القلعة نيوز-
يعد النوم تجربةً عالمية، ورغم أننا نقضي ثلث حياتنا تقريباً نائمين، فإن الأسباب العلمية التي تجعل بعض الأشخاص في احتياج أقل أو أكثر للنوم ليست مفهومةً كلياً.
يعي معظم الأشخاص عدد ساعات النوم التي يحتاجونها كي يشعرون بالراحة، بالإضافة إلى أفضل الأوقات المناسبة للنوم خلال اليوم، لكن الأسباب المحددة وراء هذه الميول لا تزال غامضةً إلى حدٍّ ما.
بحسب ما نشره موقع Health Line؛ يفكّ باحثون من جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو خيوط بعض هذه الألغاز، على الأخص الدور الذي تؤديه الجينات في تحديد في عدد الساعات التي ينامها الشخص.
ونُشرت دراستهم هذا الأسبوع في دورية Neron العلمية.
ودرس الباحثون عائلة تتسم بطفرات مَجِيْنِيَّة (مرتبطة بتغيّر معلوماتهم الوراثية) التي جعلتهم يشعرون أنهم قد نالوا قسطاً جيداً من الراحة رغم أنهم ناموا أقل من 8 ساعات ليلاً.
وحدد يينغ هوى فو، وهو مشارك رئيسي في الورقة البحثية وأستاذ في علم الوراثة لدى جامعة كاليفورنيا وحاصل على درجة الدكتوراه، هذه الطفرة أولاً لدى أشخاص طبيعيين يحتاجون عدد ساعات نومٍ قليلة.
وقال بينغ لموقع Health Line: «نحن في مرحلةٍ، نحاول فيها تجميع قطع الأحجية والبحث عن القطع الأولى منها لبناء صورةٍ حول الموضوع. الأمر مثيرٌ للغاية، إذ إن هذا يساعدنا على فهم الكيفية التي ننظم بها نومنا» .
كيف تؤثر الجينات على نومنا؟
قبل التعمق في البحث، من المهم فهم الآليّتين اللتين تؤثران على النوم.
أول آلية، وهي الساعة البيولوجية، مفهومةٌ إلى حدٍّ كبير.
والساعة البيولوجية هي الساعة الداخلية لجسم الإنسان، وتحدد هذه الساعة أكثر وقتاً في اليوم يشعر فيه الجسم باليقظة والانتباه، بالإضافة إلى الأوقات التي يشعر فيها الجسم بالرغبة في النوم.
ويركز بحث جامعة كاليفورنيا أيضاً على الآلية الثانية وهي محرك الاستتباب.
ويعمل هذا المحرك بوصفه عداداً وقتياً داخلياً. باختصار يعني هذا أنه كلما طال الوقت الزمني الذي يستيقظ فيه الشخص شعر باحتياجٍ أكثر للنوم.
وشرح جيسي ميندل، اختصاصي علم الأعصاب لدى مركز يكسنر الطبي بجامعة أوهايو والمتخصص في طب النوم، هذه الوظيفة قائلاً: «لدى محرك الاستتباب العديد من العوامل المتغيرة» .
وتابع ميندل: «ستسمع أشخاصاً يقولون إنهم يحتاجون إلى 8 ساعات من النوم، لكن في الحقيقة هناك نطاق واسع من عدد ساعات النوم التي قد يقول معظم الأشخاص إنهم بحاجةٍ إليها كي يشعروا بالراحة» .
تعمل الساعة البيولوجية ومحرك الاستتباب معاً بتناغم للتأثير على أنماط النوم، لكن محرك الاستتباب لا يزال غير مفهومٍ جيداً.
للتعلم أكثر بشأن هذا الموضوع، بنى باحثو جامعة كاليفورنيا على النتائج المبكرة ودرسوا عائلةً لديها شكلٌ متحول من جين «ADRB1» .
وقال لويس بتاك، وهو اختصاصي في علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، والباحث الآخر المشارك في الدراسة: «هؤلاء الأشخاص مثيرون للاهتمام بالفعل. ينامون لمدة 4 أو 6 ساعات في اليوم، ويشعرون أنهم في حالةٍ جيدة عندما يستيقظون. ينامون بقدرٍ أقل بكثير من متوسط عدد ساعات النوم التي يقضيها الشخص العادي خلال حياته» .
هذا الجين المختلف الذي يجعل الأشخاص أقل احتياجاً للنوم على نحو طبيعي هو مستقبل لمُركب يسمى الأدينوزين.
ومستقبلات الأدينوزين هي أحد الأهداف التي يؤثر عليها الكافيين، وتتعلق بعوامل بيولوجية أخرى.
وقال لويس: «عندما وضعنا مخططاً لهذا الجين واستنسخناه، كان الأمر مثيراً للغاية، لأن هذا أول دليل مباشر على أن هذا الجين وهذا المُستقبِل لهما علاقة مباشرة باستتباب النوم وتنظيمه» .
إلى أي شيء يقودنا هذا؟
قال جيسي إن هذا البحث يفتح أمامنا عدداً من الاحتمالات النظرية المثيرة للاهتمام.
وتابع: «كلما طال وقت استيقاظ الأشخاص، أثَّر هذا على وظائفهم الإدراكية وقدرتهم على صنع القرارات، وعواطفهم، وسلوكهم. لذا إذا استطعت أن تؤثر على محرك الاستتباب فربما تحتاج قدراً أقل من النوم مما تحتاجه حالياً، وهو احتمال نظري قوي للغاية إذا فكرت بشأنه» .
ويعترف لويس بأن هناك حاجةً إلى إجراء مزيد من الأبحاث لفهم هذه العلاقات بشكلٍ أفضل، لكنه قال إن أي شيء يساعد الأشخاص على النوم بطريقةٍ أفضل هو مفيد من وجهة نظر الصحة العامة.
وقال: «نعلم أن الحرمان المزمن من النوم يُسهم في زيادة مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض: العديد من أنواع السرطان، ومرض المناعة الذاتية، والأمراض النفسية، والتحلل العصبي» .
وتابع: «إذا استطعنا تطوير مُركبات تساعد الناس على النوم بطريقةٍ أفضل وأكثر فاعلية، نعتقد أن هذا ستكون له تأثيرات عميقة على تحسين صحة الإنسان بشكلٍ عام، ليس بطريقةٍ محددة تتعلق بمرضٍ معين، بل من خلال فكرة التمتع بصحةٍ أفضل من خلال نومٍ أفضل» .
عدد ساعات النوم الكافية للراحة تختلف باختلاف الصفات الوراثية
ملحوظة للأشخاص الليليين
قال لويس: «سواء كنت تميل إلى الاستيقاظ مبكراً أو السهر ليلاً أو تنام لوقتٍ طويل أو قصير، فهناك العديد من العوامل الجينية التي تؤثر على هذه الخصائص» .
وأضاف أنه وزملاءه يروّجون لفكرة أن يصبح الناس منفتحين، ويعترفوا بهذه الاختلافات البيولوجية بطريقةٍ لا تتضمن إصدار أحكامٍ على الآخرين، لأن تغيير الجينات التي وُلدنا بها ليس بيدينا.
وأضاف: «هناك الكثير الذي يمكن أن نتعلمه من الأشخاص الذين لديهم أنماط نوم مختلفة. هناك بعض الأشخاص الذين يحتاجون إلى 10 ساعات نوم يومياً كي يشعرواً أنهم في حالةٍ جيدة، ويؤدّون وظيفتهم على نحوٍ مثالي، ولا يعني هذا أنه لا يوجد العديد من الأشخاص الكسالى الذين يتلكأون حولنا» .
وتابع: «لكنَّ جزءاً من احتياجنا للنوم تحدده الجينات، لا يمكننا إنكار أن كل واحد منا مختلف في هذا الأمر، ونحن بحاجةٍ إلى احترام هذا» .
عربي بوست