
*صوت المواطن: مسؤولية الحل لا متعة النقد*
القلعة نيوز:
صوت المواطن مسؤولية لا ترفًا: بين نقد السياسات واقتراح الحلول
في خضم التحديات المتسارعة التي تواجه مجتمعاتنا، يصبح صوت المواطن الحي والمبصر قوة دافعة للتغيير والإصلاح. ولا شك أن انتقاد السياسات العامة يمثل حقًا أصيلًا، بل وواجبًا وطنيًا، طالما أنه يستند إلى أسس واقعية ورغبة صادقة في التنمية والارتقاء. لكن، هل يكفي أن نشير بأصابع الاتهام إلى مواطن الخلل؟ أم أن المسؤولية الحقيقية تقتضي منا أن نخطو خطوة أبعد نحو اقتراح الحلول البناءة؟
إن النقد وحده، وإن كان مُحقًا في تشخيص الداء، قد يتحول إلى مجرد صدى سلبي يكرس حالة الإحباط واليأس. فالمجتمعات لا تنهض بالتشخيصات وحدها، بل تحتاج إلى وصفات علاجية عملية وقابلة للتطبيق. هنا يبرز الدور المحوري للمواطن الواعي الذي لا يكتفي برصد المشكلات، بل ينخرط بفعالية في تقديم تصورات واضحة لكيفية تجاوزها.
بيد أن المشهد لا يخلو من أصوات أخرى، قد تعلو حد "الجعجعة"، لا تبغي سوى تصدر المشهد واستقطاب الانتباه. هؤلاء يركزون جل اهتمامهم على البحث عن مواطن النقد، وتضخيمها في كثير من الأحيان، دون تقديم أي رؤية واضحة أو حلول عملية. يبدو وكأن غايتهم الوحيدة هي الظهور في دائرة الضوء، بغض النظر عن الأثر الحقيقي لكلماتهم على مسيرة الوطن.
قد يزعم هؤلاء حرصهم على مصلحة الوطن، ولكن أفعالهم وأسلوبهم يوحيان بغير ذلك. فالمصلحة الحقيقية تقتضي البناء لا الهدم، والمساهمة لا التشكيك لمجرد التشكيك. أما أولئك الذين ينظرون إلى من يقترحون الحلول وكأنهم قادمون من "جزر الواق واق"، فهم يغلقون الباب أمام أي محاولة جادة للإصلاح والتغيير. إنهم بذلك يكرسون ثقافة سلبية تعيق التقدم وتعيق الاستفادة من الطاقات الخلاقة في المجتمع.
إن قوة النقد الحقيقية لا تكمن في حدته أو انتشاره، بل في قدرته على إلهام التفكير الخلاق وتحفيز الجهات المعنية على تبني مسارات جديدة أكثر فعالية. وعندما يقترن النقد بتقديم بدائل واضحة ومدروسة، فإنه يتحول من أداة للهدم إلى لبنة أساسية في عملية البناء والتطوير.
لا شك أن صياغة حلول عملية تتطلب جهدًا إضافيًا، بحثًا معمقًا، وفهمًا للسياقات المختلفة. إنها مسؤولية تتجاوز مجرد إبداء الرأي العابر لتنخرط في تحليل الأسباب الجذرية للمشكلات وتقديم مقترحات قابلة للتنفيذ تأخذ في الاعتبار الموارد المتاحة والتحديات المحتملة.
إن الذين ينتقدون السياسات هم في الواقع جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، وهم يمتلكون رؤى وخبرات قيمة يمكن أن تثري عملية صنع القرار. ولكن، لكي يكون هذا النقد قوة إيجابية، يجب أن يتحلى بالمسؤولية والوعي بأهمية تقديم البدائل. فالمجتمعات التي تزدهر هي تلك التي تحول طاقة النقد إلى قوة دافعة للإصلاح، وتستثمر في عقول أبنائها لتقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهها، بدلًا من الاستماع لمن يعيقون هذا المسعى بنقدهم الفارغ وادعاءاتهم الزائفة بالوطنية.
فلنجعل من نقدنا للسياسات منطلقًا لتقديم رؤى مستقبلية واضحة، ولنتذكر دائمًا أن صوت المواطن هو أمانة ومسؤولية، وأن البطولة الحقيقية تكمن في قدرتنا على تحويل الانتقاد البناء إلى خطوات عملية نحو غد أفضل، وتجاهل أصوات "الجعجعة" التي لا تسعى إلا لتضليل المسار.
حفظ الله الأردن والهاشميين
المتقاعد العسكري نضال أنور المجالي