
القلعة نيوز:
كريستين حنا نصر
هناك أهمية بارزة لمهنة المعلم وحركة التعليم في العالم وبالاخص في الدول العربية ، ففي الماضي كان الاولاد او الطلبة يذهبون الى الكتاتيب إلى جانب تلقيهم التعليم في المساجد أيضاً ، حيث كان الشيخ أو الامام هو المعلم ، وكانت المواضيع التي تدرس في الغالب تشمل علوم الدين الاسلامي واللغة العربية ، ولاحقاً تطورت المدارس و وظيفة المعلمين ، فأصبحت منظومة متكاملة مهمة في أي دولة ، حيث كان البعض من المعلمين في السابق يعتمدون على اساليب تدريسية قديمة ، تعتمد القسوة مع الطلاب ، ولم يكن هناك قانون يحمي الطلبة من العنف الذي كان يمارس عليهم من بعض المعلمين للأسف، باعتبار ان هذا الاسلوب القديم يرهب الطلاب ويؤثر سلباً على تشكيل وتكوين شخصيتهم ، وفي الوقت الحاضر ومع التقدم في التعليم أصبح الكادر التعليمي يأخذ دورات تدريبية تواكب التطورات الحديثة في اساليب التعامل مع الطلبة .
وفي الاردن تبرز عندنا جهود ملكية سامية بخصوص تطوير التعليم والشباب ومنها جهود الملكة رانيا العبد الله رعاها الله ، من خلال مشروع ( مبادرة مدرستي ) عام 2008م ، بهدف تحسين البيئة المادية والتعليمية للمدارس الحكومية حيث شملت اكثر من 830 مدرسة وحوالي 360 الف طالب وطالبة و17 الف معلم، وشمل المشروع ترميم المدارس في المناطق خارج العاصمة بهدف تطويرها ، والأهم الاهتمام بالمعلم ففي كل سنة يتم تكريم المعلم المثالي ، حيث اطلقت جمعية جائزة الملكة رانيا للتميز التربوي في ذكرى يوم المعلم في الخامس من اكتوبر عام 2005م . ويحظى الشباب في الاردن بالاهتمام الملكي بما في ذلك مبادرات ولي العهد الشبابية والسعي لتمكينهم وتوفير فرص العمل لهم ، خاصة ان الاردن وبناء على التوجيهات الملكية السامية بالاصلاحات الشاملة تقدم كثيراً في مجال تعزيز مشاركة المرأة والشباب في كل قطاعات الدولة .
وللاسف في فترة الربيع العربي والصراعات والحروب ظهر التأثير سلباً على التعليم ، وتحديداً في بعض المناطق التي تشهد الحروب والصراعات الملتهبة ، حيث لا تتواجد فيها المدارس وأصبح الكثير من الطلبة خارج نطاق التعليم ومقاعد الدراسة المدرسية والجامعية ، وهذا بلا شك أثر على تدني مستوى التعليم وارتفاع وزيادة كبيرة في نسبة الامية في مناطق الحروب ، مثلاً بعض المناطق في سوريا ، واليوم ايضاً هو الحال في غزة بسبب الصراع والدمار الذي لحق بالكثير من مناطقها وبشكل شمل المدارس أيضاً .
وفي بعض المناطق التي تتواجد فيها الحروب ومظاهر سيطرة حركة داعش عليها ، جرى فيها للأسف تدريب بعض الشباب ومنذ سن صغير على هذا الفكر ، خاصة ان الصغير وبسبب تكوينه يسهل تشكيل وصقل عقليته على اي عقيدة بما في ذلك العقيدة الجهادية أو غيرها ، وهنا تكمن الخطورة عندما ينشأ جيل جديد له عقيدة مختلفة في مضامينها عن فكر الاباء والاجداد ، وبالتالي يكون لدينا جيل يصعب التحكم في عقيدته وفكره عندما يكبر ، بمعنى انه من المعروف أن الكبار يصعب إعادة صقل عقولهم وبالتالي يكون الاصغر عمراً هم من تتشكل عندهم وبكل سهولة عقلية متطرفة جامدة ، أي تتبنى فكرة تكفير الاخرين وقتلهم نحراً ، إذا لم يتماشوا مع عقيدتهم وتكون عندهم عقيدة وأفكار مغايرة لهم ، وهنا اصبح للاسف القتل عندهم امراً مباح وشرعي من وجهة نظرهم ، علماً بأن هذا يخالف كل الاديان السماوية والدين بريء منهم ومن معتقداتهم .
وللاسف تدني مستوى التعليم وانحراف مسار وبوصلة التعليم هو نتيجة للحروب واستغلال الوضع من قبل البعض لصقل جيل جديد يمتلك عقلية متطرفة ، وهذا سيكون حتماً بمثابة تهديد للمجتمعات في الوطن العربي حيث تتفاقم فيها الصراعات والحروب ، إن الاجيال القديمة كانت تتصف بالتدين وملتزمة ، ولكن في الوقت نفسه لم تكن أبداً ذات عقلية متطرفة واقصائية ، ولا تعمل على تحليل اعمال العنف والقتل والذي لم يحلله الدين أساساً ، وتوجد اليوم فئة أخرى في الوطن العربي من الشباب الطموح ، والكثير منهم من المتعلمين ولكن للاسف لا يجدون لهم فرصة عمل وتتزايد بينهم نسب البطالة ، خاصة في صفوف الشباب في الوطن العربي ، الذين اصبحوا يطالبون بحقوقهم ، علماً بأن فئة الشباب في هذه المرحلة العصيبة التي تمر فيها منطقة الشرق الاوسط أصبحوا هم القنبلة الموقوتة ، التي في أي وقت قد تنفجر في مظاهرات كما هو الحال الان في بعض الدول العربية ، حيث دخلنا شكل آخر من مظاهرات الربيع العربي ، ويلاحظ أن الشباب الثائر هو الذي يقود هذا التمرد والاحتجاج ، وللاسف في بعض الاحيان تحولت المظاهرات الى حالة من العنف والقاء الحجارة على رجال الامن وتطورت الى حرق المباني والممتلكات والمراكز الأمنية ، ان طاقة الشباب بدلاً من ان توجه الى بناء المجتمعات والدولة وتعمل بشكل ايجابي ، أصبحت للاسف تدمر وتخل في أمن الدولة ، وهذا الجيل الشاب المنفتح على العالم من خلال الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، بات يرى كيف يعيش ويعمل باقي الشباب في دول اخرى في العالم ، ويرى نفسه غير قادر على عمل شيء خاصة فئة الشباب العاطلين عن العمل ، وفي ظل ازدياد نسبة البطالة في بعض البلدان العربية ، خصوصاً أن فئة الشباب الان وفي هذه المرحلة هم الفئة الاكثر عدداً من السكان .
وبالمحصلة يمكن ان تصبح فئة الشباب في الشرق الاوسط هم من سيقود الثورات والمظاهرات بدلاً من الاجيال التي تكبرهم سناً في المجتمع ، واعتقد انه يجب أخذ هذا الموضوع بمحمل الجد ، والعمل على الاهتمام بفئة الشباب واشراكهم في المجتمعات ليصبحوا عملياً عضوا فعّال يعمل ويشارك في رفعة وطنهم ، بدلاً من ان يكون الشاب عاطل عن العمل يفقد عندها أي انتماء لوطنه ، وبالتالي يسهل التحكم به خاصة من خلال طرق الاغراء بالمال لصالح القيام بالمظاهرات المدعومة من بعض الاحزاب والقوى التي هي بالاساس وراء انتشار مثل هذه الاحتجاجات والمظاهرات ، فاصبح الشباب عندهم مجرد وسيلة لتحقيق الاهداف المشبوهة ، خاصة عندما يكون هناك استغلال للمال ، الذي هو من يلعب دوراً مهماً في استقطاب هذه الفئة المخدوعة من الشباب .
وللاسف فان المظاهرات وكما عهدنا في الربيع العربي تبدأ بشكل سلمي ثم يتخللها عنف ضد الدولة ومؤسساتها ، الى جانب تكريسها من اجل تدمير بعض المنشآت والمؤسسات ، ثم تتفاقم الامور وتتطور لتصبح بعدها تطالب باسقاط النظام بدلاً من مطالبها المحقة في سبيل تنمية الشباب ، ثم تتعسكر الثورة . وفي بعض هذه الثورات فعلى سبيل المثال الثورة السورية التي أدخلت سوريا في حرب عرقية وطائفية ، وفتحت الباب امام تدخلات خارجية ادت الى اضعاف الدولة وما تزال الحالة فيها حتى الان مستمرة ، وللاسف يبدو أن الربيع العربي الجديد القادم سوف يقاد من فئة الشباب العاطل عن العمل ، والذي أصبح الان القنبلة الموقوتة وبمطالب لا يمكن تلبيتها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به منطقة الشرق العربي .