
القلعة نيوز-أكد معنيون بالشأن الاقتصادي أن علاقات الأردن الاقتصادية مع سوريا تشهد تحولًا لافتًا نحو الانفتاح والتكامل، والانخراط في مرحلة جديدة من التعاون المبني على المصالح المتبادلة.
وبيّنوا أن التقديرات تشير إلى أن الأردن قادر على أن يكون شريكًا فاعلًا في مرحلة إعادة الإعمار، شريطة تعزيز التعاون المؤسسي، وتفعيل أدوات الدبلوماسية الاقتصادية والاتفاقيات المشتركة، مؤكدين أن المملكة تمتلك مزايا نسبية تؤهلها لدعم جهود التنمية في سوريا.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن القطاع الخاص يملك فرصة حقيقية ليكون محركًا رئيسيًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الشقيقة سوريا، عبر استثمارات مستدامة وشراكات استراتيجية تُسهم في دعم تعافي الاقتصاد في المنطقة بشكل عام.
وأشاروا إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتسهيل حركة النقل والترانزيت، سواء من خلال تطوير البنية التحتية في المعابر، أو تسريع الإجراءات الجمركية، والتي بدأت تنعكس بشكل إيجابي على حركة التجارة.
ويشهد مركز حدود جابر، الذي يربط المملكة برًّا مع سوريا، عمليات توسعة شاملة، تتضمن إنشاء قاعات جديدة مجهزة بالكامل لخدمة القادمين والمغادرين، ضمن خطة لتأهيل البنية التحتية ورفع مستوى الخدمات المقدَّمة، وذلك استجابة للزيادة الكبيرة في أعداد المسافرين.
ووقّع الأردن وسوريا مذكرة تفاهم حول إنشاء وتفعيل مجلس التنسيق الأعلى، الذي عقد أولى دوراته في دمشق، وتم خلالها الاتفاق على خارطة طريق عملانية تستهدف تحقيق أهداف قصيرة وطويلة الأمد، بما يخدم المصلحة المشتركة بين البلدين الشقيقين، ويعود بالنفع على شعبيهما.
وكانت اللجنة الاقتصادية التجارية الأردنية السورية قد بحثت، خلال اجتماعها الأخير، التعاون بين البلدين في مجالات: النقل، والزراعة، والجمارك، والمواصفات والمقاييس، والغذاء والدواء، والمدن الصناعية، والمناطق الحرة.
وأكد رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين، حمدي الطباع، أن فرص الأردن في السوق السورية واعدة، لا سيما في ظل بدء مرحلة إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار التدريجي، مشيراً إلى أن المملكة تمتلك مزايا نسبية تؤهلها للعب دور محوري في دعم جهود التنمية في سوريا.
وأشار الطباع إلى أن عدداً من القطاعات الأردنية يمكن أن تستفيد بشكل مباشر من هذه المرحلة، من أبرزها: القطاع البشري، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والصحة، والقطاع المصرفي، وإدارة الشركات، لما تتمتع به من خبرات متقدمة وكوادر مؤهلة.
وأوضح أن الخبرات الأردنية معروفة بكفاءتها العالية وانضباطها المهني، وتمتلك القدرة على سد فجوات كبيرة في سوق العمل السوري، خصوصاً في قطاعات التعليم، والإدارة، والخدمات الطبية.
ولفت إلى أن الأردن يتميز ببنية تحتية رقمية متقدمة نسبياً، تتيح المجال أمام شركات البرمجيات والخدمات التقنية للعمل في سوريا أو من خلال شراكات ومنصات رقمية مشتركة.
وبيّن أن القطاع المصرفي الأردني يتمتع بالاستقرار والتنظيم العالي، ما يمكّنه من لعب دور فاعل في تقديم حلول تمويلية لمشاريع الإعمار والتنمية، سواء عبر شراكات مصرفية أو تسهيلات ائتمانية.
وأشار كذلك إلى أن قطاع التعليم العالي الأردني قادر على تلبية الطلب السوري المتزايد على التأهيل والتدريب، بما يسهم في تعزيز التكامل بين البلدين.
وأكد الطباع أن القطاع الخاص الأردني يمثل نموذجاً ناجحاً في الشراكة التنموية، إذ أثبت عبر العقود مرونة كبيرة وقدرة على التوسع في الأسواق المجاورة، مبيناً أن أمامه اليوم فرصة حقيقية ليكون محركاً رئيسياً في تعزيز العلاقات الاقتصادية الأردنية – السورية، ليس فقط من خلال التبادل التجاري، وإنما عبر استثمارات مستدامة وشراكات استراتيجية تسهم في دعم تعافي الاقتصاد في المنطقة بشكل عام.
من جانبه، أكّد رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، المهندس فتحي الجغبير، أن العلاقات الاقتصادية بين الأردن وسوريا تشهد تحولًا لافتًا نحو الانفتاح والتكامل، مدفوعة بزخم إقليمي متنامٍ، ورغبة حقيقية من كلا الجانبين لتجاوز التحديات والانخراط في مرحلة جديدة من التعاون المبني على المصالح المتبادلة.
وقال: "يمكن قراءة هذا التحول من خلال سلسلة لقاءات ومنتديات وفعاليات اقتصادية عُقدت أخيرًا، وأظهرت استعدادًا رسميًا وقطاعيًا لتمكين الأردن من لعب دور محوري في جهود إعادة إعمار سوريا".
وأضاف: "ما يؤكّد ذلك هو النمو في الصادرات الأردنية إلى الجانب السوري؛ إذ ارتفعت الصادرات الوطنية بما يزيد على 400 بالمئة خلال الثلث الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 72 مليون دينار".
وتابع: "لعل الفرص المتاحة للأردن في السوق السورية لم تعد نظرية أو مؤجلة، بل أصبحت واقعية وملموسة، خاصة مع استئناف الحركة التجارية عبر معبر جابر، وتنظيم فعاليات صناعية مشتركة، ومشاركة واسعة من الشركات الأردنية في المعارض والمنتديات التي تستهدف السوق السورية".
ولفت إلى أن هذه الفعاليات أظهرت اهتمامًا واضحًا من الجانب السوري بالمنتج الأردني، لما يتمتع به من جودة وتجربة تصديرية غنية، خصوصًا في القطاعات المرتبطة بالبنية التحتية، والصناعات الإنشائية، والهندسية، والطاقة، والدواء.
وتوقّع أن تستعيد الصناعات الأردنية دورها كمزوّد رئيس للمنتجات في السوق السورية، مستندة إلى خبراتها الطويلة وجودة منتجاتها، خصوصًا في القطاعات التي كانت تقليديًا تحظى بحصة سوقية مرتفعة، وفي مقدمتها الصناعات الكيماوية والدوائية.
وأوضح أن السوق السورية تشهد طلبًا متزايدًا على المنتجات ذات المواصفات الفنية والطبية، فضلًا عن الصناعات الغذائية والزراعية التي تستجيب للحاجة اليومية المتنامية لدى المستهلك السوري، إضافة إلى الصناعات الإنشائية ومواد البناء الأردنية، بما فيها الإسمنت، والرخام، والأنابيب، والمعدات الكهربائية، خاصة مع اتساع مشاريع إعادة الإعمار.
وأشار كذلك إلى صناعات الأثاث والمفروشات، والألبسة، والسجاد، التي يُرتقب أن تشهد نموًا واضحًا في ضوء الحاجة الواسعة لإعادة تأهيل المنشآت السكنية والتجارية، وكذلك قطاع الخدمات اللوجستية والنقل، إذ يمثّل الأردن معبرًا تجاريًا محوريًا نحو الأسواق اللبنانية والأوروبية عبر الأراضي السورية.
ورأى الجغبير أن التقديرات تشير إلى أن الأردن قادر على أن يكون شريكًا فاعلًا في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، شريطة البناء على ما تحقق، وتعزيز التعاون المؤسسي، وتفعيل أدوات الدبلوماسية الاقتصادية والاتفاقيات المشتركة، مع التأكيد على مبدأ "رابح – رابح"، والحفاظ على المنتجات والاستثمارات الصناعية الوطنية.
بدوره، أكد ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن، المهندس هيثم الرواجبة، أن شركات تكنولوجيا المعلومات الأردنية لديها خبرات كبيرة تؤهلها بجدارة لدخول السوق السورية، والاستفادة من توجه البلاد نحو التحول الرقمي، والأتمتة، والخدمات الإلكترونية.
وقال إن السوق السورية من الأسواق المهمة لشركات تكنولوجيا المعلومات المحلية، مشددًا على ضرورة تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والشركات الناشئة وريادة الأعمال في البلدين، وتسخير الخبرات لما فيه خدمة مصالحهما المشتركة.
وأكد وجود اهتمام كبير من الجانب السوري للاستفادة من خبرات شركات تكنولوجيا المعلومات الأردنية، والخدمات والحلول التي توفرها، موضحًا أن سوريا تحتاج إلى خدمات البرمجيات، والأمن السيبراني، والتطبيقات المواكبة للتطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم.
وأوضح أهمية السوق السورية بالنسبة للأردن، خصوصًا مع القرب الجغرافي والعلاقة المميزة بين القطاع الخاص في كلا البلدين، مبينًا أن السوق السورية تُعد هدفًا للشركات الأردنية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وأضاف أن قطاع تكنولوجيا المعلومات يُعد ممكنًا لكل القطاعات الاقتصادية، وأن الشركات الأردنية تمتلك خبرات وبرامج متخصصة جاهزة لتنفيذ الخدمات الرقمية التي تحتاجها سوريا بأسرع وقت ممكن.
وأشار الرواجبة إلى أن "تجارة الأردن" بصدد تنظيم منتدى أعمال تقني في وقت قريب، يجمع شركات تكنولوجيا المعلومات من البلدين، بهدف الاطلاع على الفرص المتوفرة التي يمكن التعاون فيها من خلال شراكات استراتيجية.
من جانبه، قال نقيب شركات التخليص ونقل البضائع، الدكتور ضيف الله أبو عاقولة، إن السوق السورية تمثّل فرصة واعدة للأردن في ظل تقارب العلاقات وزيادة التنسيق بين البلدين، مؤكدًا أهمية استثمار هذه اللحظة لتعزيز التجارة البينية، وتوسيع دور الأردن كممر لوجستي نحو سوريا، ومنها إلى دول الجوار.
وأوضح أبو عاقولة أن الإجراءات التي اتخذها الأردن أخيرًا لتسهيل حركة النقل والترانزيت، سواء من خلال تطوير البنية التحتية في المعابر أو تسريع الإجراءات الجمركية، بدأت تنعكس بشكل إيجابي على حركة التجارة والصادرات الأردنية، خصوصًا نحو الأسواق اللبنانية والسورية عبر معبر "نصيب" الحدودي.
وأشار إلى أن حركة الشاحنات سجلت ارتفاعًا ملحوظًا خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهو ما يعكس فاعلية الجهود الحكومية في دعم قطاع النقل والتخليص، لافتًا إلى أن انسيابية الحركة على الحدود تسهم أيضًا في خفض الكلف، وتحسين تنافسية المنتجات الأردنية.
وأكد أن قطاع التخليص والنقل الأردني يمتلك الخبرات والإمكانات التي تؤهله للعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا مستقبلًا، مشيرًا إلى أن استقرار المنطقة يفتح آفاقًا واسعة أمام المستثمرين الأردنيين وشركات الخدمات اللوجستية.
من جهته، رأى المختص بالشأن الاقتصادي، منير دية، أن الأردن لديه فرصًا استثمارية كبيرة في سوريا يجب الاستفادة منها، وتوحيد الجهود بين القطاعين للمشاركة في تلك الاستثمارات، خاصة في مجالات النقل والخدمات اللوجستية، وإزالة المعيقات التي تحد من توسع هذا القطاع الحيوي لكلا البلدين، للوصول إلى الأسواق العالمية من خلال خطوط برية وبحرية مشتركة.
وبين أن من القطاعات المهمة أيضًا قطاع الصيرفة والبنوك والدفع الإلكتروني والخدمات المالية، لا سيما وأن الأردن يُعد رائدًا في هذا المجال، من خلال المدفوعات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات، مؤكدًا أن سوريا اليوم بحاجة لهذا القطاع الحيوي.
وأشار إلى فرص أخرى للأردن في السوق السورية، تتركز في قطاع الاتصالات والإنترنت، وتوسعة الشبكات والبنية التحتية لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات، ولدى الأردن تجربة رائدة وتجارب ناجحة على مستوى المنطقة، إلى جانب قطاع الخدمات والتجارة، من خلال بناء تحالفات وشراكات بين الجانبين، وتسويقها خارجيًا، وإقامة المعارض والمؤتمرات المتخصصة في تلك المجالات.
ولفت دية إلى مشروعات الربط الكهربائي، والاستفادة من مشاريع الطاقة المتجددة وتصديرها إلى سوريا بسرعة، والمشاركة في بناء محطات طاقة متجددة مشتركة بين الجانبين، بالإضافة إلى بناء مناطق صناعية مشتركة على الحدود السورية–الأردنية، تتمتع بمزايا استثمارية عديدة، وتعمل على إقامة مشروعات مشتركة داخل تلك المناطق.
--(بترا)