
" الأردن ... ثبات الموقف وصدق الانتماء العربي بعد وقف اطلاق النارفي غزة ".
الكاتب و الباحث: د. عزالدين عبدالسلام الربيحات
أما في القضية الفلسطينية، فقد كان الأردن ولا يزال الأكثر ثباتًا ووضوحًا في مواقفه، قيادةً وشعبًا، إذ لم يتغيّر نهجه رغم تبدّل الظروف وتعدد الضغوط. وفي العدوان الأخير على غزة، كان الموقف الأردني مثالًا حيًّا على التلاحم بين القيادة والشعب، فقد تحركت الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها لنصرة غزة والدفاع عن أهلها، منذ اللحظة الأولى للعدوان.
قاد جلالة الملك عبدالله الثاني جهودًا دبلوماسية وإنسانية مكثّفة، دعا فيها إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار، ورفع الحصار عن القطاع، ورفض أيّ محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير أهل غزة تحت أي مسمى. وفي الميدان، تحركت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بإشراف مباشر من جلالته، لتكون الجسر الإنساني الأول الذي يمدّ غزة بالدواء والغذاء والماء، عبر قوافل برّية وجوية متواصلة حملت شعار "من الأردن إلى غزة”.
كما كان للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي – دور بطولي وإنساني عظيم من خلال إقامة المستشفيات الميدانية العسكرية في القطاع، التي قدّمت العلاج والرعاية لآلاف الجرحى والمصابين، وكانت شاهدًا على أن رسالة الجيش العربي تتجاوز حدود الوطن لتصل إلى كل محتاج عربي.
ولم يكن الدعم رسميًا فقط، بل كان شعبيًا واسعًا وشريفًا؛ إذ هبّ الأردنيون من كل المحافظات، يجمعون التبرعات، ويقيمون حملات الإغاثة، ويعبّرون عن تضامنهم بكل الوسائل، في مشهدٍ يختصر معنى الأخوّة والوفاء بين الشعبين الأردني والفلسطيني. لقد أثبت الأردنيون، كما هي عادتهم، أن فلسطين ليست قضية سياسية عابرة، بل قضية وجدان وضمير حيّ، تسكن قلب كل بيتٍ أردني.
لقد حمل الملك عبدالله الثاني القضية الفلسطينية إلى كل منبرٍ ومحفلٍ دولي، متحدّثًا باسم الضمير الإنساني، ومدافعًا عن غزة وأهلها في وجه آلة الحرب والتجويع. لم تمر جلسة في الأمم المتحدة أو اجتماع في البرلمان الأوروبي أو قمة دولية إلا وكان فيها صدى لصوت الأردن وموقفه المشرّف. وكعادته، لم يكتفِ بالكلمات، بل تبعها بالفعل، عبر إرسال المساعدات الطبية والإغاثية عبر القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، التي كانت وما زالت جسراً للخير والعطاء نحو غزة المحاصرة.
ورغم كل هذا التاريخ الناصع والمواقف المشرّفة، ينهض بين الحين والآخر من يحاول التشكيك في دور الأردن والتقليل من شأن جهوده، وكأن الدفاع عن الأشقاء صار تهمة، أو الوقوف إلى جانب الحق صار موضع ريبة! إن من يعرف تاريخ الأردن وقيادته الهاشمية يدرك أن هذا البلد لم يتاجر يوماً بالمواقف، ولم يساوم على المبادئ، بل كان دائماً في الصف الأول دفاعاً عن الأمة وقضاياها العادلة.
الأردن لا ينتظر من أحد شهادة حسن سلوك، فشواهده على الأرض كافية، وتاريخه الناصع يشهد أن مواقفه ليست طارئة ولا لحظية، بل نابعة من هويةٍ راسخةٍ ومبدأٍ عروبيٍّ أصيلٍ، يؤمن بأن أمن العرب كلٌّ لا يتجزأ، وأن فلسطين هي البوصلة التي لا يحيد عنها الهاشميون مهما اشتدت العواصف.
اللهم احفظ الأردن أرضًا وشعبًا وقيادة، وبارك في جيشه وأمنه واستقراره، وأدم عليه نعم الأمن والعز والكرامة، واجعل رايته خفّاقة في ميادين العزّ والحقّ، وسدد خطى قيادته الحكيمة لما فيه خير الأمة ووحدتها.