
ياسمين شهاب
وتهجعُ الأعينُ المجهودةُ إلّا
عيونَ قلبٍ على الأمل ارتكازا
كأنّ فجرًا على الأوراقِ يُكتَبُ،
وكأنّ حلمًا تشكَّلَ وارتجازا
في هذه الليلة، لا تنام البلاد كما تنام كل ليلة…
بل تُنصت البيوت لأنفاسها، وتحبس القلوب رجفتها، ويقف الوقت في الممرات، عند عتبات الغرف، وعلى طاولةٍ فيها رقم جلوس، وآية كُتبت مرارًا بخطٍ مرتجف:
"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.
غدًا تُعلَن نتائج الثانوية العامة.
وغدًا، يتغير شكل الصباح في الأردن.
هناك من سيُزهر بيته بالفرح،
وهناك من سيجلس طويلًا بينه وبين نفسه،
يُرمّم خيبته بالرجاء، ويعيد ترتيب خريطة أحلامه.
لكن ما ينبغي أن نعيه جميعًا هو أن النتيجة، مهما كانت،
ليست نهاية الطريق… بل بدايته.
لقد قضى أبناؤنا عامًا دراسيًا طويلًا،
امتحنوا فيه أنفسهم قبل أن يُمتحنوا على الورق،
تعلّموا الصبر، وتجرّعوا القلق،
وسهروا ليالٍ طويلة،
ليس من أجل علامة فقط، بل من أجل الشعور بالقدرة.
هؤلاء، لا تليق بهم مجرّد أرقام،
بل تليق بهم كلمات فخر، واعتراف بالرحلة،
ويدٌ نربّت بها على ظهورهم، ونقول:
نجوتُم من عامٍ قاسٍ… وهذا انتصار.
وإن كنّا الليلة ننتظر النتيجة،
فإننا لا ننسى أن نُحيّي من حمل هذا العبء العظيم بكل مسؤولية:
وزارة التربية والتعليم الأردنية،
التي أثبتت – مرةً بعد أخرى – أنها تقود هذا الملف الحساس بثقة واحتراف.
لم يكن من السهل أبدًا إدارة موسم التوجيهي في ظل المتغيرات التربوية والاجتماعية،
لكن الوزارة كانت على قدر الثقة، كما عهدها الأردنيون.
معالي وزير التربية والتعليم،
قاد هذه المرحلة الحساسة بصمت الحكماء،
وكان حاضرًا بلا ضجيج، مؤمنًا بأن التعليم ركنٌ من أركان السيادة الوطنية،
وأن العدل في الامتحان، هو عدلٌ في حق المستقبل.
وسعادة الأمين العام للشؤون التعليمية، الدكتور نواف العجارمة،
هو الاسم الذي أصبح مرادفًا للدقة والانضباط،
ولم يدّخر جهدًا في أن تكون كل خطوة محسوبة، وكل معلومة مسؤولة،
فجاءت النتائج هذا العام كما يجب: في موعدها، بثقة، وشفافية.
وإلى المعلمين والمعلمات،
أنتم من وقف في الصفوف الأمامية،
وصبر على القلق، وأدار الحصص كأنها معارك من نور،
أنتم من أعطيتم أكثر مما طُلب، لأنكم تؤمنون أن التعليم رسالة لا وظيفة.
وإلى الأهالي…
شكرًا لكم، لأنكم كنتم المرفأ حين اشتدّ الموج،
كنتم الدعاء الذي لا يهدأ، والاحتواء الذي لا يُقاس.
وإلى طلبتنا، أبناء هذا الوطن العزيز،
درجتك لا تُلخّصك.
نجاحك لا يُقاس بشهادة فقط،
بل بطريقة وقوفك من جديد، إن تعثّرت.
وبعينيك وهما تنظران للأمام بثقة، لا خوف فيها ولا خجل.
وغدًا، حين تُنشر النتائج،
فلنتذكّر جميعًا أن الأهم من التفوق، هو أن يبقى الإنسان شامخًا في وجه كل اختبار.
ولأننا نكتب عن مستقبل وطن،
فإننا نوجّه كلمة صادقة إلى دولة رئيس الوزراء،
أن هذه اللحظة – وإن كانت لحظة إعلان نتائج –
إلا أنها تمثّل بوابة للتأمل الوطني في مصير جيل كامل،
جيل ما زال في أول الطريق، ويحتاج إلى نظرة تُرافقه،
لا إلى تصنيفٍ يُعلّقه في خانة "الناجح” أو "غير ذلك”.
إن التعليم ليس رقمًا،
بل مشروع بناء…
ولا شيء يُحافظ على هيبة الدولة مثل التعليم،
ولا شيء يصنع مستقبلها مثله.
ونحن نثق أن دولتكم الكريمة،
ستبقى تنظر إلى ملف التعليم بوصفه قضية وطن،
فيها العدالة تبدأ،
ومنها النهضة تولد.
غدًا…
تُكتَب نتائج، وتُطلق زغاريد، وتُحزن قلوب، وتُعاد الحسابات.
لكن الأهم أن نُمسك بأيدي أبنائنا، ونقول لهم:
"لقد اجتزتم عامًا صعبًا… وهذه أولى معارك الحياة، وقد خضتموها بشجاعة.”
هنيئًا لمن سيفرح،
وطمأنينةً عميقة لمن سيتأخر فرحه قليلًا.
فالحياة لا تبدأ من التوجيهي، ولا تنتهي عنده