
النائب السابق العميد الركن المتقاعد ذياب المساعيد
السابع من أكتوبر 2023 الفرصة الفارقة التي تلقفها متعطشا نتنياهو، وحولها احداث وتداعيات زلزلت واقع الإقليم حتى مشارف تحقيق حلمه بشرق أوسط جديد وبمقاييس تمكن ( لدولة يهود الكبرى) وتضمن الوجود والقبول والاستمرارية.
المشروع الفارس الذي طويت صفحاته على عجل، ترك خلال العقدين الماضيين يعمل ضمن رؤية ورضا أمريكا وإسرائيل، كان مرحليا، كان مشروعا وظيفيا قلص مسافات من الزمن لم تكن تحلم بها إسرائيل بتحييد اربع عواصم عربية من معادلة (المقاومة العربية) بل ضربت أي مشروع عربي في الأفق المنظور وزرعت مكانه طائفية ومذهبية وكراهية ستبقى اثارها ردحا طويلا من الزمن.
على مدار 20 شهرا ، ومن غزه وحماس، الى حزب الله، الى استهداف اليمن، الى سقوط النظام السوري، ومع نشوه انتصاراته كان نتنياهو يطور أهدافه حسب المراحل، وما زالت عيناه على حلم يراه قريبا، فاهما وواعيا ومستغلا لحاله الجمود والضعف والتفكك العربي المغرية.
فكان الهدف التالي إيران ( المشروع والدولة) بحجه ( النووي ) لكن مجريات الاحداث توحي بما هو اكثر، فهو يريد تفكيك النظام والدولة والمجتمع ( ولتشرب طهران من نفس الكاس التي اسقت بها دولا عربية عديدة) لأزاحه منافس مزاحم له في الإقليم.
الصراع الإسرائيلي الإيراني الحالي حتى وان كان بأذرع الجو ووكالات الجاسوسية، الا انه صراع حقيقي بدوافع ايدلوجية دينية قومية مصلحية، ان طال سيخلق (بحكم المصالح الدولية) تحالفات و اصطفافات قد تفضي لحرب إقليمية لا تبقي ولا تذر.
التحليل في هذا المقام يجب ان لا ينصب فقط على العمليات العسكرية الجارية ومدايات الأسلحة وقدراتها التدميرية وترسانات الأسلحة التي يملكها كل طرف، بل يجب ان يكون موجها نحو ( الدرس والعبرة) و على ( ماذا بعد ).
الاختراق الأمني الإسرائيلي للجسم الإيراني بهذا الكم الهائل من الجواسيس، هذا وحده فقط بحاجة الى دراسة وتحليل وإعادة تقييم الكثير من الأمور .
قوة الردع الإيرانية (صواريخ ومسيرات ) والتي بنتها بقدرات ذاتية، والتي لا تملكها دولة عربية بل لا يمتلكها العرب مجتمعون رغم امتلاكهم لعشرات التريليونات من الدولارات والقادرة على بناء مثل هذه القوة، درس يجب ان لا يغيب عن ذهن صناع القرار العرب .
ذهاب إسرائيلي لضرب ايران ( العدو والمنافس ) رغم المسافة الجغرافية الفاصلة بينهما، درس عميق في ان الامن القومي يجب ان تكون له قوة قادرة على حمايته وحماية مصالحه وأهدافه.
حجم القدرات العسكرية الهائلة وامكانياتها التدميرية لدى طرفي النزاع (وكلاهما عدو للعرب) يجب ان لا تضعنا ضمن ( استراتيجية رعب) نخلقها نحن بضعفنا وخوفنا بفعل فارق الإمكانيات.
أيا كان المنتصر منهما، لن يكون الامر في مصلحة العرب، ولأسباب عديدة قد تكون إسرائيل اقرب لتحقيق المكاسب التي تريدها، واقرب للنصر، عندها سوف تتسيد المنطقة بلا منازع وستلتفت للضفة الغربية والديموغرافية الداخلية لحلها ولو بالتهجير القسري، وقد يكون هذا سبب كاف لنزاع جديد يبقي المنطقة ضمن دائرة التحسب والقلق والدمار والدماء.
ان انتصرت إسرائيل، لن تقبل الندية بل ستطلب التبعية، ولن تقبل شراكات عادلة بل ما يبقيها يد عليا وسيدة في كل موقف.
في هذه الحرب كل صوت يسمع الا صوت العرب، رغم ان الامر يمسهم وجوديا ودينيا وقوميا، وليس المطلوب التدخل (فكلاهما مرشد وحاخام يضعون العرب في خانه عدو يجب قتله وابادته) ولكن الا يمكن لهذه الحرب ان تكون اللحظة التي تيقظ العقل والضمير والجسم العربي, ان لا مستقبل العرب ككيان وقوميه واجيال الا بمشروع عربي حقيقي جاد يبني قوه عربيه قادره على حمايه الامه وكيانها المهدد، والا فالقادم فيه الكثير الكثير من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( ويل للعرب من شر قد اقترب).