
القلعة نيوز:
كتب : عبد الله اليماني
شيخ المناضلين المغفور له بإذن الله حاكم الفايز، كان أول من طالب الأسد بالتنازل عن الحكم والرحيل من سورية ، في حوار أجريته معه، اليوم تحققت دعوته، فقد رحل الأسد من سورية. ويا ترى لو كان شيخ المناضلين حاكم الفايز حيا اليوم ، كيف سيكون شعوره وهو يرى ما قاله لي خلال الحوار الصحافي عام 2011 ـ الذي نشر في جريدة ( العرب اليوم ) وصحيفة عمون الإلكترونية في 16-11-2011 م ، عند بداية اشتعال الثورة السورية المباركة ـ
عن خلع النظام المستبد الدكتاتوري الذي حكم سورية بالنار والقتل والسجون والكابسات والقبور الجماعية والتشريد والقهر والعذاب والحرمان والجوع والضياع والغرق في البحار . وماذا سيقول ويكتب ويطلب مني نشره ؟ وما هي مشاعره ، وردات فعله على هروب الأسد من سورية ؟
افرح يا شيخنا يا (أبو فهد) بأن حقق الله طلبك ورحل النظام الظالم الذي كانوا يقولون له (الأسد إلى الأبد) ، هرب الأسد من قصوره الفارهة التي نعجز عن وصفها ، واحتفل إخوانك السوريون بنصر الله. والآن يا شيخنا ما كنت تناضل من أجله قد تحقق وتحرر الشعب السوري من حكم ظالم ، قدموا من أجله آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين والمشردين والمعذبين في أرض الله الواسعة .
لقد كنت أزورك مرات عديدة ، وأجلس عندك مستمعا لما تقول، ومت وأنت لا تزال تؤمن : (بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ، وتتمنى لأمتك العربية التي ناضلت من أجلها (23) عاما من (1971 - 1993)، سجينا في سورية ، بعد أن تعرضت للخطف من بيروت بأيدي شبيحة المخابرات السورية ، ليزج بك (رفيقك) (حافظ الأسد) الذي كنت تعارضه وأنت في موقعك في (القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي) . الذي انقلب على البعث وعلى رجالاته في صراع على السلطة في (22 شباط 1971). حيث قضيت حياتك وأنت في خنادق الدفاع عن مبادئك القومية العروبية، متمسكا بوحدة أمتك العربية ، داعيا إلى تحرير فلسطين المحتلة.
يا شيخ المناضلين لم أنس الطلب الذي طلبه مني رئيس تحرير أخبار الأسبوع المرحوم الأستاذ أحمد علاوي، واخبرني بأن هناك معلومات تفيد بقرب إطلاق سراحك من السجن في سورية، ويومها بدأت رحلة البحث عن الحقيقة في جمع المعلومات ، وأول شخص ذهبت إليه الأخ والصديق المرحوم الأستاذ المحامي حسين مجلي ، وطلب مني التريث قليلا في نشر أي خبر عن إطلاق سراح الشيخ حاكم الفايز حتى لا تتعرقل مساعي جهودهم . ومن ثم توجهت إلى مكتب صديقي الأستاذ المحامي الفذ احمد النجداوي أبو هشام ، الذي زودني بما كنت أبحث عنه ، ونشرته في صدر الصفحة الأولى في جريدة أخبار الأسبوع . لا أريد أن أخوض في تفاصيل ما حدث معي بعد النشر . فقد ذكرته له شخصيا . في أثناء جلوسي معه في بيته في الشميساني ، عند خروجك من السجن .
وتوالت لقاءاتي معك في بيتك العامر فكلما زارك رفيق من رفاقك تتصل بي داعيا بأن أكون موجودا ومن ضمن المدعوين القلائل ، كما كنت معه عضوا في اللجنة الوطنية لنصرة العراق التي أسسها عام(2001) والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ، وقد انضم إلى صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1957م .
وفي إحدى مقابلاتي الصحافية مع أبو الفهد قال لي : كانت المدرسة مقابل الديوان المَلِكي الهاشمي ولم يكن بينها وبين الديوان سور فاصل، وكنا ونحن وتلاميذ المدرسة نشاهد الملك عبد الله الأول المؤسس باستمرار وكثيرا ما كان الملك عبد الله الأول يقوم بزيارتنا في المدرسة، ويتحدث معنا وأحيانا يطرح علينا أسئلة في اللغة والفقه، وفي إحدى المرات شاهدني الملك المؤسس وسألني من أين أنت ؟ فقلت له من الفايز، وعندما قلت إن مثقال جدي قال لي : الملك : أنت ابن سلطان، ومسح على جبيني وأوصى بي مدير المدرسة، كما كان يوصي بجميع التلاميذ. ويعرف عن الفايز : بأنه من القدماء في العمل السياسي ومن المتمسكين في عروبته التي لم يتخل عنها ، حتى وفاته تاركا الدنيا للأجيال ، التي كان يرجو منهم خيرا وهو يجالسهم ، في أنهم يوما سينهضون من كبوتهم ، ويتحررون مما هم فيه ، كما فعل هو وأجياله .
فلهذا كان الفايز : من ألد أعداء حافظ الأسد ، فلذلك لم يكن مواليا لأحد ( وإنما لأمته العربية ) ، ورفض أن يقول أنا أردني ، مقابل خروجه من سجن حافظ الأسد ، وقد احتفظ بملابسه الداخلية المليئة (بدمه ) الذي سال من جسمه من جراء ضربه وتعذيبه من قبل رجال المخابرات السورية، بأوامر من(الأسد) الذين قبضوا عليه في لبنان ، وأمضي في سورية مدة (23) عاما ، من دون محاكمة.
وقد سجن الفايز : لأنه وقف ضد تولي الأسد رئاسة حزب البعث ، وبالتالي توليه حكم سورية وأن وجوده رئيسا يهدد مستقبل حزب البعث . وقضى فترة السجن وهو يرى من ثقب (مسمار) ، كان استعمل في بناء الزنزانة في السجن الذي كان فيه. وبعدما أفرج عنه(الأسد) ، أرسل إليه أحد الرفاق البعثيين السوريين وعرض عليه البقاء في سورية مقابل إعطائه منزلا ووظيفة وسيارة . ولكنه رفض قائلا : عندي في بلدي الأردن منزلا وسيارة وأملاكا لست بحاجة أمواله وسيارته ومنزله . رحل حاكم الفايز قبل أن يرى دعوته الهادفة إلى رحيل الطاغية عن سورية قد تحققت ، غادرنا من دون وداع، تاركا المكتب الأنيق الذي يحتوي عشرات الكتب القيمة حيث يحرص على اقتناء الكتب السياسية والأدبية العربية والأجنبية، وكنت أراه يجلس في المكتب عندما آتي لزيارته .
لقد عاش ومات وهو ( يصر ) ويقول : ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) . كونه عربي الانتماء والهُوية، حياته حافلة بالنضال والتضحية من أجل تحقيق قناعته .وقد زرع حاكم : بذورا تعبر عن عطائه خلال مسيرته النضالية ، حيث رعاها ودفع ثمنها غاليا إذ أمضى في السجون السورية (23 ) سنة، أمر في تنفيذها الرئيس الهالك حافظ الأسد. والسجن لم يردعه فقد بقي متمسكا بأمته العربية وتحرير أراضيها المحتلة وواصل ناضله مضحيا لأجلها.
وكان من أهم أعضاء القيادة القومية في حزب البعث الاشتراكي في القرن الماضي، فلهذا زجه الأسد في السجن . حيث أمضى زهرات شبابه في السجن السوري. ومن جراء رحلة العذاب في السجن ، بسببها تعرض إلى أمراض في القلب حيث أصيب بجلطتين دماغيتين أدتا إلى عجز نصفي أثرتا في أنشطته السياسية ، التي كان لا يغيب عنها . وكانت الفاجعة الكبرى والخسارة التي لا تعوض رحيل المناضل حاكم الفايز عن هذه الدنيا من جراء انفجار مرارته ، التي لم تحتمل ظلم الأسد فاقد الإنسانية والأخلاق الحميدة.
غادرنا وهو يتطلع إلى أن شمس الحرية ، ستشرق يوما على سورية ، وها هي قد أشرقت أشعتها على ربوع سورية.
واليوم قام الشباب السوريون المؤمنون بالحرية والاطمئنان والاستقرار والكرامة في وطنهم في الثورة على الديكتاتور والعمل على تلبية ( دعوة الفايز ) : إذ ( نهضوا وهبوا ) في وجه الطاغي صانع الإجرام والشبيحة وفي ليلة أزاحوا ظلامه وطيروه خارج سورية يجر أذيال خيبة حكمه الدموي الذي تعرض له الشعب السوري خلصوا من الطاغية ومن شروشه التي رواها بدماء السوريين وحرقوها لأنها شروش نجسه لوثت الأرض السورية الطاهرة بما أقدم عليه من جرائم ضد الشعب العربي السوري يندى لها الجبين . تنوعت بين قمع شنق وتعذيب وقتل وتشريد وحرق وتقطيع مارسها في الشعب السوري وغيرها . من حكم الرئيس حافظ الأسد الذي انقلب على رفاقه البعثيين لكي يستولي على السلطة. ومن بعده بشار .
كان الفايز : من أوائل الداعين والمشاركين في الوقفات والمسيرات المنددة بالمؤامرات الصهيوأمريكية ضد الشعوب العربية مطالبا الوقوف إلى جانب ( قضايا أمته العربية ) . وشيخ المناضلين الفايز، ولد عام ( 1932 م ) في عمان ، وتنقل في بين القاهرة ودمشق وبغداد وعمان، وقد ولد حاكم وعاش ( يتيم الأب ) في بيت جده مثقال الفايز، لذلك قضى سنوات عمره الأولى في رعاية جده .
وكان جده مثقال الفايز رحمه الله ، أحد أبرز شيوخ العشائر الأردنية في مطلع القرن الماضي. وأقام في السعودية بمنطقة (القريات) ومن هناك أرسله جده مثقال الفايز إلى عمان من أجل الدراسة فيها، وانتسب إلى مدرسة العسبلية الابتدائية في وسط مدينة عمان.
ومنها انتقل إلى مصر لإكمال دراسته الثانوية، ثم عاد إلى عمان مرة أخرى ليغادرها إلى العراق عام( 1949) لدراسة الحقوق. وقد انضم مبكرا إلى صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي عام ( 1957م ) . وتوفي ولم ير ما يتطلع إليه قد تحقق ، لكنه قبل وفاته وجه دعوة للأسد إبان اشتعال الثورة السورية في درعا، بان يرحل الأسد من سورية .
رحل قبل أن تتحرر سورية من الأسد ، تاركا خسارة جسيمة وكبيرة ووجعا في قلب كل عربي حر شريف . رحل والقضية الفلسطينية حبالها معلقه بين السماء والأرض تتجاذبها الرياح المسمومة من كل جانب .
فقد حكم سورية بالقتل والحرق والنار والتشريد والتهديد والتعذيب لا فرق بين سوري وعربي وأجنبي، تهمتهم ( الإضرار بالأمن الوطني وتخريب البلاد) ، وهو بذلك يرغب في الاستمرارية في الحكم وليس أن يعيش المواطن السوري في عيش رغيد وعز وازدهار وكرامة وامن واستقرار .
وقبل رحيله وجه المناضل الشيخ حاكم الفايز دعوة إلى رئيس النظام المخلوع بشار الأسد بالرحيل عن سورية من خلال حوار مطول أجريته ونشرته في حينه (العرب اليوم ) ونقلته وكالة عمون الإخبارية الإلكترونية . لقد رحل( الفايز ) بعد حياة حافلة بالعطاء ، والنضال القومي وعمره ( 84 ) عاما.
وفيما يلي نص الحوار :
حاكم الفايز : على الأسد الرحيل عن سورية
16-11-2011 م.
عمون - طالب المناضل حاكم الفايز الرئيس السوري بشار الأسد بالرحيل عن حكم سورية. وأضاف في لقاء خاص ل¯ العرب اليوم ان نظام الحكم في سورية عائلي, وافضل لسورية ان يرحل الرئيس بشار الاسد.. يكفيه حكم. مشيرا ان الشعب السوري قادر على اختيار من يقوده الى بر الامان.
وقال الفايز : ان القتل المنظم للشعب السوري على يد النظام ليس في مصلحة النظام نفسه.داعيا الجيش السوري الى الحفاظ على سورية وطنا وشعبا.
وأضاف : مطلوب منه حماية الناس, والامتناع عن تنفيذ أوامر الفاسدين والفاسقين في قتل الشعب السوري.
وطالب الفايز : بوقف نزيف الدم السوري, واعادة الاوضاع الى ما كانت عليه سابقا, مع إعطاء الشعب السوري حقه بتقرير مصيره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
واكد : ان الشعب السوري يحب بلده, وليس من مصلحته ان تحدث خلافات في سورية, لأنها قد تجر سورية الى مواقف قديمة عفى عليها الزمن.
وشدد الفايز : على ضرورة ان يقوم الجيش السوري بحماية الشعب والوطن, لا ان يهدم الوطن ويقتل الشعب.
وقال الفايز: ان مصير الحكم الطائفي الزوال شاء الحكم أم أبى. مشيرا ان هناك تجارب كثيرة مرت على سورية, منها الحكم الطائفي. مبينا ان الشعب السوري شعب واحد, ويوجد فيه طوائف كثيرة ولكنه يحب وطنه.
وقال الفايز : إن أعداء سورية هم اعداء الامة العربية الصهاينة. محذرا انه اذا استمر الوضع على هذا الحال فإن سورية مصيرها الزوال, كدولة تلحق بمصير العراق ويتم تفتيتها. لوجود طوائف السنة, الدروز, الشيعة,العلوية والكرد وغيرها.
ونوه بقوله : حرام ان تضيع سورية وانجازاتها بهذا الشكل, ونحن بأمس الحاجة الى كل شبر في الوطن العربي ان يلتئم مع الشبر الاخر, لان اعدائنا اقوياء وخلفهم تقف أمريكا والعالم أجمع .
وأضاف : اتمنى على الجامعة العربية الاستمرارية بهذه الصرامة والقوة لدعم الشعب العربي عامة والشعبين السوري واليمني خاصة. وانني انصح الشعب العربي السوري ان يقفوا موقف رجل واحد أمام المجازر التي يتعرضون لها يوميا على يد النظام, إنقاذ سورية مما هي فيه.
وقال الفايز : ان عملية خطف المناضل شبلي العيسمي من لبنان مرفوضة بكل المقاييس, ومشبوهة. مشيرا ان العيسمي رجل طاعن في السن, ولا يستطيع ان يتحمل قسوة السجن وظروفه, وهو بهذا العمر المتقدم الذي تجاوز 90 عاما.
واضاف : ان الرفيق العيسمي له تاريخ نضالي عريق يشفع له من الاعتقال وإدخاله في زنازين السجن وغياهب السجون.
وقال الفايز : انني اطالب باطلاق سراح العيسمي من السجن فورا. واخلاء سبيله, كما اطالب النظام السوري بالتوقف فورا عن القيام بهكذا افعال, وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين. منوها ان النظام في سورية عريق في عمليات الاختطاف والاغتيال للشخصيات السياسية, وأنا شاهد عيان على ذلك عندما تعرضت الى الاختطاف من لبنان الى سورية. وقضيت في السجن حوالي 23 عاما.
واضاف : أن عملية اختطاف المعارضين, هي عملية قرصنة وتعود بالضرر على سورية ونظامها.
وقال الفايز : اتوقع ان تقوم الدول العربية والاجنبية بدعم المعارضة السورية من اجل اسقاط النظام السوري.وان استمرار عمليات القتل يزيد من عزلة سورية. وطالب الشعب السوري الاسراع باسقاط النظام, لان بقاءه يشكل خطرا على سورية.
واوضح ان المعارضة السورية قادرة على الحكم وتعيد البلاد الى الوضع الطبيعي.منوها ان شخصيات المعارضة كانت ضمن رجالات الحكم, وكلهم من القيادات البارزة في الحكم سابقا, وأسباب انشقاقها عن الحكم اختلافها مع النظام, وانشقت عنه. مشيرا ان اعضاء القيادة القطرية السابقة هم ضمن المعارضة الحالية.
وتوقع الفايز: ان يزداد الانشقاق في الجيش السوري, لحماية المواطنين. مبينا انه لا يوجد أي تواصل بينه, وبين المسؤولين السوريين.لانني لا ارغب باحراجهم .
وأوضح الفايز : ان إيران ضالعة بما يجري في سورية وتقتيل الشعب السوري عبر دعم الرئيس الأسد. مشيرا ان ما يحصل في سورية هو من مصلحة الغرب واسرائيل.
وقال الفايز : لا أتوقع ان تقوم الدول العربية بإرسال جيوشها لحماية الشعب السوري, لان القتال بين الجيوش العربية بالنسبة لي مرفوض.(العرب اليوم - عبدالله اليماني)