
الدكتور نسيم أبو خضير
قال تعالى " أولئك يسارعون بالخيرات وهم لها سابقون " .
في زمنٍ تتكالب فيه المحن ، وتشتدّ المآسي على أهلنا في غزة ، تخرج بعض الأصوات النشاز ، المتنكرة لحقيقة الجهود الأردنية ومواقفها الثابتة في دعم القضية الفلسطينية ، وتحديدًا في تقديم العون والمساعدة الإنسانية لأشقائنا في غزة .
أصواتٌ تُشكك ، تهمس تارة وتصرخ تارةً أخرى ، محاولةً بثّ الوهم والفرقة بين شعبين إرتبطا بوشائج الدم والدين والمصير منذ أزل التاريخ .
لكن تلك الأصوات لا تزيدنا – نحن الأردنيين والفلسطينيين – إلا يقينًا بصلابة موقفنا ووحدة صفّنا . ففي كل مرةٍ تحاول فيها أبواق التشكيك أن تبني جدارًا بين عمّان وغزة ، تهدمه الوقائع والمواقف وتاريخ من المروءة والنخوة لا يُمحى .
إن الأردن ، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ، لم يتوانَ لحظة عن نصرة غزة وأهلها ، رغم شح الإمكانيات وضيق الموارد .
فمنذ اليوم الأول للحرب الأخيرة ، كان الأردن حاضراً بالفعل لا بالقول ، وبالمواقف لا بالشعارات . طائرات الإنزال الجوي حملت الطعام والدواء إلى سماء غزة ، والمستشفيات الميدانية ما زالت شاهدة على عزم لا يلين . المعابر الأردنية لم تغلق يوماً في وجه الإغاثة ، ولم يعرف الأردنيون معنى للخذلان عندما ينادي الواجب .
ومن يُرِد أن يقرأ التاريخ بإنصاف ، فليتذكر كيف أجبر الأردن المحتل الإسرائيلي على إحضار الترياق لإنقاذ الشهيد الحي خالد مشعل ، يوم وقف الملك الحسين – طيب الله ثراه – بشجاعة لا مثيل لها دفاعًا عن كرامة الأردني والفلسطيني على حد سواء . وليتأمل وقفة الحسين في إستقبال الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، بعدما سعى الأردن بكل ما أوتي من ثقل دبلوماسي للإفراج عنه ، فاستقبله وعالجه في المدينة الطبية بعمّان .
إن من يحاول أن يوجد شرخًا بين الأردنيين والفلسطينيين ، واهم . فهذه الجغرافيا المتصلة بالمصير ، وهذه الذاكرة المشتركة من النضال والمقاومة ، لا يُمكن أن تفتّها ريح التفرقة ولا أن تمسّها سهام التشكيك . فالأردني عندما يقدم لغزة إنما يقدم لأخيه ، ولأرضه ، ولمقدساته التي لا تنفصل عن وجدانه .
أما نحن في الأردن ، فنقولها بثقة ويقين : من غزة وإليها ، نحن باقون في خندق واحد ، والمساعدات التي نقدمها لأهل غزة ليست منّة ، بل واجب لا نتخلى عنه ، ومسؤولية نتشرف بها . ولسنا بحاجة لإثبات مواقفنا ، فالتأريخ يتكلم ، والواقع يشهد ، والسماء التي أنزلنا فيها الدواء والغذاء تعرف من نحن .
فلتمضِ الأبواق في صراخها ، ولتبقَ غزة والأردن يداً بيد ، قلباً بقلب ، لا تفرّق بينهما حملات تشويه ولا أقلام مأجورة .
عاش الأردن وفلسطين... وعاشت غزة حرة أبية .