![العدوان يكتب: المخصصات الامريكية للأردن – بين المساعدة والواجب](/assets/2025-02-11/images/393783_1_1739271446.jpg)
بسم الله الرحمن الرحيم
المخصصات الامريكية للأردن –
بين المساعدة والواجب.
بقلم
محمد عيسى العدوان –رئيس مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية.
منذ تأسيس الدولة الأردنية كانت الحكومات تعتمد بشكل تام وكامل على ما تخصصه لها دولة
الانتداب بريطانيا في ذلك الوقت من مخصصات مالية تشمل كافة الموازنات لقطاعات تسير
الدولة، في حين لم تقدم فيه أي دولة عربية أي معونات أو مساعدات للأردن لضيق الحال
و لانشغالهم في تأسيس دولهم أو لانهم تحت الانتداب ايضا، وقد يكون هذا حال باقي
الدول العربية كذلك، حيث كانت تحكمها معاهدات مع بريطانيا أو فرنسا أو امريكا .
وقت التأسيس وحتى سنوات
طويلة لم تقدم أي دولة عربية أي معونات أو مساعدات للأردن بأي شكل من الاشكال فقد
كان الأردن يتلقى كما هو الحال في الدول العربية الاخرى الموازنات المالية من دول
الانتداب ضمن مفهوم انشاء الدول العربية ومقررات عصبة الامم وما يعرف بقانون
التبعية السياسية والدبلوماسية للدول العظمى.
وقد
تعرض الأردن كثيرا للتهديد بخفض هذه الموازنات والمخصصات في فترات مختلفة
ومتعددة كما أنه تعرض في بداية التأسيس من
قبل سلطات الانتداب البريطاني إلى الكثير من التحذيرات ومنها إنذار سمو الأمير عبد
الله الاول بخفض المخصصات على خلفية المساعدات التي يقدمها شرقي الأردن لإخوانهم
في سوريا ودعم الثورة السورية في مقاومة الانتداب الفرنسي واستقبال الثوار
السوريين في الامارة، وقتها وجد الأردن نفسه أمام قرار وقف للمساعدات المالية التي
تسميها بعض القوة بالمجانية لشرق الأردن، وأنا هنا أعجب من هذا الوصف بالمجانية،
الدعم المالي هذا واجب على الدول العظمى، أو أي بلد يريد أن يتسيد الموقف العالمي،
ويحافظ على مكانته كدولة عظمى تسيير الدول الاخرى في فلك التابعية لها، وهي ليست
مجانية أو هبة أو منةً منهم، بل هي حق وواجب للدول التي أصبحت تحت حكمهم المباشر،
لا بل وتحت إدارتهم المباشرة، من خلال موظفيهم المعينين في الدول الخاضعة لهم،
والتي تتعامل مع ادارة القوة ومفاهيم وموازين السياسية كيف لا وهم دول الانتداب المفوضين
من عصبة الامم.
كانت
الدول العربية وقتها والأردن بالخصوص تتلقى كغيرها في الشرق وفي مناطق التبعية
لبريطانية العظمى المصروفات والموازنات المالية اللازمة لتسير دفة الحكم، وهذا أمر
طبيعي في حال أرادت دولة عظمى فرض سيطرتها على إدارة النظام العالمي فهي مجبرة
بتقديم الموازنات المالية لهذه الدول التي أخضعتها لحكمها، ليس منّه منها، ولا
بدعة، فهذا الوضع متبع منذ وجود نظام والإدارة الكونية في الدول القديمة، والتي
كانت ترتب الأمور العسكرية والمالية و الإدارية في المناطق الخاضعة لنفوذها وتقدم
لهم المخصصات المالية و/أو تعفيهم من الجزية أو الضرائب بشرط عدم المساس بالمصالح.
أن
الحديث الدائم بخصوص موضوع الموازنات المالية التي تقدمها الدول العظمى للدول التي
تسير في فلكها السياسي، وتقديمها ضمن مصطلح ( المساعدات ) وبأنها منّة من هذه
الدول وشعوبها على الدول الاخرى التي تتلقاها معلومة مغلوطة ، وبالحقيقة أن هذه
المخصصات تأتي ضمن مفهوم الواجب الواقعي والمفروض على هذه الدول، وتحسب معرفيا ضمن
معايير تحمل الدول العظمى لواجباتها في سبيل أحكام سيطرتها على المناطق في حدود
التنافس العالمي لتزعم إدارة العالم.
ثم
و بكل غباء وسطحية يتم الحديث من بعض الأشخاص والكُتاب بأن المخصصات المالية التي
تقدمها هذه الدول هي (مساعدات مالية) هذا الكلام أعتقد يجانبه المنطق والواقع وإدارة
رقعة الشطرنج السياسية، فالدول العظمى كما لها مصالح عليها التزامات، وهذا قانون
النفع المتبادل، فبريطانيا مثلا عندما كانت منتدبة على الأردن لم تقدم للأردن
الموازنة المالية، محبة في الشعب العربي والإسلامي الأردني فقط، ولكن ضمن تفهم
حقيقي وواقعي لموازين السيطرة والقوة في العالم، والتي كانت تدرك بريطانيا وقتها بكل
هذا التاريخ الحافل لها، بمفهوم الواجبات والمصالح والحقوق السياسية والتنظيمية
التي لها وعليها.
وأنه
وبعد خروج بريطانيا العظمى من المنطقة تنافست قوتين هما الرأس مالية ممثلة في
الولايات المتحدة الامريكية، والشيوعية الاشتراكية ممثلة بالاتحاد السوفيتي،
وتقاسمت هذه الدول العظمى الدول الأخرى في العالم ،واصبح واجباً عليها الحلول مكان
دول الانتداب وتغطية مكان ومكانة وادارة القوة العظمى التي خرجت منها فرنسا
وبريطانيا، وعليه بقيت الولايات المتحدة تسدد ما عليها من التزامات لهذه الدول
الحليفة ولكن تحت مفهوم جديد – المساعدات من الشعب الامريكي .
في
الفترة السابقة وعند التأسيس فهم عبد الله الاول ثم الحسين ضرورة التعاون من أجل
استمرار المخصصات لدعم الدولة والحكومات ففي عهد الملك الراحل الحسين تمخض عن
الغاء المعاهدة الأردنية البريطانية العام 1957 التوجه الأردني نحو القطب الجديد
في العالم الولايات المتحدة الامريكية التي أصبحت مسؤولة عن تأمين احتياجات الأردن،
فقدمت الولايات المتحدة
المخصصات الواجبة (ضمن مفهوم مساعدات) اقتصادية وعسكرية للأردن في 1951م و1957م
على التوالي.
ثم
وفي بداية عهد الملك عبد الله الثاني ترسخ مستوى مفاهيم التعامل مع الأدراك
السياسي في العقل الحاكم الأردني ضمن مفهوم سياسة وواقعية التعامل، من خلال تطبيق سياسة
الإخذ والمطالبة، وهي التي عرف به البيت الهاشمي الحاكم في الأردن، فلم يكن يستخدم
أسلوب الرفض المطلق، ولا القبول المستمر، بل كان يتعامل مع القوة العظمى بالفن
السياسي المحكم.
وفي
الوقت الحاضر وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة الامريكية الحليف الاستراتيجي للأردن
بشكل تام، وكذلك لعديد من دول المنطقة وخصوصا الدول العربية، فقد توثقت علاقات
الصداقة التي بدائها الملك عبد الله الاول مع الرئيس الامريكي ترومان العام 1950م عبر
كل تلك الرسائل والمحادثات التي تمت بينهما وخصوصا محادثات احلال السلام التي كان
يقوم بها عبد الله الاول من خلال سفير الأردن في واشنطن يوسف هيكل.
فقد بلغ إجمالي المخصصات (المساعدات)
الأمريكية (التي تشرف عليها وزارتا الخارجية والدفاع) للأردن حتى السنة المالية 2023م
ما يقرب من 28.5 مليار دولار، تشكل المخصصات ( المساعدات) الأمريكية للأردن أكثر
من 40% من إجمالي مبلغ الدعم الدولية الرسمية التي تتلقاها المملكة سنويًا. كما ويدعو
العديد من المختصين الأمريكيين إلى استمرار في تقديم المساعدات الأمريكية القوية
للمملكة كون الأردن يشكل صوت الاعتدال في منطقة ملتهبة.
وفي عام 1996م، منحت الولايات المتحدة الأردن
وضع حليف رئيسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو التصنيف الذي يجعل الأردن، من
بين أمور أخرى، مؤهلاً لتلقي المواد الدفاعية الأمريكية الزائدة والتدريب وقروض
المعدات للبحث والتطوير التعاوني. وخلال العقد الماضي قدمت الولايات المتحدة 52.6
مليون دولار من المواد الدفاعية الأمريكية الزائدة إلى الأردن، بما في ذلك ثلاث
مروحيات من طراز AH-1 كوبرا
وحاملات طائرات القيادة المجنزرة M577A3.
وفي 16 أيلول 2022م، وقعت الولايات المتحدة والأردن مذكرة
التفاهم الرابعة التي تحكم المساعدات الخارجية الأمريكية للأردن، وتلزم الاتفاقية
التي تمتد لسبع سنوات (السنة المالية 2023-السنة المالية 2029)، والتي تخضع
لتخصيصات الكونجرس، الإدارة بالسعي إلى الحصول على ما مجموعه 1.45 مليار دولار من
المساعدات الاقتصادية والعسكرية السنوية للأردن. وبالمقارنة بمذكرة التفاهم
السابقة، فإن مذكرة التفاهم الرابعة هذه أعلى بنسبة 13.7% سنويًا وتستمر لمدة سبع
سنوات مالية بدلاً من خمس سنوات.
أنّ القرار الذي اتخذه
الرئيس الامريكي الحالي ترامب مع بداية توليه الحكم في الفترة الثانية له، ، ليس
وقفاً للمساعدات بشكل نهائي؟؟ وإنّما تعليق لها لحين مراجعتها، وضمن سياسة ترامب
من أجل الضغط على
الأردن لقبول أجندات السياسة الأمريكية في
الشرق الاوسط التي لا يعارضها الأردن بشكل مطلق ولا تتعارض فيها سياسة البلدين
خصوصا في الاقتصاد الحر وضمان التعاون العسكري والامني والدبلوماسي، إلا تلك
المواضيع التي تدخل فيما يخص الضفة
الغربية والمقدسات والوصاية الهاشمية، والاخطر اليوم موضوع التهجير من غزة حالياً،
وقد تكون الضفة ثانياً.
اخيرا أن قيام الرئيس ترامب
بهذا العمل ربما هو ما ينذر بانتهاء عصر السيطرة الامريكية المطلق على تسير الامور
كدولة عظمى يتواجب عليها الذهاب إلى دعم الدول الحليفة، والحديث اليوم عن أن
الولايات المتحدة الامريكية اصبحت تقوم بوظيفة الجابي وليس الحاكم المتسيد للنظام
العالمي سيترك اثار سيئة تعيد حسابات الدول وتجعل الحديث مع امريكا حديث مالي وليس
حديث سياسي، وتحول امريكا إلى دولة جامعة للضرائب وليس دولة عظمى تسيطر وتحكم
بسياسة المنافع المتبادلة يجب أن يتم استيعاب ان ما تقدمه امريكا أو غيرها للدول
التي تسير في فلك التبني السياسي والمصلحي يجب أن يكون ضمن مفهوم ان هذه الاموال
الداعمة – هي صك مخصصات وليس صك مساعدات .