استدعتني هذه المقارنة، او ربما استدعيتها ( لا فرق ) حين التقيت للمرة الثانية وزير الداخلية، سلامة حماد، تذكرت ان رجل الدولة الذي يمثل الصنف الأول من طبقة السياسيين ليس مجرد « صناعة « يمكن ان تنتجها « ماكينات «مزودة بأحدث التقنيات، بقدر ما هو ولادة طبيعية تفرزها « جينات « سياسية وإدارية، خرجت من رحم التجربة والخبرة، والاعتزاز بالوطن وبالذات معا.
كيف يتصرف رجل الدولة ؟ الإجابة ليست صعبة تماما، حتى وان ذكرني القارئ الكريم بسؤال لطالما كررته في هذه الزاوية وهو : اين هم رجالات الدولة ؟، صحيح هم قليلون، لكنهم موجودون، ارجوك دقق معي في الصورة، ستكتشف ان مفتاح الشخصية الأردنية هو « الكشرة « الممزوجة بالثقة والصبر والحكمة، كل الذين لا زلنا نحتفي بهم من « رجالات « الدولة كانوا يشبهوننا تماما، تجمعنا بهم لحظة فارقة، قد تكون لحظة مواجهة خطر او ازمة او خطأ، عندئذ تكون ردودهم واحدة : مواقف وقرارات حازمة، او ان شئت مواقف على شكل قرارات « تكشر « في وجه الخطر، دون ان يرف لها جفن، او يهتز فيها طرف.
حماد تصرف كرجل دولة، فعلها في مواقف كثيرة وحساسة، منذ ان كلفه وزير الداخلية سالم مساعدة بالاشراف على انتخابات مرحلة التحول الديمقراطي 1989، ثم حين ادارها كوزير للداخلية عام 1993، وصولا الى المرات الثلاثة التي تقلد فيها هذا الموقع وواجه فيها ملفات امنية كبيرة، تعامل معها بقوة الأمني، وحكمة السياسي أيضا.
امتحان « رجل الدولة « حين يكون وزيرا للداخلية، ليس فقط في فرض القانون والحفاظ على النظام والامن، وانما – أيضا – في الحفاظ على قيم الدولة ومبادئها، والانتصار لها ضد « المتنفذين « الذين يحاولون توظيف نفوذهم للاستقواء عليها، وما اكثرها القرارات التي اخذها سلامة حماد في مواجهة ملفات « فساد « عابرة ابطالها من طبقة النفوذ المغشوش، هؤلاء الذين اشبعونا كلاما عن فضيلة مكافحة الفساد، ونصبوا انفسهم كممثلين عن « الضمير العام « في غيبة وعي المجتمع وانكفاء النخب عن القيام بواجبها المطلوب.
اكتب عن وزير الداخلية، سلامة حماد، لسبيين : احدهما ان بلدنا احوج ما يكون اليوم لرجالات دولة حقيقيين، اما السبب الثاني فهو ان الرجل لم يأخذ نصيبه الذي يستحقه، في المجال العام، فقد تصدرت صورته» النمطية» المشهد كله، فيما الحقيقة ان للرجل صورة أخرى عنوانها « رجل دولة «، وهذه تستحق ان اشير اليها أيضا.