صادفت اليوم الذكرى السنوية الرابعه عشرة لوفاة المغفور له بإذن الله الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، القائد العام الأسبق للقوات المسلحة الأردنية الباسلة، وقائد معركة الكرامة الخالدة، والتي سطر بها جيشنا العربي الأبي أروع صور البطولة والفداء.
وكان لمعركة الكرامة في روح الفقيد وقع لا ينسى، كيف لا وهو الذي وقف مع الجند في الميدان، جنباً إلى جنب مع ثوار فلسطين يردون بعضًا من الاعتبار المهدور لكرامة الأمة، ويسجلون بدمائهم الطهورة أول ملحمة صمود وبطولة وأول انتصار عسكري على العدو، الذي لا يقهر، فتتحول الكرامة في وعي الفقيد ليس فقط إلى جسر للعودة والتحرير، بل وفي الموقع الأول إلى جسر التواصل والتودد بين أبناء الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، ورافعة أساسية من روافع الوحدة الوطنية المقدسة. وولد الجازي في مضارب قبيلة الحويطات، جنوب المملكة العام 1928، والتحق بقوة البادية في 28/ 6/ 1943، وفي العام 1946 التحق بجناح الثقافة بمركز العبدلي، واشترك بدورة تأهيل مرشحين العام 1947، وكان رقمه العسكري '505'، وبعد تخرجه التحق بكتيبة المشاة الثانية، وفي العام 1956 تولى قيادة كتيبة المدرعات الملكية الثانية، ليصبح أول قائد عربي لها. في 10/ 1/ 1956 عين عضواً في محكمة أمن الدولة، وفي العام 1962 أصبح أول قائد للواء المدرع 40، الذي قام هو بتشكيله. تولى قيادة ما عرف بالجبهة الشرقية العام 1965، وبعيد نكسة حزيران (يونيو) 1967 كلف بقيادة الفرقة الأولى، التي كان لها شرف مواجهة العدوان الصهيوني على الأردن، ورده على أعقابه، حيث كتب لها النصر في معركة الكرامة الخالدة، في 21 آذار (مارس) 1968. عين نائباً لرئيس الأركان العام 1968، وتولى مهام السكرتير العسكري الخاص لجلالة الملك، في الديوان الملكي العام 1969. في العام 1970 تولى مهام قيادة الجيش العربي الأردني، برتبة فريق ركن، حيث قدم استقالته قبيل اندلاع أحداث أيلول (سبتمبر) العام 1970 المؤسفة. كان للفريق الجازي اهتمامات بالشأن العام العربي والأردني، وكان في تفاعل دائم مع قضايا وطنه وأمته، تولى عدة مناصب فخرية وشعبية، منها الأمين العام المساعد لمؤتمر القوى الشعبية العربية في بغداد، والذي أنشئ بعيد العدوان الثلاثيني على العراق، حيث ساهم بشكل أساسي في محاولات كسر الحصار الجائر المفروض على العراق وليبيا. وانتقل الفقيد إلى الرفيق الأعلى يوم السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2001، وقد قام آل الفقيد بإصدار كتاب خاص لتوثيق ما نشر في الصحافة المحلية والعربية والعالمية عن الفقيد بعد رحيله. ومن مذكراته نقرأ :
كشف نجل المرحوم قائد الجبهة الشرقية وبطل معركة الكرامة الفريق الركن المرحوم مشهور حديثة الجازي المحامي الدكتور عمر الجازي النقاب عن بعض أوراق تحمل مذكرات لوالده المرحوم تتعلق بمجريات الأمور قبل وبعد حرب حزيران التي جرت في الخامس من حزيران عام 1967م. ويقول الفريق الركن المرحوم مشهور الجازي في إحدى مذكراته التي اطلعت عليها إن "تلك الأيام كانت تدعو للتشاؤم، فالأجواء كانت تتلبد بالغيوم، والتوتر بين العرب والكيان الصهيوني يزداد حدة وتفجرا، وحرب المياه أطلت برأسها، ومشاريع تحويل مياه نهر الأردن مدخلا لحرب وشيكة، والجبهة السورية الأكثر قابلية للاشتعال، والاعتداءات الصهيونية على القرى الحدودية في الضفة الغربية لم تتوقف، ومنها الاعتداء على قرية السموع في منطقة الخليل"، حيث إن الكيان الصهيوني لم يكن قد أكمل بعد عقده الثاني آنذاك، وكان واضحا أن إسرائيل قد تجاوزت مرحلة التأسيس بعد أن هضمت نتائج كارثة 1948، وبدأت الاستعداد لتوسع جديد، فهذا الكيان كتجسيد متدرج للمشروع الصهيوني الأكبر. واضاف ان العرب الذين قصروا في حربهم الأولى مع العدو الصهيوني، وسمحوا بقيامه في موقع القلب من وطنهم، أصبح يتعين عليهم الآن، تحمل وزر الشهية الاستيطانية غير المحدودة لهذا الكيان التوسعي. العرب عشية الهزيمة ويشير الجازي إلى ان العلاقات العربية - العربية تميزت عشية الحرب بالتوتر والقطيعة، وسادت الحروب الإعلامية مناخات المنطقة، وبدا أن الأردن الذي انشأ علاقات جيدة مع السعودية اثر وقوفهما المشترك في حرب اليمن ضد السلال وعبد الناصر، قد دخل في موجة جديدة من التناقض والصراع مع مصر، بالرغم من أجواء الوئام التي سادت القمتين العربيتين الأولى والثانية، والقمم الثنائية بين قيادتي البلدين. ويؤكد بان العلاقات السعودية المصرية كان يسودها التوتر الشديد، حيث كانت مصر تحتفظ حتى منتصف الستينيات بقوات كبيرة في اليمن. ويفيد ان العلاقات بين ثورة البعث في سورية والقيادة الناصرية لم تخل من منطق المزايدات السياسية، بعد أن وصلت تجربة الوحدة الثلاثية إلى طريق مسدود، وكان نظام الاتاسي، جديد، زعين، يطرح شعارات حرب العصابات، ويستخف بقدرات الكيان الصهيوني العسكرية، ويدعم الأعمال الفدائية عبر جبهات مختلفة، والإعلام السوري ليس مترفعا عن توجيه الاتهامات لـ "عبد الناصر" بأنه لا ينوي محاربة إسرائيل، ويتستر خلف اتفاقية 1956 التي نشرت بموجبها قوات طوارئ دولية على امتداد الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة. واضاف أن عبد الناصر كان قد أعلن في كثير من المناسبات بأنه ليس بصدد الدخول في مغامرة عسكرية قبل أن يكون مستعدا لها، وأعلن في معظم خطاباته بأنه ينوي قتال الكيان الصهيوني في الوقت الذي يستكمل فيه الجيش المصري استعداداته. وبالمقابل كان رأي حركة فتح التي بادرت إلى إطلاق الرصاصة الأولى في مطلع العام 1965، وكانت حركة القوميين العرب تبدي تفهما لموقف الرئيس جمال ولا ترغب في توريطه في حرب سابقة لأوانها. ويصف الجازي العلاقات العربية البينية أنها دخلت في مأزق اثر جولة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة للمنطقة واطلاعه على حجم ومستوى الاستعدادات العربية للحرب مع العدو الصهيوني، ولمس ضعف الاستعدادات، يومها دعا إلى حل سياسي للصراع العربي الصهيوني على قاعدة قرار التقسيم، وثارت عاصفة انتقادات سياسية في وجهه، منها اتهامه بالتخاذل والعمالة، وحدث انقسام بالرأي العام العربي بين مؤيد ومتحفظ وخجل لأفكار بورقيبة ومعارض لها بشدة. وكشف الجازي أن الجامعة العربية أخفقت في انجاز حلم الوحدة العربية الذي أنشئت من اجله، فقد كانت جزءا من سياسة المحاور العربية بدل أن تكون فوقها، وان تؤدي رسالتها كجسر للتوسط بين العرب المنقسمين على أنفسهم، وظل دورها محصورا بفض النزاعات، ومحكوما بالمشكلات التي يفرضها نظامها الداخلي، وبغياب القرار العربي بالاحتكام لصوت العقل والمنطق، وتغليب المصلحة القومية العليا على الحسابات الأنانية والمصالح الضيقة للحكام العرب. معاهدة الدفاع العربي المشترك ولفت الجازي إلى أن التوصل إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتوقيع عليها، لم يكن سوى استجابة شكلية للتحديات التي بدأت تقرع الأبواب بقوة على الجبهة الشمالية - الشرقية، استجابة متأخرة لمطلب شعبي عربي، سقطت في الاختبار بعد حرب 1967. ويقول الجازي إن الأمة العربية كانت، تخضع لأنماط مختلفة من النظم السياسية العربية، وجيوشها وقواتها المسلحة تخضع تبعا لذلك لمدارس مختلفة في العمل العسكري، تسليحا وتدريبا وتنظيما، وترتب على أزمة الثقة السياسية بين الأطراف المشكلة لمعادلة القوة العربية والانحيازات المتباينة لمراكز القوى الدولية، بروز مشكلات في لغة التخاطب والتفاهم بين الجيوش العربية التي ألحقت بالقيادة العربية المشتركة. ولدى تشخيص الجازي لتلك المرحلة ان المشاركة العربية الشعبية في صنع قرار الأمة وخياراتها المستقبلية، والديمقراطية والتعددية ومبادئ حقوق الإنسان عن العمل العربي العام غائبة في جميع ساحاته وأقطاره وميادينه. ويضيف الجازي في ظل تغليب المعركة مع العدو على قضايا البناء الداخلي، وصوت الصراع العربي الصهيوني على صوت المواطن العربي المتطلع للحرية والديمقراطية، كان من نتائجه الكارثية أننا استفقنا صباح الخامس من حزيران على هول الكارثة، فالنظم العربية غير متفقه، وليس غريبا أن نرى اليوم ضعفا في الأطر التنسيقية العربية الجماعية، حين يتعلق الأمر باجتماعات وزراء الداخلية العرب، والخطر الإسرائيلي كان محدقا، وطبول الحرب تقرع بقوة على الحدود السورية الإسرائيلية. ويضيف بعد اجتماعات القمة العربية في الإسكندرية، وإتمام المصالحة بين الأردن ومصر وسورية، تم تشكيل القيادة العربية الموحدة بقيادة الفريق علي علي عامر. وركز الاتفاق على تعزيز صمود الأردن بقوات عراقية تتمركز بصورة دائمة في الأردن على أن تتمركز في القطاع الشمالي، نابلس، جنين وطولكرم، لتخفيف العبء عن القوات الأردنية، في الوقت الذي كان العراق منشغلا في الانقلابات، والنزاع مع الاكراد في الشمال، وهذا ادى الى تأثير وفاعلية المشاركة العراقية في الدفاع عن هذه الجبهة، وذلك بتأخير وصول القوات العراقية ووصولها بأعداد متواضعة. ورغم ذلك، فان أحدا لن يكون بمقدوره التقليل من شأن المشاركة العراقية في حروب العرب مع إسرائيل، فالعراق لم يبخل في أي لحظة بإرسال قواته للأردن وإسناد جبهته مع إسرائيل. ويضيف بعد قرار جمال عبد الناصر، إغلاق مضائق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية، وترحيل القوات الدولية عن سيناء، في ضوء تصاعد حدة التوتر على الجبهة السورية، قررت القيادة العربية تعزيز الجبهة الأردنية بالقوات الأرضية والجوية معا. وفي الاجتماع الذي عقد عشية حرب الخامس من حزيران، في القاهرة بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر، وحضور الملك الحسين، والرئيس السوري حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع والفريق حردان التكريتي ممثلا للعراق. وأضاف ان حردان التكريتي اعتذر خلال الاجتماع عن إرسال سرب من المقاتلات العراقية للأردن بسبب انشغال سلاح الجو العراقي في معارك شمال العراق، ولكنه وافق على إرسال قوات مجحفلة. وبالنظر للحساسية الكبيرة التي كانت قائمة بين العراق والأردن فقد تأخر وصول القوات العراقية للأردن، ولم تتمكن من الوصول إلا بأثناء اندلاع المعارك من الوصول إلى الغور تحت القصف الجوي الكثيف للطيران الإسرائيلي. وهكذا بدأت حرب حزيران في ظروف غير مواتية، لا بالمعنى العسكري ولا بالمعنى السياسي، فكان من الطبيعي أن تأتي النتائج على الصورة المأساوية التي أتت عليها، وان تؤسس الهزيمة القاسية لسلسلة من الانهيارات العربية المتلاحقة. الأردن عشية النكسة الأوضاع على الساحة الداخلية عشية نكسة حزيران لم تكن أفضل حالا منها على الساحة القومية. وقد اتضح أن الرهان الأردني الرسمي ظل معقودا على تفادي الحرب او عدم الانجرار اليها، وهو ما ثبتت استحالته فيما بعد، عندما تبين في ضوء مقدمات حرب حزيران أن الأردن لن يقوى على البقاء خارج معادلات الصراع في المنطقة، وان رياح التغيير ستضربه ان هو لم يبد قدرا هائلا من التكيف مع محيطه العربي، وهذا ما كان، عندما تم التوقيع على معاهدة الدفاع العربي المشرك، وتشكيل القيادة الموحدة، والدخول في حرب حزيران، وسط اعتقاد سائد، بان دخول الحرب وخسارة الضفة الغربية، ربما كان أهون الخيارين، ذلك أن الخيار الوحيد المتبقي للحكم لم يكن إلا خسارة الضفتين معا. سير المعارك وقال الجازي كانت الأجواء عشية نكسة حزيران ملبدة بالغيوم السوداء فقد عمدت إسرائيل إلى التحرش بسورية وقامت بالتوسع بضم المناطق المجردة من السلاح إليها، وبدأت بتحويل مياه نهر الأردن باتجاه المشروع القطري للمياه في إسرائيل، ولم يكن أمام الدول العربية من سبيل إلا بإنشاء هيئة عربية لتحويل روافد الأردن، وكانت الجبهة السورية الإسرائيلية تعيش أجواء حرب استنزاف، واندلع اشتباك جوي مطلع حزيران 67. واضاف الجازي لقد أدى هذا الوضع المتوتر إلى قيام إسرائيل بحشد ثلاثة عشر لواء مسلحا على الحدود، وأعلنت مصر حالة التأهب القصوى وأرسلت رئيس أركانها إلى دمشق الفريق محمد فوزي، وطلبت في السادس عشر من أيار سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، وبالفعل تم سحبها بعد أيام قليلة. وقال إنه في 23 من أيار عام 1967 كان الرئيس المصري يعلن إغلاق مضائق تيران، وفهمت إسرائيل انه بمثابة إعلان حرب. وبدأت الدول العربية حشد جيوشها على جبهات القتال مما دفع بالملك حسين للسفر إلى مصر في 30 أيار من العام نفسه والتوقيع على معاهدة الدفاع المشترك، التي تم بموجبها وضع القوات المسلحة الأردنية تحت إمرة القيادة المشتركة التي أسندت فعالياتها للفريق عبد المنعم رياض، الذي وصل إلى الأردن صبيحة اليوم التالي. وبالإعلان عما سمي في إسرائيل بحكومة الوحدة الوطنية واستدعى الاحتياط كانت الحرب قاب قوسين أو أدنى من الاشتعال، وبالرغم من التزام مصر أمام الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة بعدم البدء بالحرب مع إسرائيل إلا أن قرار العدوان، كان قد اتخذ في تل أبيب وبتغطية مباشرة من الإدارة الأمريكية. وفي صبيحة يوم الاثنين الخامس من حزيران 1967، كانت الطائرات الإسرائيلية بدأت بتدمير سلاح الجو المصري الرابض في مطاراته، وكانت الألوية المدرعة الإسرائيلية تجتاح سيناء، فيما البحرية الإسرائيلية تقصف الموانئ المصرية، كما أن الهجوم على الجبهة السورية قد بدأ، وانتهى بالاستيلاء على القمم الجنوبية لجبل الشيخ، وهضبة الجولان بأسرها.
التكريتي اعتذر عن إرسال سرب من المقاتلات العراقية للأردن
واضاف الجازي أما على الجبهة الأردنية، فقد كانت الخطة الإسرائيلية معدة سلفا، رغم مزاعم إسرائيل الكاذبة بأن الهجوم على الأردن لم يكن مقررا، إلا بعد دخول الأردن في حلف مع مصر، حيث بدأت بشن سلسلة من الغارات الجوية على سلاح الجو الملكي، وتمكنت من تدمير 32 طائرة في مطاري ماركا والمفرق، وعلى الأرض تقدمت القوات البرية الإسرائيلية على ثلاثة محاور، الأول الشيخ عبد العزيز نحو النبي صموئيل. والثاني من تلة الرادار صوب النبي صموئيل، حيث يلتقي المحوران ويتجها شرقا نحو القدس عند قاطع بيت حنينا لقطع طريق القدس - رام الله ليصار بعد ذلك إلى التوجه نحو شمال القدس من جهة ونحو رام الله من الجهة الثانية، والقوات المتقدمة من محور اللطرون تتجه نحو رام الله لتلتقي بالقوة القادمة من بيت حنينا ولتتجه شمالا نحو نابلس وشرقا نحو أريحا، فتحكم بذلك القبضة الإسرائيلية حول مدينة القدس. واشار الجازي لقد كانت القوة الإسرائيلية المهاجمة تتألف من خمسة ألوية مشاة ولواء مظليين وثلاثة ألوية مدرعة وكتائب مساندة واستطلاع ودبابات وهندسة، في حين كانت الدفاعات الأردنية موزعة على القدس (لواء المشاة علي بن أبي طالب). وجنين (لواء المشاة الخامس والعشرين معزز بكتيبة دبابات، وكتيبة صاعقة مصرية)، والخليل (لواء المشاة حطين)، وأريحا، الخان الأحمر (لواء المدرع ستين)، ورام الله (لواء المشاة الهاشمي، مدعوما بكتيبة صاعقة مصرية). ونابلس / طولكرم (لواء الأميرة عالية مشاة). أما اللواء المدرع أربعين فقد تمركز في منطقة جسر دامية. وقد تولى لواء الحرس الملكي حماية عمان، فيما انتشرت بقية قواتنا على امتداد جبهة قتال تزيد على 750 كيلو مترا. وقال الجازي، أبرز المعارك تلك التي دارت في القدس ضد لواءي المظليين الإسرائيليين، حيث استبسل الجنود الأردنيون في الدفاع عن المدينة المقدسة، وجنين، ولم يتمكن اللواء المدرع السوري 17 من دخول المعركة، حيث وصل بعد اندلاع الحرب بيومين، وبقي اللواء السعودي في منطقة المدورة من دون أن يشارك في القتال. وقد أظهرت الحرب والهزيمة التي ألحقت بالجيوش العربية ضعف إرادة القتال عند القيادات العربية، بالإضافة إلى أنها أبرزت هشاشة التنسيق والتعاون بين الدول العربية. وأشار إلى أن العرب لم يتخذوا قرار الحرب، وان كانوا إعلاميا قد أعلنوا الحرب على إسرائيل، وجيوشهم دخلت المعركة متأخرة وخرجت منها مبكرا، والكارثة التي ألمت بسلاح الطيران العربي تعكس بأس الاستعداد والتحضير للمعركة. وأضاف أن الجندي العربي عندما أتيح له الظرف، وتوفرت له فرصة الاشتباك مع العدو قاتل ببسالة بدلالة معركة القدس التي قاتل فيها جنودنا البواسل بالسلاح الأبيض، ومعركة جنين التي دارت من حارة إلى حارة. . الخسائر:
الجنود الأردنيون استبسلوا بالدفاع عن القدس بالسلاح الأبيض
النكسة خلفت 6 آلاف شهيد وجريح أردني و 10 آلاف مصري و1000 سوري
أكد الجازي أن الهزيمة العربية في حزيران لم تكن نكسة عسكرية فحسب، بل كانت هزيمة سياسية واستراتيجية بكل ما للكلمة من معان ودلالات، فإسرائيل التي كانت تقوم على مساحة 20 ألف كم2 توسعت باحتلال الضفة الغربية وغزة الى أربعة اضعاف، بالاضافة الى سيطرتها على مضائقنا الاستراتيجية في البحر الأحمر وشرق قناة السويس والسيطرة على مصادر المياه الغنية في الجولان والضفة الغربية وجنوب لبنان، وضم مدينة القدس المحتلة لها. اما على الصعيد العسكري فأكد الجازي ان خسائر جيوشنا كانت فادحة جدا، حيث خسرت القوات الأردنية المسلحة أكثر من ستة آلاف شهيد وجريح، والقوات المصرية أكثر من عشرة آلاف شهيد، فيما بلغت الخسائر السورية ألف شهيد، مقابل ذلك خسرت إسرائيل أقل من 800 قتيل. وبين الجازي انه من المعروف أن الجبهات العربية بقواتها المصرية والسورية والأردنية، كانت تحت قيادة الجبهة الشرقية، وبالتحديد الجبهة المصرية المتمثلة بالرئيس جمال عبد الناصر، وعندما بات الاصطدام وشيكا، آنذاك، كانت الأردن- المحور الرئيسي للجبهة. غياب مشاركة القوات العراقية وقال الجازي اما القوات العراقية وغيابها عن المشاركة منذ البداية، ووصولها الى الساحة الأردنية، لقد أدت المنازعات السياسية بين الأقطار العربية الثلاثة (مصر وسورية والعراق) الى عدم السماح للقوات العراقية لدخول الأردن مبكرا، واضطرارها للحركة من داخل العراق، تحت القصف الجوي الإسرائيلي، الى وادي الأردن، بقيادة اللواء حسن النقيب تحت القصف الجوي الإسرائيلي على طول الطريق. ويضيف ببساطة، تمت الهزيمة، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل الجيوش العربية هي التي هزمت ؟ ومن الصعب علينا تبرير ذلك لجنودنا؟ لقد سقط كل شيء؟ هل كانت كل هذه الحرب عبارة عن مؤامرة لاسقاط عبد الناصر، والكف عن المناداة بالحرية والقومية العربية، وبالتالي تحرير فلسطين، أعتقد ذلك، فالهزيمة لم تكن ميدانية على الجبهات، بل كانت داخلية، تقبع خلف الجيوش، خلفنا نحن المقاتلين. واكد الجازي في مذكراته ان جلالة الملك حسين آنذاك وبحكم موقعي القريب من عمان، كان يتردد لزيارتي بين فترة وأخرى، وقد لاحظت مدى حجم المعاناة التي يشعر بها من جراء ما حدث، مشيرا إلى أن جلالته قد طلب منه تقديم كل العون والمساعدة لقواتنا الأردنية المنسحبة، وتقرر بعد ذلك إعادة تنظيم لقواتنا الاردنية من فرقتين، مشاة ولواءين دروع، وكانت مسؤوليتي تشكيل الفرقة الأولى من الألوية المنسحبة، من الجبهة الشرقية وهذه الألوية هي، لواء القادسية وكان بقيادة العميد قاسم المعايطة، ولواء عالية وكان بقيادة العميد كاسب صفوق الجازي، ولواء حطين وكان بقيادة العميد بهجت المحيسن ومساندة اللواء المدرع (60 ) بقيادة الشريف زيد بن شاكر ومساندة المدفعيين.