
نسرين الصبيحي / مخرجة اردنية
في ظلّ نزيف الدم المستمر في غزة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطة من عشرين نقطة تهدف إلى وقف الحرب، إطلاق الرهائن، نزع سلاح حماس، والشروع في إعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي. بغض النظر عن الجدل الدائم حول سياسات ترامب، لا يمكن إنكار أن المقترح الحالي يحمل فرصة حقيقية لوقف المأساة الإنسانية وفتح باب للحلول العملية.
أرى أن حماس مطالَبة اليوم بقبول هذا المقترح. فالمعادلة واضحة: إما التمسك بالشعارات والقتال المفتوح الذي يستهلك أرواح المدنيين بلا نهاية، أو اغتنام الفرصة لإنقاذ الشعب والبدء بخطوة نحو مستقبل أقل دموية وأكثر استقرارًا. التمسك برفض أي مبادرة لمجرد العناد السياسي يعني ببساطة التضحية بشعب محاصر ومنهك.
الأكثر إيلامًا أن أصواتًا كثيرة ترتفع من خارج غزة، من عواصم بعيدة وبيوت آمنة، تدعو لمواصلة الحرب وتصفق للدماء المسفوكة وكأنها مشهد في شاشة. الحرب دائمًا أسهل على المتفرجين، أما من يعيش تحت القصف فهو الوحيد الذي يعرف معنى كل دقيقة من الألم والدمار. من لا يعيش في غزة لا يملك الحق الأخلاقي في المزاودة على أهلها ولا في دفعهم لمزيد من الخراب.
لقد آن الأوان ليتوقف الصخب الخارجي، وليُترك المجال لأهل غزة ليقرروا مستقبلهم بعيدًا عن ضغوط المزايدين. قبول حماس بخطة ترامب لن يكون ضعفًا، بل شجاعة ومسؤولية تاريخية. فالشعوب لا تُقاس بقدرتها على الصمود في الدم فقط، بل أيضًا بقدرتها على انتزاع فرصة للحياة الكريمة عندما تلوح في الأفق.
السلام هنا ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل هو رحمة لأهل غزة. رحمة لأم ثكلى تبحث عن الأمان، ولطفل فقد مدرسته، ولأسرة لم تعد تملك بيتًا يعودون إليه. السلام هو الضمانة الوحيدة أن يتوقف هذا النزيف الذي يدفع ثمنه الأبرياء وحدهم.
إن غزة بحاجة إلى الهدوء، إلى إعمار، إلى استقرار، لا إلى خطابات مرتفعة من خارج حدودها. وأملنا أن تسود الحكمة، وأن يُغلّب صوت الحياة على ضجيج الحرب.