
الدكتور نسيم أبو خضير
في خضمّ المشهد الدولي المشتعل ، تتزاحم التساؤلات الكبرى في أذهان المراقبين والمحللين ، ويزداد القلق في صدور الشعوب مع كل تصريح يخرج من الجانب الإسرائيلني يشير إلى أن الحرب لم تنتهِ بعد ، وأعتقد أنها قد تعود في أي لحظة بنسبةٍ تتجاوز السبعين بالمئة .
هذه التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة في فضاء السياسة ، بل مؤشرات تنذر بأنّ ما نراه من هدوءٍ نسبي ليس سوى إستراحة قصيرة في عاصفة طويلة .
والمقصود هنا الحرب الدائرة على قطاع غزة ، تلك الحرب التي تجاوزت كل حدود الإنسانية ، وأحرقت الأخضر واليابس ، تحت ذرائع أمنية واهية لا تُقنع أحدًا .
واليوم ، وبينما تتحدث بعض العواصم عن " وثيقة وقفٍ لإطلاق النار " ، تبرز تساؤلات عديدة :
هل فعلاً تسعى إسرائيل إلى إنهاء الحرب ؟ أم أن الهدف هو تهدئة الشارع الإسرائيلي الغاضب من فشل حكومته في إعادة المختطفين ؟
إن قراءة متأنية لما يجري في الكواليس توحي بأن الدعوة إلى التوقيع على وقف إطلاق النار في شرم الشيخ قد تكون مجرد محاولة لكسب الوقت ، وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية في إسرائيل ، لا سيما في ظل الضغوط الشعبية المتزايدة على الحكومة ، والتي تخشى أن يتحول الغضب إلى إنفجار داخلي يهدد بقاءها .
ومن هنا ، يبدو أن الهدف الأقرب لمثل هذه الإتفاقات هو تهدئة الشارع الإسرائيلي عبر إعادة المختطفين ، _ ورفات الإسرائليين الذي قد لايتحقق لصعوبة الوصول اليهم داخل الأنفاق المدمرة أو ركام المباني الضخمة ، هذا إضافة الى عدم قبول حماس نزع السلاح _ أكثر مما هو تحقيق سلامٍ عادلٍ أو دائمٍ في غزة .
إن ما يجري اليوم من تراخٍ دولي ، وصمتٍ أمام التصعيد الإسرائيلي ، ينذر بأن الأمور لا تبشّر بخير . فكل مؤشرات الميدان ، وتصاعد حدة التوترات الإقليمية ، وتبادل التهديدات بين القوى الكبرى ، تُشير إلى أن العالم يقف على حافة هاويةٍ قد تنزلق إلى حربٍ عالمية ثالثة ، حربٍ لا تشبه سابقاتها ، لأن أطرافها هذه المرة تمتلك من السلاح النووي والتقنيات المتطورة ما يجعلها حرب إبادة لا حرب إنتصار .
وفي ظل هذا المشهد القاتم ، تبقى الشعوب هي الضحية الدائمة ، تدفع ثمن جنون السياسة وصراع المصالح وتوازنات القوة التي تُبنى على حساب الإنسان وكرامته .
ويبقى الأمل ، رغم كل هذا السواد ، أن يستيقظ الضمير العالمي قبل فوات الأوان ، وأن يدرك قادة الدول أن السلام ليس ورقة تُوقَّع ، بل إرادة تُصنع ، وأن وقف الحرب الحقيقي يبدأ حين تُطفأ نار الحقد ، لا حين تُجمّد البنادق مؤقتًا .