تقدم لنا الازمة الحالية، بنسق رب ضارة نافعة، فرصة فريدة و على طبق من ذهب لاجراء مراجعات استراتيجية و لكل مفاصل الدولة. اذا انتهت الازمة بمفاعيلها الاساسية، و عدنا الى الادارة المعتادة فنكون قد اضعنا لحظات نادرة للتغيير الايجابي الذي سيعيد صياغة مشروع نهضوي اردني شامل و يصنع مستقبلا مزدهرا.
نعم، الفرصة ذهبية و قد تكون من ذلك النوع الذي يأتي مرة كل قرن، و من الخطيئة اضاعتها. مراجعاتنا الشاملة يجب ان تبدأ الان و قبل انتهاء الازمة. فالظروف النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية موائمة لاجراء تعديلات جذرية على انماط حياتنا، و ما يتصل بها من انظمة تعودنا عليها في العقود الماضية مع انها لم تكن مساندة لمجتمع مستنير فيه سعادة و جودة في الحياة.
المراجعات ضرورية و تشمل عاداتنا و قيمنا الاجتماعية و انماط الحياة و الاستهلاك و انظمتنا و اعرافنا الادارية، و علاقتنا كافراد بالدولة و المجتمع. و يجب ان تمتد المراجعات لتشمل اساليب العمل و التعلم و ممارسات الصحة العامة الى اولويات الانفاق و الاستثمار. اعادة هيكلة شاملة و عميقة مطلوبة و بشكل فوري. و هنا لا بد من التركيز على الشباب فهم دعامة الحاضر و المستقبل. علينا واجب تمكينهم و اطلاق طاقاتهم الابتكارية. لم لا نقوم بتصميم برامج خاصة لاستيعاب المع و اذكى الشباب و دمجهم في الادارة الحكومية؟ و من ثم تسريع ارتقائهم للاستفادة من ابداعاتهم، و اعتماد مبدأ الجدارة لا الاقدمية في الاجهزة الحكومية. الذكاء و المعرفة و القيم السليمة هي الاساس، و من ثم اجتراح سياسات عامة مستنيرة ركيزتها العلم لا الاراء او المسلمات السابقة. نحن بحاجة الى "تجنيد العلماء" و توظيف العلم.
لنصارح انفسنا، المستقبل بحاجة الى ذكاء و ابتكار و علم و عدالة اجتماعية و مواطنة حقيقية. هناك جيل حالي في المواقع القيادية لديه نوايا وطنية عظيمة و خبرات كبيرة، و مع الاحترام لها، فان استشراف المستقبل و ابتداع اساليبه الجديدة يحتاج الى علوم حديثة و قيم محدثة و تجارب مستحدثة. عقلية و قيم الادارة الحكومية الاردنية بحاجة الى اعادة بناء و الفرصة هي الان، فالمستقبل لا ينتظر احدا.