
القلعة نيوز:
《 بقلم: الدكتور محمد طه العطيوي 》
تحصين الجبهة الداخلية لا يُبنى بالعزلة، ولا يُصان بالخوف، بل يرتكز على الثقة والعدالة، وعلى الإيمان العميق بأن الإنسان هو أساس الدولة ومصدر مناعتها. وهذه ليست مقولة تنظيرية، بل نهج راسخ في مدرسة القيادة الهاشمية التي آمنت دائمًا بأن حماية الأوطان تبدأ من الداخل، من تماسك المجتمع، ووعي شبابه، وعدالة الفرص بين أبنائه.
جلالة الملك عبدالله الثاني، ومنذ تسلّمه سلطاته الدستورية، لم يفصل يومًا بين الأمن والاستقرار وبين كرامة الإنسان وحقه في المشاركة. بل انحاز بوضوح إلى فكرة الدولة المتصالحة مع ذاتها، التي تصغي لمواطنيها وتؤمن بأن الاستثمار الحقيقي هو في العقول الناضجة والطاقات الشابة القادرة على البناء والتغيير.
لم يكن الملك يومًا بعيدًا عن الناس. ظل حاضرًا في تفاصيلهم، قريبًا من همومهم، منصتًا لصوت الشارع الوطني، ومبادرًا دومًا لتحويل القلق إلى أمل، والضغط إلى إصلاح. وخلف هذا الحضور الإنساني الصادق، تقف رؤية سياسية عميقة تُدرك أن الجبهة الداخلية لا تُحصّن بالخطب، بل بالفعل و الاحتواء.
في كل محطة صعبة مرّ بها الوطن، اختار الملك طريق المصارحة والوضوح، لا المواربة والالتفاف. وفي كل لحظة مفصلية، وقف إلى جانب الشعب، مؤكدًا أن الدولة التي تنصت لأبنائها، وتفتح أمامهم نوافذ الأمل، هي الدولة التي لا تهزمها الأزمات مهما تعاظمت. وقد تجلّت هذه الرؤية بوضوح في الأوراق النقاشية الملكية، وفي سلسلة المبادرات والتوجيهات التي أكدت أن الشباب ليسوا هامشًا في المعادلة، بل قلبها النابض.
وتتجلى هذه الرؤية في شخصية سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي يتقدّم اليوم بجيل جديد من القيادة، يتسم بالوعي، والاقتراب من الناس، وفهم عميق لتحديات الواقع وتطلعات الشباب. لقد عبّر سموه في أكثر من مناسبة عن إيمانه بأن الشباب ليسوا فقط مستقبل الدولة، بل حاضرها الفاعل، وصمّام أمانها الفكري والاجتماعي. وتحركاته الميدانية، ولقاءاته المستمرة مع شباب المحافظات، ومتابعته الدقيقة للمبادرات الوطنية، تؤكد أن التمكين ليس شعارًا، بل التزام عملي ورسالة مستمرة.
وتتويجًا لهذا النهج، يأتي قرار مجلس الأمن رقم 2250 الخاص بالشباب والسلام والأمن، ليمنح غطاءً دوليًا لفكرة آمن بها الأردن وسبق العالم في تطبيقها. فهذا القرار، الذي يُعد محطة مفصلية في الاعتراف بدور الشباب في منع النزاعات وصناعة السلام وتعزيز التماسك المجتمعي، وجد في التجربة الأردنية نموذجًا يُحتذى به، لا على مستوى الخطاب فقط، بل في السياسات والممارسات والمبادرات الواقعية.
لقد انطلقت في الأردن خلال الأعوام الماضية عشرات البرامج التي جسّدت جوهر هذا القرار، بدعم مباشر من القيادة الهاشمية، وبشراكة فاعلة بين الدولة والمجتمع. فلم يُختزل الشاب الأردني في موقع المتلقي، بل أُشرك في التخطيط والتنفيذ والتقييم، وبرز حضوره في المجالس المحلية، والمعاهد السياسية، والمبادرات التنموية، والعمل التطوعي، والإعلام المجتمعي، وكل ساحات الفعل الوطني.
الجبهة الداخلية التي يحلم بها الأردنيون، والتي يكرّس جلالة الملك أسسها، ويؤمن سمو ولي العهد بقدسية الحفاظ عليها، لا تُبنى إلا بالمشاركة والعدالة والوعي. والشباب هم ركيزة هذا البناء، متى ما مُنحوا الثقة، لا فقط المسؤولية؛ ومتى ما أُصغي إلى صوتهم، لا وُجّهوا فقط؛ ومتى ما طُرحوا كشركاء حقيقيين، لا مجرد صور تُزيّن المشهد.
نحن اليوم أمام لحظة وطنية فارقة، تتطلب تجاوز الأدوار التقليدية والانخراط في مشروع جماعي لتحصين الداخل. لحظة تُذكّرنا بأن أقوى الجيوش لا تحمي وطنًا تنهار ثقته بنفسه، أو يتآكل نسيجه المجتمعي، أو يفقد شبابه الأمل.
الملك وضع البوصلة، وولي العهد يحمل الشعلة، وما نحتاجه اليوم هو أن ننهض كجيلٍ يؤمن بأن الوطن ليس مجرد ارض نعيش عليها، بل هو فكرة نحيا بها، ونحميها، ونموت لأجلها إذا تطلّب الأمر. فمَن يُحصّن الشباب، يُحصّن الدولة، ومن يؤمن بقدراتهم، يحمي المستقبل.