منذ تخرجه من كلية الإقتصاد في الجامعة الأردنية ؛ وهو في خضمّ العمل السياسي وقريب من دوائر صنع القرار ، فبدأ أولى خطواته كنائب لرئيس التشريفات الملكية ، وهو إبن العائلة السياسية العريقة ؛ فوالده هو المرحوم أحمد الطراونة الذي تبوّأ رئاسة مجلس النواب ورئاسة المجلس الوطني الإستشاري ، وهو من السياسيين الذين كان لهم دور مؤثر في الحياة السياسية والبرلمانية لسنوات عديدة . والدكتور فايز الطراونة ضيفنا في الغد ؛ كان حتى وقت قريب رئيسا للديوان الملكي الهاشمي ، وهو الذي كان رئيسا للحكومة مرتين ؛ الأولى كانت الأخيرة في عهد الراحل الملك الحسين ، والثانية في العام 2012 ، وكانت المشاركة الأولى له وزيرا في حكومة السيد زيد الرفاعي عام
1988 ، عدا عن دوره البارز في مفاوضات السلام مع الجانب الإسرائيلي حين كان نائبا لرئيس الوفد الأردني وسفيرنا في واشنطن . إستقبلنا في مكتبه بترحاب كبير ، فهو اليوم في موقع جديد يبتعد كثيرا عن السياسة ، هو نائب سمو رئيس مجلس أمناء جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز ، كان لقاء إتّسم بالصراحة والوضوح ، نبشنا وإيّاه العديد من القضايا ، لم نترك شيئا مستورا أو مخفيا خلف حجاب ، فأنت في حضرة واحد من السياسيين الذين كان لهم التأثير الواضح في أوقات هامة من الحياة السياسية الأردنية . كان من الصعب إنجاز هذا الحوار في جلسة واحدة ، فرغبتي بأن لا أثقل كثيرا على الدكتور فايز ، الذي كان كريما في الحديث ، ومحاورا من طراز فريد ، لم يعترض أبدا على أي سؤال أو إستفسار ، فاتفقنا على مواصلة الحوار في لقاءات أخرى ، فما زال في الجعبة الكثير مما سألقيه في حضن رئيس الحكومة الأسبق ، ورئيس الديوان الملكي ثلاث مرات ، حتى نستطيع الإلمام بكل مالديه ؛ وهو الذي مازال يتمتع بروح الشباب وحيويته رغم أنّه شارف على ...! وبما ان الدكتور فايز الطراونة متخصص في الإقتصاد ؛ كان لا بدّ من الدخول في هذا الباب أولا ، فالأردن يعيش اليوم ظرفا إقتصاديا إستثنائيا وصعبا ،وقد أسهب في الحديث حول ذلك ، فعاد بنا إلى الوراء لأكثر من ثلاثين عاما وتفاصيل الأزمة الإقتصادية عام 1988 وصولا لتدخّل الراحل الملك حسين الذي أمر بإلغاء الأحكام العرفية والبدء بصفحة جديدة في حياة الأردنيين .
وبالطبع غصنا كثيرا في الشأن السياسي ؛ إبتداء بفك الإرتباط مع الضفة الغربية مرورا بإتفاقيات السلام وأوسلو وما جرى في محيطنا العربي والإقليمي وتأثير ذلك على الأردن في العديد من النواحي ، وقضايا اخرى مختلفة كان لها النصيب الوافر في هذا الحوار . فللقاريء الكريم أقدّم مادار من حوار مع رئيس الحكومة الأسبق الدكتور فايز الطراونة . الغد : لنبدأ معك دكتور فايز وأنت المتخصص في الإقتصاد حول أزمتنا الإقتصادية وكيفية الخروج منها ، وتعلم بأننا عشنا أزمة إقتصادية في العام 1988 ؛ فتدخّل الملك حسين حينها ، فأعاد الحياة الديمقراطية وألغى الأحكام العرفية ، وهدأ الناس ، واليوم نعيش في ظروف قد تكون أسوأ من ذي قبل ، كيف ترى ذلك ؟ الطراونة: دائما ؛ وفي مثل هذه الأزمات تقاس الأمور بالمناخات التي نعيش فيها ، ففي العام 1988 جاءت الأزمة على خلفيات متعددة واختلالات إقتصادية عدا عن المحيط السياسي والأمني . تلك الأزمة حدثت في أعقاب إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، وكان الأردن في الخاصرة ، كان الوقوف إلى جانب العراق مبدئيا وثابتا للتصدي لدولة تحاول تصدير ثورتها وتحقيق الحلم الفارسي ، كان دفاعا عراقيا عن البوابة الشرقية للأمة العربية في وجه هذا التهديد ، وبالطبع إمتدت الحرب لثماني سنوات ؛ كان لها التأثير الكبير على الأردن ، عدا عن الإستنفاذ الهائل للموارد ، فالأردن بلد صغير والعراق كبير ، هذا أدّى لإستنزاف العملة الأجنبية ، وتزامن هذا الأمر مع قرار فك الإرتباط مع الضفة الغربية ، هذا القرار الذي أغضب إسرائيل كثيرا ، وهو القرار الذي وضع منظمة
التحرير الفلسطينية في وجه العملية السياسية ، وضرورة الحوار معها باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني . القرار الأردني لم يرق لا للولايات المتحدة ولا لإسرائيل ، وعاش الأردن حالة من التوتر مع إدارة الرئيس رونالد ريغان ، كل ذلك أدّى للمضاربة على الدينار ، وخاصة في الضفة الغربية ، وكان يمكن إيذاء الأردن إقتصاديا ، لأنه لا يمكن إختراقنا إجتماعيا أو سياسيا أو أمنيا ، وذلك لقوة واحتراف أجهزتنا الأمنية وجيشنا العربي ، ولكن في الناحية الإقتصادية ممكن ؛ فنحن دولة صغيرة بإمكانيات محدودة .
الغد : إذن ؛ هناك ظروف عديدة تكالبت على الأردن ، وبات الهاجس الإقتصادي حينها هو الهمّ الأكبر .. وماذا بعد ؟ الطراونة : بات هناك إختلالات في الإقتصاد .. لماذا ؟ القمة العربية في الجزائر أقرّت دعما للأردن بقيمة 12 مليار ونصف المليار دولار ومنها مساعدات للقوات المسلحة على مدى عشر سنوات ، وهذا المبلغ لم يصلنا سوى نصفه ، وكانت حينها الحكومات قد توسعت في العمل على أمل وصول كامل المبلغ ، فكانت النتيجة نفاذ الإحتياطي من العملة الأجنبية ، مما كان له التأثير على الدينار ، فصار هاجس القيادة السياسية هو متانة الدينار والإحتياطي من العملة الأجنبية ، لأن القيادة في الأردن لا تستسلم مهما كانت الظروف ، ثم فجأة زاد عدد سكان الأردن بنسبة قاربت العشرة بالمئة ،وهذا حدث بعد دخول العراق للكويت ،والحصار الذي فرض علينا زاد من حالة الإختناق التي عانينا منها .
ثم جاءت عملية السلام ، وكانت هي المنقذ ، فالأردن تبنّى مقررات مؤتمر مدريد للسلام ، وأعطى المظلة الأردنية للفلسطينيين للمشاركة في المفاوضات ، وهذا بالطبع أدّى لتخفيف الحصار عن الأردن من قبل بعض الأشقاء والحلفاء .
الغد : واليوم ياسيدي نعيش ظروفا قد تكون هي الأسوأ من خلال ما جرى ويجري في محيطنا العربي والإقليمي ، والتأثير الواضح على مختلف مفاصل الحياة الأردنية . الطراونة : في السابق ؛ الظروف الفلسطينية وقرار فك الإرتباط ، وظروف الحرب العراقية الإيرانية ، وإستنزاف الموارد كان لها التأثير الأكبر ، وخلال السنوات الأخيرة كانت الحرب في سوريا وما زالت ،والأوضاع في العراق ، ووجود ما يقارب المليون ونصف المليون لاجيء سوري على أرضنا ، ورغم فتح الحدود والمعابر مع الدولتين ؛ إلا أن هذا التأثير مازال ضعيفا نظرا للأوضاع السياسية والأمنية فيهما . وحتى الوضع الفلسطيني لا يمكن إغفاله كذلك ، فعملية السلام توقفت في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل ضربت بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية ،وما تم الإتفاق عليه مع الفلسطينيين ، إضافة للوضع الفلسطيني الداخلي الممزق ؛ سواء في منظمة التحرير أو المجلس التشريعي وكذلك الإنقسام بين فتح وحماس ، ولا نغفل إنقلاب الأخيرة على الشرعية الفلسطينية ؛ هذا التمزق أدّى بإسرائيل إلى الإدّعاء بعدم وجود شريك فلسطيني لها ،والراعي الأمريكي بإدارة ترامب إنحرف عن مساره ، فصار حديث حول ما يسمى صفقة القرن والقرارات الأحادية التي اتخذتها
هذه الأدارة ؛ كالإعتراف بالقدس ونقل السفارة إليها والتصريحات المتعلقة بأعداد اللاجئين ومباركة الإستيطان ، وهذه كلها من القضايا المتفق عليها في مفاوضات الحل النهائي . لذلك ؛ ألا ينعكس كل هذا المحيط علينا سلبيا ؟ الأزمة الإقتصادية التي نمرّ بها ليست من صنع أيدينا ،ليس لنا مصلحة أبدا بالتأزيم ، سواء في العراق أو سوريا أو فلسطين ، وإذا أردنا الحديث في موضوع اليمن فله أيضا تأثير على الأردن ، فالهيمنة الإيرانية هناك يتم التصدي لها ، وهذا يترتب عليه نفقات كبيرة ،عدا عن تذبذب أسعار النفط ، والإختلال في مجلس التعاون الخليجي ، وعمليا توقّفت المساعدات المالية من هذه الدول للأردن ، ونحن بحاجة مثلا لإنفاق عسكري كبير لتغطية وتأمين حدودنا مع العراق وسوريا التي تمتد لأكثر من 570 كم .
الغد : ماهو الخلل لدينا دولة الرئيس ؟ صحيح أننا نستضيف ما يقارب المليون ونصف المليون لاجيء من سوريا وتلقينا مساعدات ، وما زلنا نتحدث عن عجز الموازنة والمديونية .. إلى متى ؟ الطراونة : لقد تحمّلنا أكثر من ستين بالمئة من تكاليف اللجوء ، ففي السنة الأولى فقط تلقينا تبرعات ،ثم بدأنا نعاني من تحمّل التكاليف الباهظة للجوء ، فهل اللاجيء يحتاج فقط للسكن ؟ هناك التعليم والصحة والبنية التحتية التي عانت من ضغط كبير ، هذا عدا عن العمالة التي التي كان لها التأثير الأكبر على العمالة الأردنية ،وهذا التراكم الذي حدث فجأة ترافق مع الخلل في إقتصادنا الوطني ،وخاصة أنماط الإستهلاك ،واعتمادنا على المديونية
الخارجية لدعم السلع ،فقد كنّا نقوم بالإقتراض لأجل الإستهلاك ، وهذا أسوأ أنواع المديونية ،ناهيك عن أن الدخل المتولد داخل المملكة لا يكفيها . وعلينا هنا ان لا نغفل جانبا مهما وهو الربيع العربي ؛حيث أدّى إلى زيادة المديونية بسبب التراجع في التبرعات الدولية .
الغد : إذن ؛ ما هو العلاج ياسيدي ؟ الطراونة : منذ عام 2010 وهاجس كل الحكومات هو متانة الدينار والإحتياطي من العملات الأجنبية ،والحمد لله اليوم لدينا إحتياطيا يكفي لسبعة أشهر ، وهذا نتيجة للأمن والإستقرار الذي يعيشه الأردن ،ونحن نعلم أنه كلما زاد عجز الموازنة كلما أثر ذلك على ميزان المدفوعات ،وبالتالي يتأثر الدينار ،فالأولوية عند الحكومات هو الحد من عجز الموازنة ،وهذه وصفة دولية ليس للأردن فقط ،بل للعديد من الدول ،فإذا أرادت أي دولة التعاون من أجل الإقتراض أو الإستثمار فعليها أولا الحد من عجز الموازنة ، وهذا ما هو مطلوب منّا اليوم من صندوق النقد الدولي ،فهو لا يفرض أية إملاءات أبدا . صندوق النقد يقول لك .. إذا أردت جدولة ديونك والإقتراض من أجل التنمية وليس للإستهلاك فعليك القيام بكذا وكذا ،وهو يخبرنا ماذا يريد العالم في هذا الإتجاه ،فاليابان مثلا وكذلك أوروبا يطلبان من الأردن الإنتهاء من برنامجه الإقتصادي وإجراء الإصلاحات وبعد ذلك يتم الإقتراض . ومن هنا أود القول أنه لا يوجد رئيس حكومة لا يرغب بأن لا تصفق الناس له ليحظى بشعبية كبيرة ، ولكن الناس في مجملها لا تدرك صعوبة المرحلة وطبيعتها التي فرضت علينا هذا الواقع .
الغد : هذا الحديث يوصلنا إلى القول بعدم وجود بدائل ؟ الطراونة : خذ نظرة سريعة لموازنة الدولة ؛فالنفقات الجارية ثمانية ونصف المليار دينار ؛معظمها يذهب كرواتب وتقاعد وصندوق معونة وفوائد وخدمة الدين ، لا يبقى سوى خمسمائة مليون دينار ، كيف يمكن لدولة كالأردن أن تفعل بمثل هذا المبلغ طيلة عام كامل ؟ فهل يقوم مثلا بالإستغناء عن مئة ألف موظف حكومي ؟هل تريد للأردن أن لا يقوم بدفع الفوائد وأقساط القروض ؟هل نصل لمرحلة الرهن لا سمح الله ؟ المواطن اليوم يتحمل مسؤولية كبيرة وهذا يتمثّل في الموازنة بنمط إستهلاكه لفترة معينة حتى نخرج من هذه الضائقة التي نعاني منها جميعا .
الغد : في سياق الحديث السابق ذكرت موضوع فك الإرتباط ؛ولا بأس من الإحاطة به من جديد ، حيث قيل بأن منظمة التحرير هي من طلبت ذلك ، وآخرون أرجعوا القرار إلى رغبة أردنية ، ما ذا تقول دولتك في هذا الأمر مع رجاء التوضيح ؟ الطراونة : علينا أن لا نأخذ الموضوع بمعزل عن قرار قمة الرباط عام 1974 الذي أدى لإعتراف الأردن بنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني ، وقبل ذلك فتنة أيلول عام 1970 ومشروع المملكة العربية المتحدة 1972 ، ففي البداية أنا لا أبرّيء بعض الأنظمة العربية مما حدث في أيلول ، وفيما يتعلق بمشروع المملكة المتحدة ؛ فقد كان الملك حسين يرغب بالتفاوض وإسترجاع الضفة الغربية ومن ثم يقرر الفلسطينيون
مصيرهم بأنفسهم ، وبالطبع رفضت المنظمة هذا المشروع ورفضته أيضا مصر وسوريا والعراق ، وفوق ذلك قاموا بحشد قواتهم على حدودنا . ثم كانت قمة الرباط ؛واعترف الأردن بالمنظمة رغم عدم وجود سلطة لها في الضفة أبدا ، لأن كل الأمور كانت بيد الأردن ، فالضفة مازالت أرضا أردنية محتلة ، وكل ما يتعلق بحياة الفلسطينيين هناك مرتبط بالأردن ، والمنظمة تدّعي التمثيل ، وبقينا على هذا الوضع أربع عشرة سنة ، وفي خضم ذلك كان الإجتياح الإسرائيلي للبنان وخروج المقاومة الفلسطينية منه ، ثم تشتتها في العديد من الدول العربية ، واستقرت قيادة المنظمة في تونس وبدأت تأخذ المنحى السياسي أكثر من العسكري . في العام 1988 بدأت حوارات أمريكية مع المنظمة في تونس ،وحديث عن عمليات سياسية ومفاوضات ، وبالتالي كان لا بد من غطاء قانوني للمنظمة ، وقبل فك الإرتباط عقد المجلس الوطني الفلسطيني مؤتمره في الجزائر ، وفي ذلك المؤتمر طالبت بعض الأصوات بإزالة الوصاية الأردنية عن الضفة ،وفي الواقع لم نكن في الأردن نفكّر بفك الإرتباط قبل ذلك . أجريت إستفتاءات في الضفة الغربية ؛ وتبيّن أن أكثر من خمسة وتسعين بالمئة من الفلسطينيين يريدون المنظمة ، فما كان من الملك حسين إلا أعلن قرار فك الإرتباط القانوني والإداري فقط وليس الإجتماعي ، لأن الإرتباط الإجتماعي لا يمكن فكه أبدا نظرا للعلاقة الإجتماعية والتاريخية بين الشعبين . بعد ذلك بخمسة أيام ؛زارنا وفد من منظمة التحرير ، كانوا لا يعرفون شيئا عن الضفة الغربية أبدا ،وقما بتوضيح كل المسائل لهم ،وبقيت الأماكن المقدسة والأوقاف مع الأردن حتى لا يحصل فراغ ديني ، ثم حملناهم إلى
مدريد من خلال المظلة الأردنية ، ثم مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين وصولا إلى إتفاق أوسلو.
الغد : كيف لك أن تصف العلاقة بين الراحلين الملك حسين وياسر عرفات ..هل صحيح أن أنها كانت تفتقد إلى الثقة بينهما ؟ الطراونة : الملك حسين تجاوز كل الأحداث السابقة ؛ من عام 1970 وما تلا ذلك من أحداث وتطورات ، لقد سرنا مع الأخوة الفلسطينيين حتى النهاية ، وبعد مدريد واستقلالية الوفد الفلسطيني في المفاوضات باتت العلاقة أفضل بينهما ، والملك حسين لا يتعامل مع أي كان من باب الضغينة مهما كانت الظروف ، ودائما كان رحمه الله يعطي المبررات للآخرين ،حتى في موضوع أوسلو ؛ الملك شعر بغضب شديد ، والدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني كان في قمة غضبه وإحباطه ،ولكن في النهاية الملك حسين قال إن هذا شأن فلسطيني وخيار الأشقاء ، واتصل بياسر عرفات مهنئا .
الغد : أرجو أن تطلعنا على قصة الزيارة الأولى لياسر عرفات إلى واشنطن للتوقيع على إتفاق أوسلو وهو لا يتمتع بالحصانة ، والخوف من إعتقاله ؟ الطراونة : توقيع الإتفاق كان في يوم الثالث عشر من الشهر ، والمفروض أن يصل أبو عمار في يوم الثاني عشر ، أي أنه لا يوجد أمامنا إلّا حوالي ثماني ساعات ويصل عرفات ، فاتصل بي وزير الخارجية وارن
كريستوفر قائلا ان الرجل لايملك حصانة وبإمكان أي مواطن أمريكي تحريك دعوى قضائية بحقه وإعتقاله ، فأخبرته عن الخطوة التي يمكن القيام بها لتلافي ذلك ، فكان رأيه بإمكانية إصدار كتب رسمية أردنية لعرفات وفريقه الزائر وإعتبارهم موظفين عاملين في السفارة الأردنية بواشنطن . قمت بالإتصال مع الملك حسين واطلعته على هذا الأمر الهام ، فكان رد جلالته رحمه الله حرفيا ..( هذا يوم فلسطيني مشهود ، إحفظوا كرامة الرجل ، وافعلوا ما ترونه مناسبا ) ، فأبلغت كريستوفر بذلك فقال .. لا داعي لذلك ، لن يحدث شيئا ، فالجميع يعلم بأنهم قادمون لتوقيع معاهدة سلام ولا يوجد أي توقّعات بلجوء أحدهم لرفع قضية ضد عرفات ، وسارت الأمور بعد ذلك بخير وسلام .
الغد :هناك من يطالب بإعادة مراجعة معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ؛ بحجة عدم تطبيقها بحذافيرها من قبل الجانب الإسرائيلي ،أو أن هناك تحايل والتفاف من قبل اليمين المتطرف هناك ..ما ذا لديكم حول ذلك دولة الرئيس ؟ الطراونة : جاء توقيع الإتفاقية بعد ثلاث سنوات ونصف من المفاوضات الشاقة والشرسة وعلى مختلف القضايا ، وامتدت المعاهدة لتشمل حق الأردن في القدس والوصاية على المقدسات واللاجئين ، والملك حسين وكذلك الملك عبد الله الثاني وظّفا المعاهدة من أجل تليين مواقف الجانب الإسرائيلي لما فيه مصلحة الفلسطينيين ،ونحن مطالبنا واضحة ؛ هناك أراض أردنية محتلة وخاصة وادي عربة ، وقد إستعدناها كاملة عدا الغمر
،وبعد أربع وعشرين سنة قال الملك عبد الله الثاني كلمته وألغى العمل بملحقي الباقورة والغمر . اليوم في إسرائيل توجد حكومة يمينية متطرفة ،تختلف هذه الحكومة في سياستها عن تلك السياسة التي إتبعها إسحق رابين ،وتطبيق الإتفاقية مرهون بالظرف الذي نعيشه اليوم ،والمهم أن أحفظ حقي بالأمن ، والأردن استطاع أن يضع إسرائيل تحت التزاماتها الدولية .
الغد : لنتحوّل إلى وضعنا الداخلي ، ففي العام 1989 مرحلة جديدة في حياة الأردنيين ، تم إلغاء الأحكام العرفية وعادت الديمقراطية ، ومازال البعض يرى أننا نعيش على هامش الديمقراطية ، وما زلنا تحت وطأة تجارب قوانين إنتخاب ، إلى متى يستمر ذلك ، ألا يستحق الشعب الأردني ما هو أفضل ؟ الطراونة : منذ تأسيس الإمارة كانت هناك معارضة وطنية تقوم بالتنسيق مع أمير البلاد إلى أن حصل الإستقلال ، ثم جاءت نكبة 1948 والإنقلابات العربية وغير ذلك ، فأصبحت العديد من الأحزاب مرتبطة مع أنظمة خارجية ، أي أنها باتت أحزابا غير وطنية ، فكان هناك البعثي والقومي والناصري والشيوعي .. الخ ، فتم تجميد الحياة الحزبية 1957 وفرضت الأحكام العرفية ، وبقيت النقابات هي المتنفس الوحيد ، حيث غلب الدور السياسي على دورها النقابي . ورأى الملك حسين بانه آن الأوان لإعادة الحياة الحزبية ، فعادت الأحزاب القديمة ، وظهرت أحزاب وسطية كثيرة متشابهة في الأفكار والمباديء ، وقمنا بتشكيل لجنة السبعين التي ضمّت شخصيات أردنية في مختلف
المجالات ،ودعونا أحزاب الوسط للحوار من أجل العمل على إنشاء تيار وسطي ،ووضعنا وثيقة ( الإعتدال السياسي) وكان هناك تجاوب مع هذا التوجه ،فنشأ إئتلاف من سبعة أحزاب وسطية ، ولكن بقي همّهم يتركز في من دخل الحكومة أو من لم يدخل ! ومن لم يحالفه الحظ بدخول الحكومة يقوم بالإنسحاب ، هذه مثلا واحدة من التجارب .
الغد : ماهي المشكلة إذن دكتور فايز ؟ الطراونة : المشكلة اليوم هي عدم وجود برامج حزبية واضحة ، الجميع يخوضون الإنتخابات على خلفية عشائرية ، والأحزاب غير قادرة على إقناع الناس لعدم وجود مثل هذه البرامج ،وكان هناك ضغط على الملك حسين والملك عبدالله الثاني بمنح الأحزاب كوتا بحجة تنميتها ،فإذا كان كل أعضاء الأحزاب لا يتجاوز عددهم الخمسة آلاف فكيف يتم منحهم كوتا ؟ من الممكن ان أمنح المرأة أو الأقليات ، أما الأحزاب فعليها أن تثبت نفسها وتفرض وجودها وتعمل على خلق قواعد شعبية لها تستطيع إيصالها إلى البرلمان وعدم إنتظار مثل هذه الكوتا . أما فيما يتعلق بقانون الإنتخابات ؛حتى لو قمنا بتغييره ؛ فسيبقى الوضع على ما هو عليه ، حتى الحزب الوحيد الذي نعتبره حزبا سياسيا فهو في واقع الأمر حزبا عقائديا ، يعتمد المعارضة المطلقة ولم يصل بعد لمفهوم الحزب السياسي . الملك دائما يتمنى رؤية حكومة برلمانية حزبية ، ولكن في ظلّ هذا الواقع الحزبي فأنا أستبعد ذلك ، والكرة اليوم في ملعب الأحزاب .
الغد : عندما كنت رئيسا للديوان تم تكليفكم بإجراء مشاورات مع الكتل النيابية لتشكيل حكومة واختيار رئيس للوزراء ، وهذه سابقة .. أليس كذلك دكتور ؟ الطراونة : كلّفني جلالة الملك بإجراء هذه المشاورات مع الكتل النيابية لتقوم هي بإختيار رئيس للوزراء ، الملك كان يريد تشكيل حكومة برلمانية ، ولكن ماذا حصل ؟ كنت عندما ألتقي بإحدى الكتل ألاحظ الإنقسام داخل الكتلة الواحدة ، فلا برابط يجمعها سوى المصالح ، ثم قمت بالإتصال بهم واحدا واحدا ، وفي النهاية وقع الإختيار على الدكتور عبد الله النسور . لذلك ؛ حتى لو تغيّر القانون وبقيت الأحزاب دون برامج فلن يتغير شيء أبدا ،فالحزب ببرنامجه الذي يستطيع من خلاله إقناع الناس ، وعلى الكتل النيابية أن ترتبط ببرنامج محدد تعمل على تنفيذه ، لأن المصالح آنية وتتغير ، وبالتالي لا تستمر هذه الكتل طويلا ، وكثيرا ما نشهد إستقالات وانسحابات منها .