
د. علي السردي
في خطوة تعكس عمق الروابط الإقليمية وروح التضامن العربي، قدّم الأردن مؤخرًا دعمًا إنسانيًا متواصلًا لقطاع غزة، الذي يرزح تحت وطأة أزمة إنسانية خانقة نتيجة التصعيد العسكري والحصار المستمر. وتأتي هذه المساعدات في إطار الجهود الأردنية الهادفة إلى التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، وتؤكد التزام المملكة بثوابتها القومية تجاه القضية الفلسطينية، التي تمثّل محورًا أساسيًا في سياستها الخارجية.
وتضمنت المساعدات قوافل إغاثية متعددة محمّلة بالمواد الغذائية، والمستلزمات الطبية، والأدوية، وخدمات لوجستية. وقد تم تجهيز هذه القوافل وإيصالها بالتنسيق بين الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، ضمن منظومة الاستجابة الوطنية السريعة التي تبنّتها المملكة في التعامل مع الكوارث الإنسانية.
ولم تقتصر الجهود الأردنية على الجانب الإغاثي فحسب، بل تمتد إلى الساحة الدبلوماسية، حيث تواصل المملكة تحرّكها النشط في جميع المحافل الدولية مطالبةً بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وضمان وصول المساعدات دون عوائق. كما شدد جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة على ضرورة التزام المجتمع الدولي بالقانون الدولي الإنساني، وعلى أهمية حماية المدنيين ووقف دوّامة العنف التي تستنزف أرواح الأبرياء.
ويعكس النهج الأردني في هذا السياق مزيجًا من الواقعية السياسية والالتزام الأخلاقي، إذ توظّف عمّان أدواتها الدبلوماسية واللوجستية لخدمة قضايا إنسانية عادلة، في مقدّمتها نصرة الغزيين. ويعزّز هذا الدور المكانة الإقليمية للأردن باعتباره طرفًا فاعلًا ومتزنًا، يوازن بين مواقفه المبدئية ومصالحه الاستراتيجية في منطقة تتسم بالتعقيد والتغيّر المستمر.
ويُعتبر الدعم الأردني لغزة ترجمة فعلية لمفهوم "الدبلوماسية الإنسانية"، التي لا تكتفي بإدانة الظلم بل تسعى إلى التخفيف من آثاره، وتعزيز ثقافة الرحمة والتكافل. كما يعكس وعيًا عميقًا بضرورة التحرك العربي المشترك، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، من أجل صون الكرامة الإنسانية ورفع المعاناة عن الشعوب المتضررة.
إنّ ما يقدّمه الأردن اليوم ليس مجرد مساعدات عابرة، بل هو موقف أخلاقي راسخ، ورسالة سياسية واضحة بأن غزة ليست وحدها، وأن التضامن العربي لا يزال حاضرًا وقادرًا على الفعل. وفي ظل هذه الظروف العصيبة، يظهر الأردن بوصفه نموذجًا للدولة التي تضع الإنسان في محور سياساتها، وتؤمن بأن دعم الأشقاء واجب لا مزيّة.