
نسرين الطويل / كاتبه سوريه
أربعة عشر عاما من الحرب.. أربعة عشر عاما من الخسارة، الجوع، التشرد، ومعاناة لا توصف. ليست مجرد أرقام في التقارير، بل حياة جيل كامل شوهت طفولته، انسحقت أحلامه، وتعرضت إنسانيته لأقسى اختبار. بينما ينشغل العالم بإعادة الإعمار المادي، تبقى الكارثة النفسية-الاجتماعية الأكثر إلحاحا.
اليوم، قد تكون شوارع سوريا أكثر هدوءا، لكن شعوبها - وخاصة شبابها - يحملون ندوبا لا تستطيع الكاميرات تصويرها. لقد رأوا بيوتهم تتحول إلى ركام، وأحباءهم يدفنون تحت قسوة الحرب، ومستقبلا يسرق قبل أن يتخيلوه. لكن ماذا يحدث عندما تتوقف القنابل، ويبدأ الصراع الحقيقي - الحرب داخل أرواحهم؟
الحرب التي تلي الحرب
أرقام تكشف المأساة:
أكدت أحدث الدراسات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية (2023) أن:
78% من الأطفال السوريين يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة
1 من كل 3 مراهقين تظهر عليهم علامات الاكتئاب السريري
60% من الشباب يعانون من أزمة هوية وانتماء
45% من الناجين يعانون من اضطرابات النوم المزمنة
في زوايا المدن المدمرة، هناك أرواح أكثر تدميرا من الحجر:
طفل يعرف أنواع الأسلحة أكثر من أسماء الزهور
مراهقة تختنق صراخها خوفا من إزعاج الآخرين
شاب يخاف من السكينة لأنها تذكره بأيام القصف
هذه ليست مجرد إحصاءات، بل واقع يومي يعيشه:
معلم يحاول تعليم أطفال لا يهتمون بالحياة
طبيب نفسي عاجز أمام موجات الحزن التي لا تنتهي
أم تبحث عن بقايا طفلها في كل وجه عابر
الأرقام لا تعبر عن:
حجم الخوف الذي يملأ عيون صبية فقدوا براءتهم
ثقل الذكريات التي تحملها فتيات في مقتبل العمر
مرارة اليأس الذي يغمر شبابا بلا مستقبل
هذه الحرب لن تنتهي بمجرد توقف إطلاق النار، لأنها:
حرب ضد الذاكرة
معركة مع الكوابيس
صراع يومي مع الأشباح
العالم يتحدث عن:
إعادة بناء المدارس، لكن من يعيد بناء عقول الأطفال؟
ترميم المستشفيات، لكن من يعالج القلوب الجريحة؟
إصلاح البنية التحتية، لكن من يصلح الإنسان؟
أن يحاصرك العالم بـ "إعادة الإعمار"،
بينما أنت تحمل خرابا داخليا لا تصلحه الجسور!
كيف نعيد بناء روح سحقت تحت أنقاض 14 عاما؟
كيف نعلم طفلا أن يثق بالحياة بعد أن خانته كل الأشياء؟
أين المساحات الآمنة لصرخات لم تسمع بعد؟
هم "الجيل الضائع" - ليس فقط لأنهم فقدوا سنوات من التعليم، بل لأنهم فقدوا الأمان، الهوية، والأمل.
هم "الجيل الخائف" - تطاردهم ذكريات الحصار، الجوع، والخيانة.
هم "الجيل المتألم" - يحملون أحزانا أثقل من أن يتحملوها.
الصحة النفسية ليست رفاهية - إنها بقاء سوريا
إذا كانت سوريا ستقوم مرة أخرى، فيجب أن تشفي شعبها أولا. لا يمكن بناء وطن بأرواح محطمة.
إن إهمال الجانب النفسي يعني بناء مدن من الخرسانة يسكنها أشباح" - هذا ما تؤكده جميع الدراسات الحديثة. العلاج النفسي ليس رفاهية، بل هو أول لبنة في إعادة الإعمار الحقيقي.
هذه ليست أزمة سوريا فقط، بل:
اختبار لإنسانيتنا الجماعية
تحد لأخلاقياتنا العالمية
مساءلة لضميرنا الحي
الجراح الخفية لا تظهر في:
صور الأقمار الصناعية
تقارير الأمم المتحدة
مؤتمرات المانحين
لكنها مرئية في:
عين طفل لم يعد يبكي
يد شاب ترتجف دون سبب
صمت طويل ينتهي بصرخة مكتومة
هذه الرسالة ليست تقريرا صحفيا، بل هي:
نداء من قلب ينزف
صرخة من ضمير يتألم
دعوة لإعادة النظر في أولوياتنا الإنسانية
انشروا هذه الكلمات لعلها تصل إلى حيث لا تصل التقارير الرسمية.