القلعة نيوز- بيروت - سارة مطر - العربي الجديد
استفاق غالبية سكان بيروت والنازحون إليها، السبت، على مشهد الدمار الهائل وأصوات الانفجارات القوية التي خلفتها الغارة الإسرائيلية على منطقة البسطة فجراً، ويأتي ذلك بالتزامن مع اتصالات الإخلاء الوهمية المستمرة في مناطق بيروت وجبل لبنان.
عاش سكان العاصمة اللبنانية بيروت ليلة دموية جديدة، إذ استيقظوا عند ساعات الفجر الأولى على غارة إسرائيلية طاولت عمق العاصمة، ودمّر فيها طيران الاحتلال بخمسة صواريخ مبنى مكوناً من ثماني طبقات يمتد على مساحة كبيرة في شارع المأمون بمنطقة البسطة الفوقا، كما تسببت الغارة بأضرار جسيمة في ثمانية مبانٍ مجاورة.
وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني اللبنانية، في بيان صباح السبت، أنه "على أثر غارة إسرائيلية استهدفت مبنى سكنياً في محلة البسطة قرابة الساعة الرابعة فجراً، تواصل الفرق المتخصصة تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ والمسح الميداني الشامل في الموقع المستهدف، وقد شملت حصيلة العمليات المنفذة (إلى حين صدور البيان)، انتشال جثامين 11 شهيداً، وانتشال 23 جريحاً من تحت الأنقاض (زاد الرقم لاحقاً إلى 63 جريحاً)، وإخماد حريق في مبنى سكني مؤلف من سبع طبقات، وإخماد حريق أخر في شقتين سكنيتين".
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية، في بيان، أن "أشلاء رفعت كمية كبيرة منها، وسيتم تحديد هوية أصحابها، والعدد النهائي للشهداء بعد إجراء فحوص الحمض النووي"، مشيرة إلى استمرار عمليات رفع الأنقاض.
وتداول السكان صوراً ومقاطع فيديو أظهرت حجم الدمار الناتج عن القصف، وعمق الحفر التي تسببت بها الغارة الإسرائيلية، والتي أعادت إلى الذاكرة تفاصيل ليلة اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، وعدد من قياديي الحزب في غارة مشابهة على الضاحية الجنوبية. وجاء القصف على منطقة البسطة المكتظة بالسكان من دون سابق إنذار، وهو رابع هجوم جوي إسرائيلي يستهدف وسط بيروت خلال الأسبوع الأخير.
تتحدث ريان الغول، المقيمة في منطقة البسطة، عن حالة الرعب التي عايشتها عند ساعات الفجر بعد حدوث الغارة، وتقول لـ"العربي الجديد": "الأثر النفسي الذي يخلفه هذا الواقع الأليم كبير. لقد اختبرت الشعور ذاته خلال الغارة الإسرائيلية على منطقة الباشورة في وسط بيروت، وأصبح ينتابني الخوف من الموت أو التعرض للأذى، ويسيطر القلق على أهلي وكل من حولي، وأخشى أن أفقد أحد أحبائي".
وتضيف الغول: "اعتقدنا في البداية أن الصاروخ استهدف المبنى الذي نسكنه، وكنا ننتظر انهيار المبنى بعد أن استفقنا على صوت القصف العنيف، وبدأنا بالصراخ جميعاً، وصارت الحجارة والمتعلقات تتطاير في اتجاه منزلنا، فهرعنا من الخوف إلى الأدراج، ونزلنا من الطابق التاسع مع الأطفال لأننا خفنا من ركوب المصعد. نزحنا نحو فندق في منطقة الروشة (بيروت)، ولم نتمكن من النوم حتى الصباح. شقيقتي لم تقوَ على البكاء أو الصراخ، ولا تزال تحت تأثير الصدمة، وتحاول أن تبدو هادئة وتسيطر على أعصابها، لكن لا أحد يدرك حقيقة مشاعرها".
وتسرد كيف أن عاملة المنزل الكينية لم تتوقف عن البكاء طوال ساعات، وكانت تجلس على الأرض وتواصل الصراخ والعويل، كما أن ابنة شقيقها التي لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، استيقظت من نومها مرعوبة، وظلت تردد "ضربوا المبنى" مشيرة إلى أنه "أمر فظيع أن نرى أطفالنا في هذه الأوضاع البائسة".
بدوره، يقول سامي موسى لـ"العربي الجديد": "كنا نائمين عندما وقعت الغارة الإسرائيلية العنيفة، فقفزت من السرير رفقة زوجتي، وبدأنا النطق بالشهادتين، إذ اعتقدنا أن المبنى الذي نسكنه هو المستهدف، خاصة بعد توالي الضربات. ظننت أنهم سيكملون تدمير كل المباني المجاورة، ومنزلنا على بُعد أقل من مائة متر من المبنى المستهدف. بعد أن هدأت الضربات، بدأنا نسمع أصوات الصراخ والبكاء في الشوارع، وعلى وقع الصدمة أصابني ألم في المعدة التي أعاني من مشاكل صحية سابقة فيها. هرعنا إلى الشرفة على ضوء الهاتف لكسر حدة الظلام، كون التيار الكهربائي كان مقطوعاً، فوجدنا عشرات الأهالي في الشوارع، وسحب الدخان الكثيف والغبار تخترق جميع المنزل، إضافة إلى الحجارة التي تطايرت في اتجاهنا، وتساقط بعض مقتنيات المنزل، كما تسببت شدة الغارات بتدمير نافذة وفتح أحد أبواب المنزل الداخلية".
يضيف موسى: "أصبنا بحالة من الضياع الكبير قبل أن نستوعب أن الضربة الإسرائيلية لم تستهدفنا، ثم سارعنا للاطمئنان على الجيران، ووجدنا أن بعض النوافذ تساقطت في الشارع. حالة الرعب والهلع لا توصف، وما زلت أسمع أصوات الغارات والصراخ في أذنيّ. لم نستطع النوم منذ لحظة الاستهداف عند الرابعة فجراً، ولا نتمنى أن يعيش أحد ليلة مماثلة، أو فجراً بهذه الصعوبة. أصدقائي المقيمين في مناطق قريبة من العاصمة، مثل الدكوانة وبرج حمود وبرج البراجنة، سمعوا أصوات الغارات القوية، واتصلوا بي للاطمئنان".
ويأمل سامي أن تتوقف الحرب كي ينعموا براحة البال، ويقول: "نجهل مصيرنا، ولا نريد سوى البقاء على قيد الحياة، فقد تعبنا، ولم نعد نحتمل مزيداً من الرعب. إنها المرة الثانية التي يتم فيها استهداف المنطقة، ونسمع أصوات الغارات التي تصيب بشكل شبه يومي المناطق الأخرى".
فور وقوع الغارة، سارع نبيل صلوح إلى شارع فتح الله في منطقة البسطة، وهو الشارع الموازي للمنطقة المستهدفة، لإنقاذ والدته المسنّة المقيمة هناك. ويقول لـ"العربي الجديد": "هرعت فجراً من منزلي في منطقة بشامون (جبل لبنان) إلى منزل أهلي في بيروت، وقد وجدت والدتي بخير، ونقلتها إلى منزل شقيقتي في منطقة عين الرمانة القريبة من الضاحية الجنوبية لبيروت رغم خطورة الأوضاع. والدتي مريضة، وتحتاج إلى رعاية طبية متواصلة، وقد رفضت النزوح بعيداً، وقبل هذه الغارة كانت ترفض مغادرة منزلها الذي كانت تعيش فيه وحدها".
ويتحدث صلوح عن حجم الدمار على أرض الواقع، مؤكداً أن "المشهد مخيف، وشعور الرعب لا يوصف، كأننا في كابوس، ناهيك عن الروائح الناتجة عن القصف. استيقظت والدتي عند أذان الفجر لأداء الصلاة، وحينها وقعت الغارات، تصدع المنزل بأكمله، كونه من الحجر الرملي القديم. وعندما وصلت إلى المنزل، رددت على مسامعي أنه لم يتبق من العمر سوى القليل، وأنها ربما كانت ستفارق الحياة في هذه الغارة، والتي تتزامن مع الذكرى السنوية لوفاة والدي".
يقيم اللاجئ السوري جمعة لهيب، في منطقة برج حمود المحاذية لبيروت، ويقول لـ"العربي الجديد": "رغم أننا بعيدون نسبيّاً عن منطقة الاستهداف، اهتز المبنى الذي نسكنه، واستيقظ الأطفال مرتعبين، وسألني طفلي البالغ من العمر ثماني سنوات هل سيقصفوننا؟ وظل يرتجف لمدة نصف ساعة من الخوف. هذه حالنا، فكيف بأحوال سكان المنطقة المستهدفة. إسرائيل لا تقيم اعتباراً لأية مواثيق، وتقوم بتدمير المباني على رؤوس المدنيين، وتثير الذعر في قلوب الأطفال".
في الأثناء، يتواصل تلقي اللبنانيين اتصالات مشبوهة من أرقام هاتفية غريبة تنذرهم بضرورة الإخلاء الفوري لمنازلهم، ما يفاقم حدة الذعر الذي يعيشونه يومياً. وتكررت الاتصالات مجهولة المصدر في أكثر من منطقة، من بينها خلدة في المدخل الجنوبي للعاصمة، وبلدات الشويفات وبشامون وعرمون في جبل لبنان، وكذلك في عدد من مناطق العاصمة بيروت من بينها رأس النبع والطريق الجديدة والملا. وتتسبب هذه الاتصالات بحال من الهلع المستمر الذي يدفع بالعديد من السكان لإخلاء منازلهم ريثما يتم التأكد من صحة الإنذارات.
ويقول علي المقيم في منطقة البسطة، إن تلك الاتصالات المشبوهة تثير المخاوف بالتأكيد، لكن وقعها ليس كوقع التهديدات المباشرة التي يطلقها العدو الإسرائيلي عبر الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي. ويضيف: "الخوف الناتج عن الاتصالات يشتد عندما نتلقى التحذيرات ليلاً، بخاصة بين العائلات التي لديها أطفال، والتي تظن أنها حقيقية، وتغادر منازلها. لم نعد قادرين على تحمل المزيد من الخوف بعد الغارات العنيفة على منطقة البسطة، سواء من اتصالات مشبوهة أو تهديدات حقيقية".
المصدر : العربي الجديد