
"الوظيفة.. مقام للخدمة، لا منصة للاستعلاء”
القلعة نيوز:
الصحفي محمد الفايز
في زوايا المكاتب ودهاليز الوزارات، حيث تدور عجلة الحياة الإدارية، تتجلى حقيقة واحدة لا تخطئها العين النزيهة، بإن الوظيفة ليست تاجًا على الرأس، بل عباءة مسؤولية على الكتف، ومقامًا للخدمة لا منصةً للاستعلاء، كما قال اللورد أكتون "السلطة لا تُفسد الناس، بل تكشف حقيقتهم”، فمن جلس على كرسي المسؤولية، جلس على ميزان دقيق لا تميل كفته إلا بالعدل، ولا تستقيم إلا بحسن الخُلق، والتواضع، ونُبل الأداء، فالعظمة أن تنحني لا أن ترتفع، لأن الموظف خادِم لا متسيد، والوظيفة عبء لا امتياز.
وتمعنوا بما قاله الحجاج الثقفي، "إن رأيتُ اعوجاجًا قوّمتُه بسيفي هذا”، لم تكن عبارته فقط إعلانًا للحزم، بل نذيرًا لكل من اعتلى مقامًا أن يُصلح أول ما يرى من عوج في نفسه قبل سواه، وأن يقيم ميزان الحق لا بسيف الحجاج، بل بعقل عمر، وحِلم محمد، وعدل علي، وحنان لقمان.
أيها المدير، أيها الأمين، أيها الموظف الكريم،
إن العمل ليس مضمار سباق نحو وجاهة زائفة، بل ساحة امتحان لقيمك وأخلاقك وسعة صدرك، المراجع الذي يقف على باب مكتبك، لم يأتِ طامعًا بكرمك، بل مطالبًا بحقه، فإياك أن تغلق قلبك قبل بابك، أو تستعلي على الناس بما وهبك الله من منصبٍ زائل، فتعامل مع الجميع بما تُحب أن تُعامَل به، وتذكّر أنّ كل دقيقة تأخير، وكل إجراء معقّد، وكل ردٍّ جاف، هو خصمٌ من رصيدك الإنساني قبل المهني.
وإننا كبشر معرضون للخطأ، لا عصمة لنا، أقبَلوا النقد كما يقبل العطشان الماء، لا بعين الشك، بل بصفاء النفس وسعة الصدر، فالنصيحة إن صدرت من محبّ، كانت دواء، وإن صدرت من حكيم، كانت نورًا يُرشد، وتذكر مقولة جبران خليل جبران: "من يَظن أنه أكبر من أن يتعلّم، فهو أقرب إلى أن يجهل.”
واستذكر مقولة سقراط "أعظمُ ما يمكن للقائد أن يفعله… هو أن يكون قدوة”، فاعملوا بتآلف، وازرعوا الاحترام بينكم، الكبير يحنو على الصغير، والصغير يُجلّ الكبير، فلسنا خالدين في هذه المناصب، لكننا خالدون بأثرنا، ازرعوا أثراً يُذكركم الناس به إذا غبتم، ولا تجعلوا بصمتكم سببًا في أن تُذكروا بما نَفَر الناس منه، بل بما قَرّبهم إليكم.
أيها السادة: لديكم وطن لا يُشبه سواه، وطنٌ عزيز، بقيادة رشيدة، وقلوب نابضة بالإخلاص، لا تكتفوا بالحلم، بل اجعلوه وقودًا للعمل، وسُلّمًا نحو الريادة، ارتقوا بخدمتكم، وارتقوا بأخلاقكم، فبمثل هذا الارتقاء، تُبنى الأوطان، وتُكتب أعظم الفصول، وتذكّروا دومًا الحديث الشريف، "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.”