
"رؤية لإعادة البناء المهني"
الصحفي محمد الفايز
في عالمٍ تتسارع فيه المعلومة وتتعدد فيه المنصات، بات الإعلام ليس مجرد مهنة، بل رسالة، وسلاحًا ذا حدّين، فالمفهوم الحقيقي للإعلام ليس الإثارة ولا التسويق المبتذل، بل هو كما عرّفه لنا قامات اعلامية درسونا في الجامعات، نقل الرسالة بحياد، ونشر الوعي والثقافات، وتقديم الحقيقة للرأي العام بكل شفافية وموضوعية، وإنه وسيلة لبناء المجتمعات، لا لهدمها، ومنبرٌ للتنوير، لا للتهويل والتضليل.
لقد علّمونا أن "الرأي حر، والمسؤولية جسيمة”، وأكدت المواثيق الدولية ومواثيق الشرف الإعلامي أن الإعلامي الحق هو من يوازن بين حرية التعبير، وبين احترام القيم الثقافية والأخلاقية للمجتمع.
ومن هنا تبرز أهمية كليات الإعلام ومدرّسيها، الذين يقع على عاتقهم تخريج أجيال قادرة على حمل هذه الرسالة بمهنية ووعي، خريجو الإعلام ليسوا مجرد حملة شهادات، بل جنود الكلمة وصنّاع الرأي العام، يتقدمون الصفوف في الدفاع عن الحقيقة ومحاربة الشائعات.
ولكن مع انخراط عدد كبير من غير المتخصصين في المجال الإعلامي، أصبح لزامًا أن تلعب نقابة الصحفيين دورًا فاعلًا في إعادة هيكلة الانتساب وتنظيم شروط الممارسة المهنية، وان لا يترك الجميع دون فهمٍ أو ضوابط.
وعليه، يجب أن يكون من شروط الانتساب الإلزامية اجتياز مواد في التشريعات الإعلامية وأخلاقيات المهنة، سواء للمتخصصين الأكاديميين أو للمنخرطين بالمجال عبر الخبرة العملية، فالموهبة لا تُنكر، ولكنها لا تعفي من الانضباط والالتزام، كما قال أحدهم: "الموهبة تصنع الحضور، لكن الأخلاق تصنع الدوام”.
وفي ظل انتشار منتحلي المهنة والناشطين الذين يعبثون بالمحتوى دون ضابط أو وازع، بات الإعلام بحاجة إلى حماية قانونية وأخلاقية، لا تقل أهمية عن أي جهاز أمني، فقد تحوّلت بعض صفحات التواصل إلى ميادين فوضى فكرية، ينعدم فيها الحس الوطني وتُروّج فيها رسائل مسمومة باسم الحرية.
ومن هنا فإن التنسيق بين نقابة الصحفيين ومجلس الأمة ووزارة الاتصال الحكومي، أصبح ضرورة لا خيارًا، من أجل وضع تشريعات ملزمة تتابع المحتوى المنشور، وتُحاسب من يسيء استخدام المنصات الإعلامية، كما ينبغي أن تتطور النقابة لتصبح نقابة الإعلاميين، تشمل العاملين في جميع فروع الإعلام المرئي والمسموع والرقمي، وتُميّز بين الصحفيين والإعلاميين المحترفين، وبين الناشطين، مع إبقاء حق الإدارة والترشح والتصويت محفوظًا لأصحاب التخصص والخبرة الحقيقية، من صحفيين ومن إعلاميين، ويبقى الناشطين تحت مظلة نقابة تتابع وتوجه، وياتي الاقتراح لشمول أعضاء النقابة، من المسلَّم به في مهنة الإعلام أن "كل صحفي هو إعلامي، لكن ليس كل إعلامي صحفي".
إننا بحاجة إلى إعلام وطني مسؤول، يعكس طموحاتنا، ويحمي أبناءنا من الانزلاق في مستنقعات التفاهة، ويترجم رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، حين قال: "حرية الإعلام سقفها السماء"، والتي تقصد الحرية المشروطة بالمسؤولية والاحترام، كما قال جون ستيوارت ميل، "الحرية الوحيدة التي تستحق هذا الاسم هي حرية السعي وراء مصلحتنا الخاصة بطريقتنا الخاصة، طالما أننا لا نحاول حرمان الآخرين من حريتهم أو إلحاق الأذى بهم".
فهل نكون على قدر هذه الرؤية؟ وهل نعيد الإعلام إلى مكانته، لا كأداة للضوضاء، بل كمنارة للحق والبناء؟