ضمّ المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن صوته إلى جميع الدول والكنائس التي رفعت صوتها معبّرة عن الألم والقلق البالغين إزاء أحداث العنف والاضطرابات التي تعصف بمدينة القدس، سواء في أحياء البلدة القديمة أو باحات المسجد الأقصى، أم في حي الشيخ جرّاح. وقال بأن القدس في قلب الكنائس محليًا وعالميًا.
وشجب مدير عام المركز الأب د. رفعت بدر العنف والاعتداءات التي تشهدها المدينة المقدسة، مشدّدًا بأنها انتهاك لمكانة القدس ورسالتها بوصفها مدينة للسلام والأخوّة، وبيتًا لكلّ مؤمني الديانات الإبراهيميّة بلا استثناء؛ فالعنف المستخدم ضد الشعب الفلسطيني عامة، والمقدسيّ بشكل خاص، هو انتهاك لكرامتهم، وتهديد لحقهم في الوصول إلى أماكنهم المقدّسة، كما أنّ اقتلاع السكان الفلسطينيين من بيوتهم هو اعتداء لا يمكن قبوله وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسيّة. وقال بانّ الاعتداء على المصلين في أماكن العبادة هو أشنع الاعتداءات التي تعرفها البشرية ، وهذا ينطبق على اعتداءات الاسرائيليين على المصلين المسيحيين الأسبوع الماضي في كنيسة القيامة، بمناسبة عيد الفصح المجيد، وعلى المصلين المسلمين في المسجد الأقصى على عتبة عيد الفطر السعيد.
وأوضح الأب رفعت بدر في بيان المركز الكاثوليكي بأنّ أصوات الكنائس واضحة وصريحة في التأكيد على وجوب أن تتمتّع الأرض المقدسة بالسلام الذي تتوق إليه، والقائم على العدل، كما أنّه من واجب كل إنسان ألا يغض الطرف أمام أي ظلم أو اعتداء على كرامة الإنسان، رافعًا تحيّة إجلال إلى الشعب الفلسطيني الصامد لتنفيذ تطلعاته الحقّة والمشروعة في إقامة دولته المستقلة، كما وإلى الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة الأردنيّة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس مدينة السلام والقداسة.
وأشار المركز في بيانه إلى النداءات التي وجهتها الكنائس في العالم إزاء هذه الأحداث الأليمة. فقد وجّه البابا فرنسيس يوم الأحد نداءً شدّد خلاله على وجوب أن تبقى مدينة القدس مكانًا للقاء وليس مكانًا للاشتباكات وأعمال العنف، داعيًا إلى احترام الهويّة المتعددة الأديان والثقافات للمدينة المقدسة وأن تسودها الأخوّة. وقال قداسته: "إنّ العنف لا يولّد إلا العنف. كفى اشتباكات!".
وبدورهم، أكد بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس بأنّ التطورات الأخيرة تنتهك حرمة المقدسيين والقدس، وبأنها أعمال غير مقبولة تنال من سلامة المصلين وكرامة الفلسطينيين الذين يتعرضون للإخلاء من منازلهم. وأشاروا بأنّ الطابع الخاص لمدينة القدس، في ظل الوضع الراهن، يجبر جميع الأطراف على الحفاظ على الوضع الحسّاس في المدينة. فالتوتر المتزايد، والمدعوم بشكل رئيسي من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة، يُعرّض الواقع الهشّ في القدس وما حولها للخطر، داعين المجتمع الدولي وجميع أصحاب النوايا الحسنة للتدخل لوقف هذه الأعمال الاستفزازية ومواصلة الصلاة من أجل سلام القدس.
ودعت البطريركيّة اللاتينية الى يوم صلاة شامل في كل رعاياها في الاردن وفلسطين وقبرص من أجل السلام، واكدت في بيانها على الموقف التاريخي، والدائم والواضح، في التنديد بأيّة محاولة تسعى لجعل القدس مدينة حصريّة لطرف دون آخر. وقالت: "هذه مدينة مقدسة للديانات الموحدة الثلاث، وبناءً على القانون الدولي وقرارات هيئة الأمم المختصة، هي مدينة حيث الفلسطينيون أيضًا، مسلمين ومسيحيين، لهم الحق نفسه في بناء مستقبلهم فيها على أسس الحرية والمساواة والسلام"، داعية إلى احترام كامل للوضع التاريخي الراهن في كل الأماكن المقدسة، بما في ذلك المسجد الأقصى والحرم الشريف.
أمّا بطريركية القدس للروم الأرثوذكس فأكدّت على حق المسلمين الحصري في المسجد الأقصى المبارك، وأن أي اعتداء على المقدسات سينتج عنه عقبات وخيمة، مذكرة بإجراءات سلطات الاحتلال غير المبررة والتي أدت إلى تعكير أجواء احتفالات عيد الفصح. كما شدّدت على حق سكان الشيخ جراح بالتعبير عن مخاوفهم المحقة والعيش في أحياءهم بكرامة بعيدًا عن سياسة الطرد والتهجير. وخلصت إلى ضرورة احترام الوضع القائم التاريخي والقانوني للأماكن المقدسة، والعمل الدولي من أجل أن تكون القدس مفتاح السلام والمحبة.
ودان مجلس رؤساء الكنائس في الأردن الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس ومقدساتها وما يقوم به المستوطنون بحماية من الشرطة وقوات حرس الحدود، من اقتحام المسجد الاقصى المبارك والحرم الشريف، ما يشكّل خرقًا صارخًا لكل الأعراف والمواثيق الدولية وانتهاكًا متكررًا لحرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية. وعبّر المجلس عن تأييده الكامل لما يقوم به جلالة الملك عبدالله الثاني ولمواقفه الثابتة والمشرفة انتصارًا للحق والعدل والسلام في فلسطين المحتلة وخاصة القدس الشريف التي بذل الهاشميون في سبيل تحريرها والحفاظ على هويتها الأصيلة كل غالٍ ونفيس.
كذلك أعرب مجلس الكنائس العالمي ومقره جنيف، الذي يمثّل كنائس من 150 دولة حول العالم، عن حزنه العميق إزاء محنة عائلات الشيخ جرّاح الفلسطينية، وإزاء موجة الاضطرابات والعنف، داعيًا إلى احترام الوضع القائم للأماكن المقدسة في مدينة القدس. كما شدّد المجلس على أنّ الرّد المناسب يجب ألا يكون عبر المزيد من العنف، إنما من خلال التضامن وتحقيق العدالة العدل للشعب الفلسطيني المتضرّر جرّاء الوضع الجائر والظالم الذي يعيشه.
ومن بيروت، طالب مجلس الكنائس في الشرق الأوسط، وبشكل حثيث، مراجع القرار في العالم وكل القوى المعنيّة التدخّل السريع والدؤوب من أجل إحقاق الحقّ ورفع الجور عن الشعب العربي الفلسطيني الذي لم يبق غيره تحت الإحتلال في القرن الواحد والعشرين وفي زمن حقوق الإنسان، والذي له الحقّ أن يحيا حياة كريمة، آمنة ومزدهرة أسوة بشعوب المعمورة!".