
النائب فراس القبلان
عدتُ إلى وطني بعد غيابٍ طال رُبع قرنٍ ونيف، لا طامعًا في منصب، ولا ساعيًا وراء مكسب، بل مؤمنًا بأن خدمة الوطن شرفٌ لا يُزاحمه شغف، وأن كرامة العمل العام لا تُقاس بالألقاب، بل بصدق النوايا ونقاء المآرب.
دخلتُ البرلمان لا كوافدٍ على سلطة، بل كعائدٍ إلى واجب .
عائدٌ بروح المواطن، لا السياسي، الذي يرى في النيابة وسيلةً لا غاية، ومسؤوليةً لا رفاهية .
رفعتُ سقف التوقعات عاليًا… كنت أظن أن البدايات تُمهَّد، وأن للمهمة أدوات، وأن للدور النيابي متطلبات يُهيَّأ لها : دورات تأهيل، ولقاءات تعريفية، وندوات تُفسّر الموازنة، وتُعرّفنا كيف نُشرّع ونُحاسب ونُسائل، مستشارون قانونيون وتقنيون يعينون النائب على القيام بدوره كما هو الحال في البرلمانات العريقة، الا أنني اصطدمتُ بواقعٍ صامت، لا يرحم المُبتدئ، ولا ينتظر الحالم .
لم أجد مؤسسية حقيقية مساندة للعمل النيابي الذي نرنوا إليه، ولا إطارًا يُرشد، ولا هيكلًا يُعين لأجد نفسي وحيدًا… لا حزب يسندني، ولا كتلة تُساند موقفي، ولا مكتبًا مكتمل الأدوات أو المؤهلات.
فجلستُ إلى الكتب، واستشرتُ أهل القانون، وخضتُ درب الإعداد الشخصي، أُهيّئ لكل جلسة عدّتها، لأنني أؤمن أن الكلمة تحت القبة أمانة، وأن تمثيل الناس شرفٌ لا يقبل التفريط.
ولم تقتصر التحديات علي تحت القبة فقط، بل كانت خارجه أكثر تعقيدًا فالطلبات الشخصية تنهال بشكل يومي – ما بين المشروع والمُنهك – وأحيانًا يُطلب من النائب أن يتوسل لأجل خدمة، ثم يعود ليحاسب ويستجوب الجهة نفسها في اليوم التالي! مفارقة تستنزف الوقت والجهد ، وتُربك المبدأ، وتختبر الصبر كل يوم .
ورغم كل ذلك… لم أضعف، ولم تنطفئ جذوة الأمل داخلي .
ما زلت أؤمن أن هذا الوطن يستحق الأفضل، وأن طريق الإصلاح وإن بدا وعرًا، هو الطريق الأصدق للنهوض.
إنني أؤمن بمسارات الإصلاح الشامل التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، إصلاحٌ سياسي يُعيد الثقة، وإداري يُعلي من الكفاءة والانضباط، واقتصادي يُنقذ البيوت التي أرهقها الفقر والبطالة .
نعم، قد نكون في الخطوة الأولى، لكن الخطوة الأولى هي باب الطريق، وشرارة الانطلاق. ومهما ثقلت البداية، فإن الإرادة تذلل الصعاب، وتفتح للنية الصادقة ألف باب.
سأبقى على العهد، صادقًا في القول، أمينًا في الأداء، وفيًّا لمن أولاني ثقته .
صوتي سيبقى حيث يجب أن يكون : مع المواطن، وقلبي حيث لا يتزحزح : مع الوطن،وولائي المطلق لقيادتنا الهاشمية، التي تمضي بنا إلى الغد بثبات العقل، ونُبل الرؤية، وصفاء الحكمة .