" بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (الروم: 29، 30).
تعيش البشرية في هذا العصر حالة من الجنون الفكري لمن نَصَبوا أنفسهم كمفكرين ومٌخَلٍصين للعالم مما سيحيق به من كوارث في جميع نواحي الحياة، وأن العالم في نظرهم هو كالمزرعة هم المالكون والاخرين صنف يماثلهم في الصفات، وانهم وجب ترويضهم وتدجينهم وتهجينهم، فهم لا حول ولا قوة لهم، وضررهم اكثر من نفعهم .
وقد تمخض عن هذا الجنون الفكري العديد من الاسئلة التي تجول باذهان من هم مدجنين وبعض المصطلحات المتناثرة هنا وهناك، فادخل هذا المخاض الفكري البشرية في صراعات نفسية ودموية ومادية وانسانية، فابعدها ذلك عن حقيقة فهم و ادراك الغاية الاساسية من الخَلق، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( الذاريات( 56) ، وقوله " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" البقرة (30).
ومع هذا التشويش الفكري اصبح أصحاب الصنف الداجن يرون أن الطرف الأخر سياسياً، ينتمي بفكره الى عالم الحيوان المفترس اللاحم الذي لا يعرف الا غريزة اشباع غريزته بالتفرد والتلسط بالرأي، وانهم يراوغون البشرية تحت مصطلحات الاستحمار والاستهتار السياسي، " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ " (لقمان:6). أما اقتصاديا فيُرى أنهم يديرون البشرية بمبدأ اقتصاد المزرعة والاقتصاد الهوائي ، " وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (المزمل: 20).
كما ورغم القناعة التامة لديهم بأهمية وفضل العلم والمعرفة، الا انهم يرون أن ما يتم تطويرة من افكار علمية هو يسير نحو الإضرار وليس النفع للعالم، لما فيه من محاولة للتدخل بنواميس خلق الكون والانسان، ويتسائلون ما فائدة اطلاق عشرات الالاف من الاقمار الصناعية لنتمتع بانترنت اسرع واصبح الجار لا يعرف جاره، وما فائدة غزو الفضاء بمليارات الدولارات والانسان جائع على ظهر الارض، وما الفائدة المجنية من تقليل عدد البشرية والتعديل بالحمض النوي له، وصنع الأطعمة المهدرجة والمعدلة وراثيا، في حين اصبحت الاراضي بورا، لماذا لا نعيش العلم لفهم عظمة الخالق، " لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " ( غافر: 57).
وهنا يُرى أن البشرية تتقلب بين زمرتين تَرى احداهما ان الاخرى تسعى لتهجين وتدجين العالم ضمن مزرعتها الخاصة، لتحكمه وتعتاش منه وعليه، ولو بسياسة ملطخة بالدم كظهور جماعات ارهابية هلامية تظهر فجاة وتختفي فجاة او اوبئة تتكاثر حولها التكهنات والتساؤلات، أو الاغراء بغزو الفضاء المجهول، والأخرى تَرى أن الاخرين جهله لا يملكون من أمرهم شيء.
ويجيب عالم الغيب والشهادة " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " ( الروم: 29، 30)، وقوله تعالى " بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ " ( العنكبوت: 49) صدق الله العظيم.
حمى الله الاردن وملكيه والبشرية جمعاء