
القلعة نيوز:
عيد محمد عيد أحمد الصرميطي
جامعة البلقاء التطبيقية
يشير مصطلح: الدوبامين في عصر الرقمية، إلى كمية استهلاك الدوبامين في القرن الحالي، هذا القرن الموسوم بعصر الرقمية.
لكن ما هو الدوبامين؟
الدوبامين Dopamine حسب تعريفات علماء الدماغ والأعصاب: هو ناقل عصبي في كيمياء الدماغ، مسؤول عن عملية المكافأة التي يكتسبها الإنسان من مختلف الممارسات اليومية .
وتم اكتشاف أن الدوبامين ناقلاً عصبياً في عام 1957 على يد عالمين مستقلين.
ومن التفكير المغلوط لدى العديد من الأفراد في ظنهم أن الدوبامين هو هرمون السعادة ) happiness( لكن في الحقيقة أن الهرمون المسؤول عن السعادة هو ما يسمى بهرمون السيروتونين serotonin
أما هرمون الدوبامين هو الناقل العصبي الذي يوصل الدماغ إلى هرمون السعادة .
فمثلاً عندما تريد المشاركة في مسابقة ما، وجائزة تلك المسابقة هو الفوز بمبلغ مالي، أو بميدالية ذهبية مثلاً.
ستبدأ بالتفكير بأنك تريد المشاركة في تلك المسابقة، ثم تقوم بالذهاب للمسابقة، والتسجيل بها، والسعي إليها سعياً للجائزة التي ستحصل عليها بمجرد الفوز، ثم ستبدأ تبذل قصارى جهدك في تلك المسابقة حتى تحصل على المركز الأول وتفوز أنت بالجائزة ،هذه دوافع الرغبة في الجائزة،
المسؤول عنها هو هرمون الدوبامين هذا، وعندما تفوز بالجائزة، يتوقف الدوبامين، وينطلق منه السيروتونين )هرمون السعادة( لتحصل على الجائزة في الحياة الواقعية، وتحصل على المكافأة في الدماغ وهو الشعور بالسعاد ة واللذة .
وهذا أمرٌ جيد، بل هو من الناقلات العصبية التي تحث الفرد على مواصلة الحياة، فالدوبامين ليس سيئاً، لكنه قد يصل إلى مرحلة خطرة في دماغ الإنسان.
ومما لا شك فيه أن الإفراط في استهلاك هذا الدوبامين، قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى تلف الدماغ الذي يظهر على صاحبه، لكن كيف من الممكن الإفراط في هذا الهرمون؟
في الدماغ يوجد حد معين للدوبامين، فهو أشبه بكوبٍ من الماء الفارغ الذي لا تستطيع أن تملأ هذا الكوب أكثر من حجمه، فالدماغ يتعامل مع الدوبامين في تلك الطريقة، فالإكثار من ملء الكوب بالدوبامين، سيجعلك تأتي بكوبٍ أكبر، ثم أكبر، ثم أكبر سعياً لأن يحوي على كميات الدوبامين العالية التي يفرزها دماغك، وبعد مدة من الزمن، سيكون الكوب كبيراً للغاية مما لا يكفيه كمية
الدوبامين التي كنت تنتجها، مما سيحثك هذا على البحث عن مصادر للوصول إلى كميات هائلة من الدوبامين سعياً للنشوة، وهذا هو الخطر، بل السلاح الفتاكّ في الزمن الحاضر.
أثر الرقمية في انتاج الدوبامين.
الرقمية هي تطور الحياة من ناحي التكنلوجيا، ومما لا شك فيه، أنه بالرغم من وجود ايجابيات لهذا العصر الرقمي التكنلوجي، لابد من أن يكون لهذا العصر الكثير من السلبيات على الفرد والمجتمع .
ومن أحد السلبيات هو الإفراط في استهلاك الدوبامين، ففي عصر الرقمية، أصبح مصدر الدوبامين بين يدي الغالب من الأفراد، والقدرة السريعة للوصول إلى النشوة أو اللذة اللحظية، التي قد تكون بسبب موسيقى سمعها، أو فلماً شاهده، أو مواقع تواصل قضى وقته عليها، فجميع تلك
الممارسات التي صارت سهلة جداً، وقريبة من الفرد، جعلت الدماغ في كل مرة ينتج كمية دوبامين أكثر من المعتاد، وهذا يفسر سبب عدم استمتاع بعض الأشخاص بالحياة الواقعية العادية، وتراهم طول وقتهم ينشغلون في مواقع التواصل، أو مشاهدة الأفلام أو سماع الموسيقى، هذا بسبب اعتياد الدماغ على حدٍ عالٍ من الدوبامين.
فأصبحت الممارسات اليومية التي كانت ممتعة بالنسبة لآبائنا وأجدادنا، لا تعني لنا شيئاً اليوم، ولا تشعرنا بأي لذة .
وهذا هو ما يجعل الفرد مدمناً على ممارسات تدب به السوء والضعف، لكنه لا يستطيع الاستغناء عنها، فهي إدمان مشبع بالدوبامين سيطر عليه وعلى ممارساته اليومية .
الدوبامين خدعة!
من الجدير بالذكر أن الدوبامين لا يمنحك السعادة أو المكافأة ،
بل يوهمك بها، والشاهد على ذلك أنك ستشعر بنوعٍ من الفراغ بعد الإشباع، فتعود لتبحث عن مصدر دوبامين بنفس التجربة، لكنه بقوى أكبر
لماذا ندمن ؟
الدوبامين هو من العوامل الرئيسية للإدمان بمختلف أنواعه، فهو عامل رئيس في إدمان المخدرات والتدخين، والحب والعلاقات، حتى ولو كانت علاقات سامة.
وهو المسؤول عن إدمان السكريات والطعام _حتى ولو كان طعاماً سيئاً _وهو في ذلك العصر المسؤول عن الإدمان الرقمي لمواقع التواصل والهاتف بشكل عام، أي العامل الرئيس في إدمان أي عادة .
لأن الدوبامين في طبيعته التكوينية لا يرضى بالثبات.
مع كل مرة تستخدم فيها نفس الشيء (مخدر- عادة – لعبة) يحصل الدماغ على دفعة قليلة من الدوبامين، فيطلب الدماغ بعدها جرعة أعلى، أو تجربة أقوى.
فالنضرب مثالاً قد شعرنا به جميعنا:
عندما تلعب لعبة جديدة لأول مرة، ستشعر حيالها بحماسٍ كبيرٍ جداً، وإن أعجبتك اللعبة، ستبدأ تلعبها بكامل تركيزك وحماسك.
ثم ستعود لتكرار اللعب في اللعبة، أو استكمالها في اليوم التالي، ثم في الأسبوع التالي ستكرر اللعبة، لكنك في كل مرة تكرر نفس اللعبة، ستجد أن الحماس يقل، ولا تشعر بنفس الحماس العالي، واللذة التي كنت تحصل عليها من اللعب أول مرة.
فستبدأ بالبحث عن لعبة جديدة، لتحصل على حماسٍ جديد، مشابها لكمية الدوبامين الذي أفرزها دماغك، بل وتبحث عن مصدر أقوى من ذلك.
كيف يؤثر هرمون الدوبامين والإدمان على الفرد؟
في دراسة علمية أنجزتها الدكتورة Nora D. Volkow عام( ٢٠٠٩)
أكدت أن انخفاض نشاط الدوبامين يصاحبه تراجعاً في نشاط الدما غ المسؤولة عن التحكم في السلوك:
•التلفيف الحزاميcingulate gyruw يشارك في التحكم بالانفعالات .
•القشرة الجبيهة الأمامية الظهرية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex تساهم في الوظائف التنفيذية واتخاذ القرار.
•القشرة الجبهية المداري orbitofrontal cortex تعُنى بتقييم الأهمية النسبية للمحفزات.
هذه التغيرات، تفسر السلوك القهري وفقدان السيطرة الذي يميز الإدمان.
كيف من الممكن التحكم في الإفراط في استخدام الدوبامين ؟
أولا ً: تقليل المحفزات الصناعية، عن طريق تقليل الوقت قدر المستطاع على السوشال ميديا، لأنها تضرب دماغك بدفعات متتالية من الدوبامين بلا جهد حقيقي .
ثانياً: استبدل مصادر الدوبامين، كأن تجعل المتعة مرتبطة بأشياء نافعة، كتعلم مهارة جديدة، أو إنجاز مهام، أو قراءة الكتب، أو ممارسة الرياضة، والتأمل .
ثالثاً: تعلم أن تستمتع بالحاضر الحالي .
رابعاً: لا تبدأ يومك بالهاتف بل اجعل لنفسك روتين اً صباحياً هادئاً.
خامساً: صيام الدوبامين: تخصيص يوم أو بضع ساعات لتكون بلا هاتف، بلا سوشل ميديا، دون أي مشتتات، فقط وعي، وتأمل ، قراءة ورياضة.
سادسا: الوعي الذاتي عن طريق مراقبة النفس، والانفعالات الصادرة منها، وكطرح على النفس سؤالاً مهماً: هل ما سأفعله مفيد؟ أم هروب ؟
نهايةً ، هذه ليست حلولاً نهائية قادرة لإرجاع مستويات هرمون الدوبامين إلى حده الطبيعي، بل يوجد الكثير من الممارسات التي لا تتسع لها أرحام الصفحات لذكرها.
فتذكر أن هرمون الدوبامين بذاته ليس سيئاً، ولا مضراً، فهو عنصر أساسي من عناصر الدماغ الذي يدفعك للحياة ،ويدفع ك للتطور وتحسين الذات.
ولكن الصورة السلبية لهذا الهرمون، أو الممارسة السوداء، هو الإفراط في إنتاج هذا الدوبامين
والسعي نحو اللذة اللحظية، أو أي ممارسة من شأنها أن تضع لنا مكافأة كاذبة.