
حسين الرواشدة
هنالك خطة خبيثة لإغراق بلادنا بالمخدرات ، نحن فعلاً أمام حرب تستهدفنا من كافة الحدود والجبهات، كل 21 دقيقة نكتشف جريمة مخدرات، والمخفي أكبر ، في دراسة شملت خمس قرى في إحدى المحافظات جنوب المملكة أفاد ما بين 50 إلى 67% من المستطلعين الشباب أنهم سمعوا عن انتشار المخدرات في قراهم، فيما أكد ما بين 15 إلى 35% منهم أنهم رأوا معارفهم واقرانهم يتعاطون المخدرات ؛ شكراً لجيشنا الباسل وأجهزتنا الأمنية التي تواجه هذه الحرب وتستنفر كل جهودها لحماية بلدنا ، لكن هل يكفي ذلك ؟ هذا ما يجب أن نفكر به جميعاً للانتصار في هذه المواجهة الكبيرة.
لا أريد أن استطرد حول موضوع المخدرات ؛ سبق أن كتبت عشرات المقالات للتحذير من هذه الجريمة، لكنني أستدعيها، الآن ، لكي أقرع الجرس، داخل إدارات الدولة والمجتمع معاً، للتنبيه إلى حالة مجتمعنا ، وما يتغلغل داخله من مشكلات واحتقانات، في الأطراف المهمشة وفي المراكز ، أيضاً، ثمة أصوات تشكو وأنين لا يسمعه الكثيرون، ثمة فقر وبطالة وإصابات بليغة تعاني منها الأسر نتيجة ذلك وغيره ، ثمة تحولات في تفكير الشباب ومطالبهم وعلاقتهم مع مؤسساتهم العامة ،ومع بعضهم ، ومع المسؤولين عنهم، باختصار ثمة مؤشرات لاختناقات داخلية تستدعي أن نفتح عيوننا عليها ، وأن نبدأ على الفور بإعداد ما يلزمها من حلول ومعالجات.
هذه الدعوة لا تحتاج إلى تفسيرات أو تبريرات، ولا إلى عيون "زرقاء اليمامة" لاستكشاف ما يلوح في الأفق من تهديدات وأخطار ، المنطقة تتعرض لزلازل كبيرة ، الأيدي التي لم تعد خفية تحاول أن تتسلل إلى كل دولة للعبث باستقرارها ، في موازاة حروب الطائرات والصواريخ والمسيّرات ثمة حروب تُدار من خلال الاقتصاد و أزماته، ومن خلال الشباب ومعاناتهم، ومن خلال المجتمعات وانقساماتها على تخوم الهوية و الطائفية واختراق الشبكات، نحن في الأردن جزء من جغرافيا حفرة "الانهدام" السياسي ، ومن مخططات زراعة القلق والفتن ، نحن آخر القلاع الصامدة في الهلال الخصيب ويجب أن نصحو ونتوحد ، ونتصدى لأي حركة "ريح" غادرة تستهدف بلدنا .
صحيح ، أثق بإداراتنا العامة ومؤسساتنا ، واعتز بما تقوم به قيادتنا من حراك سياسي لتجنيب بلدنا المخاطر ، وضمان ممرات آمنة تضعنا على سكة النجاة والسلامة، لكن لا اخفى إنني أشعر بالقلق من مفاجآت قد لا تكون بالحسبان ، ومن استعدادات قد لا تكون كما يجب ، ومن أدوات قد لا تكون على "قدّ الحمل" الثقيل، أقصد هنا أننا نجاحنا على جبهات السياسة الخارجية ، بلدنا يحظى بسمعة دولية واحترام، لكن هذه الإنجازات لم تترافق مع نجاحات على جبهة الداخل وملفاته المتراكمة، هذه مسؤوليتنا جميعاً، الدولة والمجتمع، الاستدارة للداخل أصبحت ضرورية، وترتيب البيت الأردني واجب وطني ، يجب أن ننهض بها ، لا وقت للتلاوم، أو جلد الذات ،أو توزيع الاتهامات بالتقصير.
نحن أمام مرحلة خطيرة ، وعلينا ان نواجهها، الأردن- مهما اختلفنا حول أداء الحكومات والنخب والإدارات - يستحق أن نلتف حوله ونضحي من أجله ونؤجل كل خلافاتنا كُرمى له، لا قيمة لأي كلام بلا عمل وانجاز، ولا معنى للاصطفاف حول أي قضية إذا لم تكن الأردن، نتوافق أولاً على حماية بلدنا والدفاع عن مصالحه، ثم بعد ذلك نتناقش حول أي عنوان آخر.