الدكتورة رنا عيروط
لا شك في أن إجراءات اقرار واعتماد الموازنة العامة تمر في العديد من المراحل, وتتضمنها جملة من الخطوات القانونية والادارية التراكمة والتي تؤدي مجتمعة لاقرار قانون الموازنة العامة في الدولة، ولا يخفى علينا، ما للموازنة العامة من أهمية بالغة في كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسة منها، الأمر الذي يتحتم على الحكومات بذل أقصى الجهود لضمان أن تعبر السياسة المالية قدر الامكان على احتياجات وتطلعات جهمور المواطنين في كافة القطاعات، وهذا لا يتأتى الا من خلال اتباع نهج تشاركي واضح المعالم يؤدي الى الاستماع بجدية الى وجهات النظر كافة وفق اجراءات معلن عنها ومتاحة المشاركة فيها للجميع، الامر الذي يضفي الشرعية الاجتماعية والسياسية والشعبية على السياسة المالية.
ولا يخفى علينا أن السلطات التشريعية تلعب دوراً رئيس في عمليات النقاش والتشاور, الا ان الاطلاع البسيط على واقع الصلاحيات المتاحة للسلطات التشريعية في عمليات النقاش والتأثير على الموازنات العامة نجدها تشهد انحساراً كبيراً خاصة في ظل برلمانات لا تملك الصلاحيات الدستورية ولا القدرات الفنية والمعرفية للاضطلاع بمناقشة كافة التفاصيل الخاصة بقانون الموازنة، ومن جهة أخرى، لا بد من توسيع دائرة النقاش على اوسع نطاق لضمان ان تحقق النفقات والايرادات, التوقعات التي هي تطلعات المواطنين.
وعليه، مرت عملية المشاركة في الموازنة العامة عبر التجارب والممارسات الدولية في العديد من المراحل, الى ان تطورت لمؤشرات ومعايير باتت محل اجتماع من كافة النظم المالية والاقتصادية، حيث تعتبر منظمة الشراكة الدولية للموازنة IBP الجهة المتخصصة في إجراء مسح لموازنات ما يزيد على مائة دولة في العالم وتنشر تقاريرها كل عامين بتقرير يسمى مؤشر الموازنة المفتوحـة OBI للتعبير عـن مـــدى تطبيق الموازنـــة العامـــة لأعلـــى درجات الشفافية والمشاركة والمساءلة. اذ يتم قياس مدى إسـتعداد الحكومـات لإتاحـة أكبـر قدر من المعلومات حول السياسة المالية، والإفصـاح الأوسـع عـن كامـل بنود الايرادات والنفقات، وبذات السياق تعزيز الوصول الى الادارة الرشيدة والمشاركة الفعالة من قبل المواطنين في كافة مراحل اعداد الموازنات والرقابة عليها.
ووفقا للمسح الأخير الذي تم من قبل منظمة الشراكة الدولية للموازنة للأردن, فإن الدرجات التي حصلت عليها الحكومة الاردنية في المشاركة، تعتبر متدنية جداً ولا تعبر عن وجود آليات ونهج شراكة عامة في عمليات الموازنة بكافة مراحلها، حيث حصلت على درجة ( 11) من أصل ( 100) نقطة في عام 2017 وفقا لأخر عملية مسح ، وتراجع أدوار المشاركة العامة عن عام 2015 حيث كانت الدرجة ( 27)، علما بأن عملية المسح تتم كل سنتين مرة.
ووفقا لمؤشرات مسح الموازنة العالمي فإن هناك العديد من المؤشرات الفرعية التي يمكن الاستدلال من خلالها على عملية الشراكة في الموازنة العامة, والتي في العادة يقوم بها المجتمع المدني بكافة اطيافه ووفقا لاهتمامه وتخصصه، وهذه النشاطات التي يقوم بها المجتمع المدني لا تقع تحت حصر ومن شأنها ان تشكل الجسر بين التوجهات الرسمية وجمهور المواطنين في التعبير عن احتياجاتهم وارائهم حول الموازنة العامة، تتعلق بالاقتصاد الكلي والتوقعات التي تبنى عليها السياسة المالية والانفاق الاجتماعي والنفقات الجارية والرأسمالية والخدمات العامة والقطاعات ذات الالولوية مثل المرأة والطفل والتعليم والصحة ومستويات الدين والعجز وغيرها من أمور لا بد مشاركتها مع المواطنين في الاوقات الزمنية المناسبة ومن خلال معلومات منظمة وصحيحة يمكن البناء عليها وتحليلها ومناقشتها.
وعليه، وحيث ان الحكومة انتهت عملية اعداد الموزانة العامة, ووفقا لتصريحات رئيس الوزراء فإنه الان بصدد اعتماد مشروع قانون الموزانة العامة ومشروع قانون الوحدات الحكومية المستقلة بتشكيل لجنة مشتركة مع مجلس النواب، يمكننا القول بأن هذه الطرق والوسائل التقليدية لا تكفي لزيادة حجم مشاركة الجمهور في رسم السياسات العامة, اذ لا بد من اقرار قواعد مرجعية او الية مؤسسية يتم من خلالها رسم ادوار المشاركة العامة بشكل رسمي ويتم تكليف الجهات ذات العلاقة بتنفيذ هذه القواعد لضمان شراكة اكثر فعالية لجمهور المواطنين والمجتمع المدني على حد سواء.