
وظيفتي العزيزة هذا اعتذاري الأخير....
أعتذر لتلك الوظيفة…
القلعة نيوز: بقلم الدكتور محمد الطحان
التي دخلتُها بحماسة طفلٍ يطرق باب المستقبل، معتقدًا أن الاجتهاد
وحده يكفي، وأن الولاء لا يُقابل بالنسيان.
لأني منحتها أجمل ساعاتي، ودفنْتُ بين مواعيدها مواعيدي، وسلّمتُها
صحتي، وهدأتُ من شغفي لأبدو أكثر انضباطًا.
لم أكن أتوقع مكافآت ضخمة، ولا تصفيقًا دائمًا… فقط كنت أرجو أن أُرى،
أن يُفهم صمتي حين أنهكني التعب، وأن تُقدّر محاولاتي ، لكن الوظيفة لم تكن بيتًا،
بل محطة مررتُ بها طويلًا حتى نسيت أنني كنت أملك الاتجاه.
أعتذر لتلك الوظيفة…
لأني حملتُ على كتفي مسؤولياتٍ ليست لي، وتنازلت عن ذاتي لأُرضي
منظومة لا ترى إلا المخرجات.
أعتذر… لأني تأخرت في الفهم، في أن لا وظيفة تستحق أن تهدر من أجلها
صحتك، كرامتك، أو أحلامك.
أعتذر لتلك الوظيفة…
لأني حين اخترتها، تنازلت عن حلمٍ آخر، ربما كان أقرب إلى قلبي.
لأني صبرت باسم الاستقرار وتنازلت باسم الواقع
أعتذر لتلك الوظيفة…
لاني سأغادر، قريبًا… لا نادمًا بل ممتنًا لأنني تعلمت أن الوظيفة لا يجب أن
تُطفئك، بل أن تُنيرك.
إنه اعتذار لإنسانٍ في داخلي…أرهقته المجاملة، وحرّرته الحقيقة،
وانهكته البيئة المتردية.
أعتذر لتلك الوظيفة…
عندما يُهمل فيه أصحاب الكفاءة، ويُكافأ أصحاب العلاقات،
لا مكان للحالمين ولا لأصحاب المبادئ.
لأني ظننتُ أن الصبر
سيغير شيئًا، وأن التقدير سيأتي يومًا ما، فقط لأنني أستحقه.
لكني تعلمت، ولو
بعد حين، أن العمل بلا تقدير استنزافٌ صامت، وأن قيمة الإنسان لا تُستمد من مكان لا
يعرف قيمته.
بالرغم من جميع
الاعتذرات السابقة الا انني أعتذر لنفسي أولًا…
لأني وضعتُ كرامتي
على الرف، وانتظرتُ إشادة لم تأتِ
وأبقيتُ قلبي في
وظيفةٍ لا تراه، وروحي في مكان لا يسمعها.
أعتذر… لأني تأخرت
في المغادرة.
لكنني لن أتأخر
في إنقاذ نفسي مجددًا.