الانتماء "الخارجيّ" والتعالي في الولاء للغة الوافدة من الإعلام وكأن انتقاصًا بنيويًا يلمّ بمن يستخدم المفردة الدقيقة في المبنى والمعنى عند استخدام كلمة الاحتلال أو كلمة العدوّ على مآل رتيبٍ في الصياغة أو منوال عتيقٍ في اللفظ أو طراز قديمٍ في الكتابة أو أن عقما لغويا، يتهجد بعبارات ذات صياغة "لا تواكب العصر "أو أن اللغة المستخدمة لا روح فيها مثل الخشب. إن السبب الدافع للركون إلى هذا التنظير هو حال الانهزام التى اجتاحت الإعلام العربيّ بمعظمه بعد حال الانكسار الناتجة عن هزيمة حرب العام ١٩٦٧، ودفعته إلى التشبّه بصيغ الإعلام الغربي المبنية على دقة التعابير المسبوقة بالضوابط ، الخادمة لسياسات مؤسساته، البسيطة التعبير، العميقة المعنى، فغدا مآلًا للتماثل، والاستنساخ عن القصد أو من دونه، لربما ينجح الإعلام الأول العربيّ في اتباع ما اعتمده الإعلام الآخر الأجنبي. بموازاة ذلك أنتج حال الإحباط وأثر الهزيمة لدى الإعلام العربيّ الراديكالي الرغبة في إبراز الفائض من التشدد في الخط التحريريّ حتى على حساب ضبط المفردات ودلالة المعاني التى تنطوي عليها ليبرز أصحابه الأنويّة المفرطة لديهم في رفع راية المواجهة الإعلامية بما لا يقبل خطا للرجعة أو مكانا للعودة يوما إلى الوراء في أنهم مقدمة المقدمة، أدى الخطاب الإعلامي غرضه او لم يؤدِّ.

إن الإعلام العربي يحتاج إلى مراجعة شاملة لضبط الصياغة في استخدام المفردات في صراع مستديم، مثل الصراعات كلها، حيث يكتب فيها المنتصرون الأقوياء التاريخ بعدما ينجزوا صنع حوادثه.

لا شك أن الحرب على غزة ستعيد صياغة تاريخ المنطقة وستطلق خطابا إعلاميا جديدا غير معتاد في الإعلام حول الإبادة والقتل وحب البقاء على قيد الحياة والارض.

* المدير العام لوزارة الاعلام اللبناني

جريدة النهار