كتب / د. محمد أبو بكر في العادة ؛ تتشكّل الكتل النيابية داخل مجلس النواب على مبدأ الصداقة والعلاقات العامة دون وجود برامج تجمع هذه الكتل أو حتى وجود قواسم مشتركة بينها . وكثيرا ما ينفرط عقد العديد من هذه الكتل نتيجة لوجود خلافات بين أعضائها ، وتشهد انسحابات واستقالات ، وبما يوحي أنّ تشكيل الكتل النيابية لا أساس له يمكن الإعتماد عليه ، وهذا واضح من خلال مشاهداتنا للمجالس النيابية المختلفة . عمليا ؛ يخلو المجلس من النواب الحزبيين القادرين على تشكيل قوائم أو تكتلات نيابية حزبية ببرامج واضحة ، وقد يقول أحدهم بأن الاحزاب تعاني ضعفا شديدا بحيث لا تستطيع إيصال المرشحين الحزبيين للبرلمان ، وهو كلام صحيح ، ولكن كيف لنا العمل على صناعة أحزاب قوية فاعلة قادرة على التأثير وصناعة القاعدة الشعبية التي تتمكن من حملها إلى المجلس النيابي .؟ جلالة الملك التقى مؤخرا مع الكتل النيابية في المجلس ، وتحدّث بكلام واضح حول الرغبة في رؤية هذه الكتل وقد تحوّلت إلى
أحزاب سياسية ، وهو كلام يوضح الرغبة الملكية في أن يكون للأحزاب دور في المرحلة القادمة وتستطيع الوصول للمجلس وتعمل على تشكيل كتلها تحت القبة ، وهي بالتأكيد كتل برلمانية تتمتّع ببرامج واضحة . الرسالة الملكية التي تلقفها النواب يجب أن تصل إلى كافة القوى في بلادنا ، وإذا كنّا مقدمين على حوار وطني لمناقشة قانوني الإنتخابات والأحزاب ، فيجب الأخذ بعين الإعتبار أن جلالة الملك وبالبنط العريض يرغب بوجود عمل حزبي حقيقي وفاعل على الساحة الأردنية ، ومن الضروري تمهيد الطريق لذلك . لا يمكن للأحزاب الأردنية أن تخرج من الحالة الراهنة المؤسفة دون أن يرتبط ذلك بقانون إنتخابات يمنحها الحق الكامل في أن يكون لها دور فيه ، من خلال قائمة خاصة بالأحزاب ، كقائمة نسبية مثلا وبعدد من المقاعد قد لا تزيد على أربعين بالمئة مثلا من العدد الكلّي لمقاعد المجلس ، علما بأن الوصول إلى المجلس النيابي في الدول الديمقراطية العريقة لا يتم إلا من خلال الأحزاب فقط ، غير أن الخصوصية الاردنية تمنع ذلك حتى هذه اللحظة . الأحزاب أبدت إرتياحا كبيرا لكلام الملك حول الإهتمام بها وبوجودها ، وهي اليوم تمنّي النفس لتنفيذ ما جاء على لسان قائد البلاد وتطبيقه على أرض الواقع ، وغير ذلك ستبقى هذه الأحزاب تراوح في نفس المكان ، وستجد أنها باتت معزولة تماما ، وربما يقرر بعضها مغادرة الساحة إلى غير رجعة .
نحن أمام مرحلة هامة لتحقيق إصلاح سياسي حقيقي ، فقد تعبنا من التنظير على مدى ما يقارب الثلاثة عقود ، فالأردنيون وصلوا إلى مرحلة متقدمة من النضج السياسي ، ومن حقهم التغيير الشامل فيما يتعلق بالسلطة التشريعية وتجربة النواب الحزبيين ، الذين سيكون أداءهم مختلفا تماما عن غيرهم ، فهم القادرون على تغيير الصورة النمطية للمجلس وربما النجاح في إعادة الثقة مع المواطن الذي يرغب بالإنتقال خطوة مؤثرة من خلال رؤية التغيير الحقيقي في أداء مجلسه النيابي .