* كل ما تريده عن الصحافة الرقمية وشبكات التواصل في كتاب واحد
القلعة نيوز -
صدر حديثا عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت، الطبعة الثانية من كتاب "صحافة الأون لاين.. فن معالجة المعلومات أكثر مجمعها" للمؤلف، الصحفي والباحث عواد الجعفري.
ويقع الكتاب في 500 صفحة من القطع المتوسط، قسّم على عشرة فصول، وفي كل فصل مبادئ نظرية وأمثلة عملية نظرة مستقبلية تستشرف المستقبل.
وتقول أطروحة هذا الكتاب إن التطورات المتسارعة في الإنترنت جعلت الصحافة فن معالجة المعلومات أكثر من جمعها، إذ إنها أصبحت متوفرة وبكثرة، وبالتالي صار المهم الآن هو غربلة هذا الفيض الهائل من المعلومات.
فلم يعد الصحفي هو الوحيد الذي ينشر المعلومات، كما في عهد وسائل الإعلام التقليدية، فالجميع الآن ينشرون، لذلك باتت وظيفة الصحفي هي معالجة سيل المعلومات المتدفقة في فضاء الإنترنت.
والتركيز على معالجة المعلومات لا يعني بشكل من الأشكال القفز على أصول المهنة وأخلاقياتها، فالإعلام في النهاية هو الإعلام، سواء أكان صحيفة ورقية، أم موقعاً إلكترونياً، أم منصة على شبكات التواصل.
ويطمح هذا الكتاب لعلاج نقص في تأهيل كثير من الصحفيين، بالتركيز على هذه مهارات غربلة فيض المعلومات المتدفقة، وصبها في قوالب صحافية إبداعية، مع الالتزام بأخلاقيات المهنة وقواعدها.
ويفيد الكتاب أيضا فئتين أخريين: صنّاع المحتوى في الإنترنت، وهي حرفة متنامية يرى المؤلف أن لها مستقبلاً في ظل المحتوى العربي المتواضع على الإنترنت، وكذلك الجمهور الذي يستهلك المعلومات وينتجها.
ويبدأ الكتاب بفصل التحقق من المعلومات والتعريف بسبل اكتشاف الأخبار المفبركة والمتلاعب بها، خصوصا أنها بات سمة من سمات الإنترنت، والتدقيق في المعلومات هو الأمر الذي يميز الصحفي عن الآخرين الذين ينشرون أي شيء يعترض طريقهم في الإنترنت دون أي تمحيص.
ويستعرض المؤلف مبادئ نظرية وأدوات تقنية تساعد في تلافي هذه الآفة، ذاكرا العديد من الأمثلة الواقعية عن تمحيص المعلومات قبل نشرها وأخرى أظهرت وقوع صحفيين ووسائل إعلام في فخ الأخبار المزيفة.
ويشير المؤلف إلى أن تقنيات "التزييف العميق" أو (Deepfake)، التي باتت أخطر أدوات الفبركة حاليا، متوقعا أن تشهد هذه التقنيات قفزات خلال السنوات المقبلة، مما يستدعي التدقيق جيدا في محتوى شبكات التواصل، وقد يكون من المناسب استحداث أقسام تضطلع بمهمة التدقيق هذه وتدريب الصحفيين على اكتشافها..
وفي الفصل الثاني، يحاول المؤلف الإجابة عن مهارات البحث الأساسية في الإنترنت، مع تركيز على موسوعة "ويكيبيديا" التي يعتمد عليها الكثيرون ويعتقدون أنها المصدر الوحيد للمعلومات، ويورد المؤلف حديث الموسوعة الحرة نفسها عن أنها ليست مصدرا أصيلا للمعلومات.
الإنترنت أغنى الصحفيين عن الساعات الطويلة في البحث عن معلومة واحدة في الموسوعات الورقية وأرشيف الصحف، كما كانوا يفعلون قبل عهد الشبكة العنكبوتية، لكن المشكلة الآن باتت في تخمة المعلومات، فبات السؤال الأهم هنا هو: ما هو معيار انتقاء المعلومات؟ وكيف نقيّم مدى صحته؟ يقترح المؤلف سلسلة أفكار في هذا المجال، كما يستعرض الأدوات التقنية التي تعزز من مهارة البحث، بما يختصر الوقت والجهد ويجلب المعلومات التي يجري البحث عنها.
ويسلط الفصل الثالث الضوء على ما يعرف بـ"تحسين الظهور في محركات البحث" أو (SEO)، فمنافذ الوصول إلى مواقع الصحف تعددت في عهد الإنترنت، كما تعد تلك الأوراق الموضوعة في أكشاك الصحف. لقد فرضت محركات البحث نفسها مصدرا رئيسيا لقراء المواقع الإلكترونية، وهذا يفرض على الصحفيين تغيير طريقة صياغة نصوصهم وخاصة العناوين.
وفي تجربة للمؤلف شملت 10 مواقع إخبارية عربية، ظهر أن محركات البحث تشكل ما معدله 40 في المئة من إجمالي زوار هذه المواقع، وهو أمر يعكس أهمية العناية بهذه المحركات.
ويسعى الفصل الرابع إلى تسليط الضوء على تأثير الإنترنت على الكتابة الصحفية، فالقراءة على الشاشات تقلل سرعة العين بنسبة 25 في المئة مقارنة بسرعته عند قراءة الكلمات المكتوبة على الورق.
وينصح الكتاب بألا تزيد الفقرة في الإنترنت على سطرين أو ثلاثة على حد أقصى، بما يجعل من قراءة النصوص أمرا أقل صعوبة على القراء، وهذا يعني أن الطريقة التي اعتاد الصحفيون الكتابة بها بحاجة إلى معالجة جديدة، إذ إن الأمر يحتاج أكثر من تقطيع النص إلى فقرات قصيرة.
ومما يُظهر أن القراء على الإنترنت لا يقرؤون النص بل يمسحوه مسحا، إن جاز التعبير، أن تجربة أجريت خصيصا للكتاب على 30 شخصا بينت أن عددا كبيرا منهم لا يلحظون الأخطاء الإملائية، بمن فيهم المدققون اللغويون.
وعرّف المؤلف الكتابة للإنترنت بأنها "كتابة تحت الضغط"، فالصحفي يكتب الخبر وهم لم ينته بعد، ويبدأ بالخبر العاجل الذي هو برقية سريعة ثم يتوسع في الخبر وصولا إلى التغطية المفتوحة، خاصة في الأحداث الكبيرة.
واستعرض الفصل الخامس، الصورة الفتوغرافية التي أصبحت وسيلة اتصال لا غنى عنها اليوم في عالم الإنترنت وشبكات التواصل، فنحن نعيش في عصر بصري طغت فيه الصورة.
وتبرز أهمية الصورة نظرا لتقلص مدى الانتباه (Attention Span)، وتعني المدة التي يستغرقها الشخص في التركيز على شيء. أصبحت هذه الفترة لا تزيد على 8 ثوانٍ فقط، لذلك تبدو الصورة مناسبة لجذب الانتباه.
وعزز الإنترنت من مكانة الصورة الصحفية، فكل خبر ينشر فيه ترافقه صورة، وهو ما لم يكن سائدا في الصحافة الورقية المحكومة بالمساحة الضيقة.
أما الفصل السادس فقد خصص للفيديو الذي صارت له بحسب الكتاب أربعة أنواع أساسية، وهي فيديو اللقطة الذي برز مع الانتشار الكثيف لكاميرات المراقبة التي باتت توثق كل حركة تقريباً على أرض الواقع، بالإضافة إلى الاستخدام الواسع للهواتف الذكية
والنوع الثاني هو فيديو الخبر/ القصة، وهو الأكثر رواجا بين المنصات الإخبارية، سواء العربية أو الدولية، وفكرته إعادة سرد الأخبار لكن بطريقة الفيديو، من أجل الوصول إلى جمهور أكبر، ففي بعض الأحيان لا يكون فيديو حقيقيا، بل مجرد صور مضاف إليها موسيقى ونص مكتوب.
والنوع الثالث هو الفيديو التفسيري، الذي لم يحظ حتى الآن بالانتشار المرجو في العالم العربي، في مقابل أنه قطع أشواطاً كبيرة في الغرب، وفكرته أن تأخذ قضية أو سؤالاً آنياً ثم الغوص في محاولة الشرح والتفسير، كما تعمل منصة (VOX) الأميركية.
أما النوع الرابع فهو الوثائق المصغر، في خطوة بدت خروجاً عن النمط التقليدي في الأفلام الوثائقية التي كانت تنتج في التلفزيون بمدد تتراوح بين نصف ساعة وساعة تقريباً.
ويتناول الفصل السابع صحافة البيانات والإنفوغرافيك، فبسبب كثرة البيانات التي ينتجها البشر، برزت حاجة صحافية لتصفية هذا التدفق في المعلومات، وساهم توفر البرمجيات التي يمكنها أن تعالج هذه البيانات في ظهور ما يعرف بصحافة البيانات.
وهي أعمق من الصحافة الخبرية وأطول عمراً منها، فهي لا تتعامل مع الخبر بل مع ما خلفه، وهي صحافة جماعية تحتاج إلى مهارات غير تقليدية مثل إتقان برامج "إكسل"، و"أكسس"، و"البرمجة".
وخصص المؤلف الفصل الثامن لمفهوم الوسائط المتعددة وآلية العمل، إذ إنهما أمران مترابطان، فالإنترنت أتاح وسائط متعددة بلا حدود، لكن ثمة وسائط أفضل من غيرها في سرد بعض القصص.
وآلية العمل مهمة لتنظيم تدفق الأخبار والنشر، بما يقدم للجمهور أفضل محتوى ممكن.
ومفهوم الوسائط المتعددة الذي تكوّن بعد سنوات من صعود صحافة الإنترنت أثّر في ثلاثة أمور هي: بنية المؤسسة الإعلامية، ومهارات الصحفي، وطريقة سرد الأخبار.
أما وسيلة تنظيم العمل الأساسية هي الاجتماع التحريري، الذي يتميز في الصحافة الرقمية بالتركيز عبر أفضل الوسائط المتاحة لنشر القصص.
ويمكن تطبيق كل القواعد السابقة في المنصات الرقمية، التي خصص له المؤلف الفصل التاسع، وفيه يرى المؤلف أن تصميم الموقع الإخباري لم يعد بالأهمية السابقة، مع صعود شبكات التواصل ومحركات البحث وتطبيقات الهواتف الذكية، مثل تطبيقات جمع الأخبار، ومنها "غوغل أخبار".
والمهم بالنسبة إلى كل الصحفيين أن يكون لديهم وجود ما على الإنترنت يمكن أن يوثق أعمالهم بصورة أفضل من شبكات التواصل، مثل المدونات والمواقع.
أما الفصل العاشر والأخير فهو عن شبكات التواصل، التي أشار المؤلف إلى المشكلات الكبيرة التي تحتويها، مثل البيئة المسومة فيها وتقلبات سياسات هذه الشبكات، التي هي في نهاية المطاف شركات تتوخى الربح، علاوة على أن بيئتها المتغيرة فبعضها يبرز ثم يختفي، بما يرهق الفريق الرقمي في وسائل الإعلام
ومع ذلك، فشبكات التواصل توفر فرصة لوسائل الإعلام لكي تصل إلى جمهور أوسع، وطغيان العامل البصري فيها يجعل الكتابة فيها تعتمد على مبدأ "دع الوسائط تتحدث"، أي التقليل من النصوص المكتوبة فيها.
ويرى المؤلف أن شبكات التواصل لم تعد في مجدها، كما في السابق، مع ظهور منافس قوي هو تطبيقات الهواتف الذكية، فالأخبار صارت تستهلك الآن عبر تطبيق "واتساب" مثلا، فهو يشكل بيئة أقل سمّية مقارنة بشبكات التواصل.