
القلعة نيوز:
في واحدة من الجلسات التي تأخذك بعيدًا عن صخب العناوين اليومية، حلّ منتدى البلقاء الثقافي ضيفًا على جمعية سنا الخيرية في منطقة البقعة، في لقاء حمل عنوانًا بقدر ما هو بسيط، بقدر ما هو عميق: "قوة الأسرة: الركيزة الأساسية في دمج ذوي الاحتياجات الخاصة". لم يكن اللقاء عابرًا ولا تقليديًا، بل كان أشبه برسالة مفتوحة إلى الضمير الجمعي، تنبّه إلى تلك الزاوية المنسية في المشهد المجتمعي، حيث يقف الطفل المختلف، أو الشاب الصامت، أو الأم المرهقة التي تكتم تنهيدتها وتبتسم.
الجلسة كانت بمثابة مساحة دافئة لفتح جراح مسكوت عنها، لكنها مليئة بالحياة. تحدّث الحاضرون عن تجاربهم، عن صمت الأبناء الذين لا يتكلمون، عن تلك النظرات التي تلاحقهم في المدارس والشوارع، عن الأصوات التي تسكنهم ولا يسمعها أحد. ولأن الأسرة هي الحضن الأول، والعين الأولى التي ترى، والقلب الأول الذي يحتوي، جاء التركيز على دورها ليس فقط في الرعاية، بل في الفهم والتقبّل والاحتواء. فالأب الذي يصغي لصمت ابنه، والأم التي تفهم غضبه قبل أن ينطق، هما بداية الدمج الحقيقي، وهما الخطوة الأولى نحو بناء إنسان لا يشعر بالنقص بل بالقيمة.
المجتمع في كثير من الأحيان، بجهله لا بقسوته، يكون جزءًا من المشكلة. النظرة المريبة، العبارة العفوية التي تجرح، التنمّر المقنّع، أو حتى الشفقة الزائدة، كلها تصنع أسوارًا خفية تمنع ذوي الاحتياجات الخاصة من الاندماج. وكان لا بد من الإشارة إلى السلوكيات المدمّرة للذات التي قد تظهر كرد فعل على هذا الرفض غير المعلن؛ إذ كيف لمن لا يشعر بأنه مفهوم أو مرحب به، أن يشعر بأنه يستحق أن يكون موجودًا؟
في هذا السياق، قدّم الدكتور محمد عبد الحميد الرمامنه مداخلة حملت في طياتها روحًا إنسانية عميقة، حين أشار إلى أن الأسرة لا تربي فقط، بل تُنبت الثقة، تزرعها كنبضة في قلب صغير، تكبر معه كلما شعر بأنه مفهوم، مقبول، محبوب كما هو. فالثقة بالنفس لا تولد في القاعات التدريبية بل في حضن أم تنظر بعينيها لا بعين المجتمع، وفي صوت أب يقول: "أنت تستطيع"، لا لأن المجتمع ينتظر، بل لأن الحب لا يشترط شروطه.
لم تكن الجلسة مجرد مناسبة ثقافية، بل كانت مرآة، واجه فيها الجميع مسؤولياتهم. كان الحديث عن الدمج حديثًا عن الإنسانية، عن العدالة، عن الحق في الاختلاف. ففي كل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، هناك قصة تنتظر أن تُروى، وموهبة تنتظر أن تُكتشف، وحياة كاملة تنتظر أن تُعاش بكرامة.
في البقعة، حيث الضجيج لا يخفي الأسى، كانت الكلمة أداة شفاء، وكان الحوار جسرًا بين الواقع والممكن، بين الألم والأمل.